البلطجية في مصر والبلاطجة في اليمن والشبيحة والزعران والقبضايات في بلاد الشام كلها مسميات لأصناف من البشر يمارسون فعلا واحدا غير مشروع هو فرض الرأي والسيطرة بالعنف والقوة علي الآخرين والخروج علي القانون ويقابلهم في الغرب المافيا والمرتزقة وعصابات الشوارع والبودي جارد. البلطجي كلمة تركية الأصل بدأ استعمالها في عصر حكم الدولة العثمانية لمصر وتعني حامل البلطة (بلطة جي) مثل غيرها من المهن اليدوية التي تحمل في نهاية مسمياتها حرفي جي ، كون الجيش التركي فرقة تحمل البلط لإزاحة الأشجاروالحطب وتمهيد الطرق لوحداته لكن دورها تغير في عهد انحطاط الدولة فصاروا حماة للولاة بقوة عضلاتهم وترويعهم وتنكيلهم بالشعب وجود وتأثير البلطجية تزايد وتفاقم خلال وبعد ثورة 52 يناير بما يقومون به من أعمال سلب ونهب وترويع وقتل في ظل الفراغ الأمني وخدمة لبقايا النظام القديم ومن أجل نشر الفوضي وهم لايختلفون عن الدور الذي لعبه زبانية التعذيب في السجون وزوار الفجر وجيوش المخبرين في كل قطاعات الدولة وماسمي بفرق مكافحة الشغب في السنوات الأخيرة من النظام السابق من مفتولي العضلات غلاظ القلوب ممن يمارسون أدوارا قذرة ولاتأخذهم بالبشر رفقا ولارحمة !! البلطجية استخدموا علي نطاق واسع في الانتخابات البرلمانية والمجالس المحلية لترويع المنافسين وأنصارهم علي نفقة المرشحين ونفقة الدولة!! كما كانوا في الماضي أداة في انتزاع حقوق الآخرين من أراض وعقارات وممتلكات بكافة أنواعها بالقوة في خرق وتحد سافر للقانون واستنادا علي مايتمتع به كل من يقترب من دوائر السلطة والنفوذ حتي صاروا جزءا من منظومة الفساد والقهر في العهد السابق. لكن ثمة تساؤلات لابد من طرحها : هل يقتصر المفهوم علي من يمارسون العنف البدني تجاه الآخرين أم أنه يتعداه لأنماط أخري ، ألا تعد منظومة الاحتكار لكل شيء في مصر وتدمير صناعة وزراعة واقتصاد البلد خلال الأعوام الماضية بلطجة سياسية واقتصادية من خلال أباطرة لجنة السياسات والحكومات وقصر الرئاسة وغيرهم من المتمتعين بمظلة أمن الدولة في مواجهة خصومهم ؟! ألا يعد تزوير ومصادرة إرادة الشعب في اختيار من يحكمه طوال ستين عاما بلطجة نظام ؟! وكيف نصنف مايفعله بعض مثقفي النخبة والإعلاميين بنشاطهم المحموم لإقصاء الآخرين من الساحة السياسية وفرض رأيهم فهم يستخدمون البلطة بدلا من القلم والكلمة ليفتحوا الطريق لمشروعهم التنويري ومحاولة السيطرة علي عقل ووعي الناس وشن حملات عدائية لتشويه سمعة كل من يختلف معهم وأنهم يحملون أجندات داخلية أو خارجية بدلا من الحوار مع الآخرين بإعتبارهم جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي والإيهام بأنهم وحدهم يملكون زمام الحقيقة والحكمة والفهم دون باقي مكونات هذا المجتمع ، لايعيشون معاناة أبناء الشعب وينعزلون في أبراجهم العاجية وشاشات الفضائيات ويصفونهم بالجهل وقلة الوعي وعدم النضج وقصور الفهم وأن الوقت لم يحن لممارسة الشعب للديمقراطية !! ألا يمتد المصطلح ليشمل أقطاب النظام السابق الذين مارسوا البلطجة عبر قائمة طويلة من أعمال الفساد نتاج العلاقة غير المشروعة بين رأس المال والسلطة وإثراء القلة علي حساب جموع الشعب والضرب بأحكام القضاء عرض الحائط وسن التشريعات التي تخدم مصالحهم وبيع أرض مصر وثرواتها لكل من هب ودب من أصدقاء وأعداء !! إذن البلطجة مصطلح ومفهوم اتسع نطاقه في ظل مناخ فاسد مارس القهر وبلطجية الشوارع ممن يثيرون المخاوف والإحساس بعدم الأمان هم إفراز طبيعي لهذا المناخ. والحل الناجع لهؤلاء أن ينالوا أقصي العقوبات حتي يتم ردعهم وزجر من يفكر في اتباع طريقتهم ولاتأخذنا بهم رحمة ، ولعل البداية تكون بالقصاص العادل ممن ارتكبوا وحرضوا علي قتل الثوار فيما سمي بموقعة الجمل في ميدان التحرير وغيرها من الحوادث الدامية في ربوع مصر ليكونوا عبرة وتصفية جيش المرشدين والمخبرين ومحاكمة الفاسدين من قيادات الأمن وتجريم التعذيب في السجون والاعتقال دون محاكمة ، أما أنماط البلطجة الأخري الأوسع تأثيرا وخطورة من سياسية وإعلامية فلاعلاج لها سوي إعلاء كلمة الشعب واستعادة كرامة المصري وقيمه الأصيلة وحريته وحقه المشروع في الحياة !!