إنه بلا شك يوم عظيم الثلاثاء الموافق 25 يناير 2011 سيسجل بأحرف من نور في تاريخ مصر الحديث.. هذا اليوم الذي هب فيه شباب مصر بعفوية ووطنية جارفة مطالبين بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي والاجتماعي من أجل محاربة الفساد والتسيب وسوء الإدارات. ولقد استقبلت هذه الحركة أو الانتفاضة أو كما سماها الكثيرون من المثقفين وأساتذة العلوم السياسية ب »الثورة الشبابية« استقبلت باحترام وتقدير وتفهم الجميع بداية من الرئيس حسني مبارك ونائبه اللواء عمر سليمان ورئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق وجموع الشعب علي امتداد المحروسة الجميع وصفوهم بالشباب الواعي الوطني المستنير »شباب الفيس بوك« زعماء الأحزاب المعارضين وجبهات المعارضة فلقد أكدوا أنهم حققوا ما سبق أن طالبنا به علي مدي ثلاثة عقود ولم نتمكن من تحقيقه بل وحذروا من محاولة الانتفاضة علي مكاسب هؤلاء الشباب مؤكدين وقوفهم خلفهم مساندين وداعمين لموقفهم الذي يعبر عن آمال وطموحات جموع الشباب المصري. وانطلاقا من تفهم القيادة السياسية لمطالبهم فقد تم اتخاذ عدة إجراءات غاية في الأهمية أهمها كان اختيار اللواء عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية وهو المطلب الذي ظل الشعب يطالب به علي مدي الخمسة والعشرين عاما الماضية كما تمت إقالة حكومة د.أحمد نظيف وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الفريق أحمد شفيق تم فيها استبعاد مجموعة رجال الأعمال الذين كانت تحوم حولهم شبهات الفساد وسوء الإدارة وغياب التخطيط السليم كما طلب الرئيس مبارك ضرورة تفعيل القانون فيما يتعلق بالانتخابات الأخيرة لمجلسي الشعب والشوري والأخذ بأحكام محكمة النقض فيما يتعلق بالدوائر التي يتأكد أن الانتخابات فيها قد تم تزويرها ولاشك أنها ستكون مهمة صعبة لأن الطعون في نزاهة انتخابات مجلس الشعب قد بلغ عددها أكثر من ألف طعن.. وفيما يتعلق بمواد الدستور التي تواجه بمعارضة »شباب الثورة« وكافة الأحزاب السياسية المعارضة وخاصة المواد 76 التي تحدد مصير الرئاسة وكذلك المادة 88 التي تنظم الإشراف القضائي علي الانتخابات.. فقد أوضح نائب الرئيس عمر سليمان أنها ستكون أيضا علي طاولة الحوار مع الشباب وممثلي أحزاب المعارضة. ومن أجل تهدئة الخواطر واحتواء الأزمة فقد قدمت هيئة مكتب الحزب الوطني برئاسة السيد صفوت الشريف استقالتها وتم تعيين د.حسام بدراوي وهو من الوجوه المقبولة نظرا لمواقفه وتوجهاته الصادقة أمينا عاما للحزب ورئيسا للجنة السياسات بدلا من جمال مبارك الذي أنشأ هذه اللجنة قبل عدة سنوات. المشكلة الآن هي أن هؤلاء الشباب مع تقديري وثقتي فيهم وفي توجهاتهم الوطنية وصحوتهم العظيمة التي أيقظت ضمير الأمة كلها ليست لهم »قيادة منظمة« لأنهم كما سبق أن ذكرت قد خرجوا في ثورتهم بحس وطني جارف ولكن بطريقة عفوية.. ولهذا وبعد أن حققت ثورتهم هذا النجاح الهائل الذي لم يكن يتوقعه أحد لا مواطنون عاديون ولا علماء متمرسون أصبح عليهم أن ينظموا صفوفهم ويختاروا من بين صفوفهم وجموعهم قيادة واعية تتحاور مع النظام وخاصة بعد أن استجاب لأكثر من %80 من مطالبهم حول باقي المطالب وحتي يمكن تحقيق التغيير الشامل الذي يطالبون به أولا بطريقة شرعية ثانيا بطريقة سلمية حفاظا علي كيان هذه الدولة العريقة التي ننتمي لها جميعا. هم يصرون علي ضرورة تنحي الرئيس مبارك برغم تاريخه الوطني العظيم وإنجازاته التي لايمكن إنكارها برغم كل التجاوزات والإخفاقات مؤكدين أنه لم يعد هناك مكان للشرعية الدستورية متمسكين بالشرعية الثورية.. ولهذا فإنني أطالب بضرورة الإسراع في حل القضايا المعلقة لإنجاح الحوار. فعلي سبيل المثال هم متخوفون من ترك ساحة ميدان التحرير وإنهاء الاعتصام أو الإضراب لأن النظام لن يكمل عمليات الإصلاح وتغيير الأوضاع السياسية والبرلمانية بل أكثر من ذلك فإن النظام بعد أن يسترد عافيته وقوته سيقوم بملاحقتهم والزج بهم مرة أخري في المعتقلات والسجون. الفريق أحمد شفيق رئيس الحكومة وبالرغم من أنه رجل عسكري إلا أنه كان متفهما لهم تماما وحريصا كل الحرص علي سلامتهم بل أصدر تعليماته بعدم ملاحقة أي من المشاركين في هذه المتظاهرات اللهم إلا من عليهم أو ضدهم أحكام قضائية.. بل وأعجبني كثيرا نظرته إلي المظاهرات والمشاركين فيها ووصفه لها بأنها ظاهرة صحية ديمقراطية نفخر بها أمام باقي دول العالم بل وأكد أنه لن يسمح بفض هذه التظاهرات بالقوة ذلك أن التظاهر حق دستوري وهو موجود في كل أنحاء العالم مشيرا إلي حديقة »هايد بارك« في لندن وإنه سيجعل من ميدان التحرير نموذجا مشابها لها. ثورة »شباب التحرير« تذكرني بثورة أصدقاء البيئة قبل 25 عاما في ألمانيا Di Grimen والتي انتهت بإنشاء حزب الخضر بزعامات عدة وشارك في الحكومة الألمانية لعدة سنوات متحالفا مع الحزب الإشتراكي الديمقراطي وكان أحد زعمائه يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا ومازال الحزب أحد أركان الحياة الحزبية في ألمانيا الاتحادية.. إننا يجب أن نساعدهم في تنظيم صفوفهم والاندراج في حزب سياسي يشارك بفاعلية في الحياة السياسية ويتحملون مسئوليتهم في أمن واستقرار هذا البلد. وعلي رموز هذا البلد وعلمائه ومفكريه الذين غابوا عن الساحة لسنوات طويلة أن يعودوا للحياة السياسية والمشاركة بإيجابية في صياغة العقد الاجتماعي الجديد لهذه الأمة وترسيخ قواعد الحياة الديمقراطية والحرية والعدالة فيها.. كما أنه ينبغي علي فقهاء القانون وأساتذة القانون الدستوري والذين يتمتعون بخبرة كبيرة في هذا المجال خاصة وأن العديد منهم سبق أن قاموا بإعداد الدساتير في العديد من الدول العربية أن يساهموا بقدر علمهم ووطنيتهم في الخروج من هذا المأزق الدستوري الذي تتعرض له البلاد في هذه المرحلة الفارقة في تاريخها.. إن هذه المرحلة الهامة تحتاج منا جميعا مواطنين ومسئولين وشبابا الإرتقاء بمستوي تفكيرنا وتحكيم العقل والضمير الوطني في كل إجراء أو مطلب نسعي إليه واضعين نصب أعيننا مصلحة وسلامة هذا الوطن الغالي.. لقد كان خطاب الرئيس مبارك رائعا ومؤثرا للغاية في قلوب وأفئدة كافة أبناء الشعب وكاد الشباب أن يغيروا مسار تفكيرهم وتوجهاتهم لولا هذا الإجراء الأحمق والغبي الذي قام به بعض الجهلاء المأجورين وأصحاب المصالح متهمين الحزب الوطني أنه الذي دعا إلي هذه المصادمات وهو ماجعل السيد صفوت الشريف يعلن أمام شبكات التليفزيون أن الحزب الوطني وقياداته برئ من هذا التصرف الذي وصفه بأنه غبي وجبان وأحمق. وبصرف النظر عن ضرورة احترام رمز هذا البلد والذي قدم لها الكثير طوال فترة عمره علي مدي سبعين عاما مضت والتصرف معه شكل حضاري يتفق وعظمة وحضارة هذا الوطن.. إلا أنني أود أيضا أن أحذر وبكل شدة من مخاطر وجود حالة من الفراغ الدستوري يمكن أن يعود بنا إلي المربع رقم واحد حيث نحكم فيها مرة أخري بنظم ديكتاتورية أو شمولية أيا كان المسيطرون عليها ونخسر بذلك كل ماحققته ثورة الشباب حتي الآن.