" يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإذا اجتمعوا علي أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك". هكذا خرجت الحكم النورانية من النبي صلي الله عليه وسلم، تحفر طريقها علي جدار ذاكرة الفتي الصغير عبد الله بن عباس، وكأنها كانت دستوره في الحياة، فالفتي القرشي نظر لابن عمه العظيم نظرة إكبار وتقدير، كيف لا وهو في حضرة النبي الأعظم، أخذت هالة النبوة بأنظار الفتي، فمضي علي خطي النبوة، ليجند نفسه في خدمة الإسلام. كان رأس مال ابن عباس دعوة نبوية، "اللهم اعط ابن عباس الحكمة، وعلمه التأويل"، هكذا قال النبي يوماً، وكان لها أثر السحر علي الفتي الذي انفتحت أمامه أبواب العلم ينهل منه ما شاء، توفي الرسول وابن عباس في الرابعة عشرة من عمره، إلا أنه نال بركة دعوة الرسول حتي وفاته بعد عقود طويلة. اقترن ابن عباس بالقرآن، يفسره، والحديث يرويه، كان تلميذاً نجيبًا في مدرسة النبوة، لم يضيع وقته في شيء غير العلم، أنفق سنوات عمره علي خدمة الإسلام، جعل الرسول قدوته، يوم ابن عباس كان مقسماً بدقة، الفجر صلاتها في المسجد النبوي، ثم تدارس العلم مع مجايليه، وبعدها يبدأ في المرور علي بيوت كبار صحابة رسول الله، بحثاً عن حديث سمعه عن النبي، أو تفسير سمعه عن الرسول. مع الوقت بدأ ابن عباس وهو يغادر مرحلة الطفولة ويدخل في مرحلة الشباب، يحصد جوائز دعوة رسول الله له بالحكمة، فبدأ أمير المؤمنين خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يستعين به ويستشيره في أمور الحكم والفتوي، ويقول له "غص غواص"، حتي أصبح أحد أهم ركائز حكم عهد عمر بن الخطاب. ومع تقدم ابن عباس في العمر تفجرت موهبته في تفسير القرآن، حتي بات يعرف بترجمان القرآن، وحبر الأمة، وتفرغ تماماً للعلم وتدريس الفقه، حتي جاءت وفاته بعد أن أصيب بالعمي سنة 68ه/687م، عن عمرٍ ناهز الواحد والسبعين، ودفن بمدينة الطائف، وبقيت سيرته كأحد أنجب من تخرجوا من مدرسة النبوة.