إن الحقيقة العلمية والتربوية تقول: ¢ إن التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر ¢. وقديمًا قيل: ¢ الوقاية خير من العلاج ¢. وبناء عليذلك نري أن تعليم الصغار أيًّا كانت ظروفهم واجب علي الأمّة. بل هو من فروض الكفاية التي يجب أن تحيا وأن تُجعل أساسًا في كل مشروعات الأمّة. فهذا الطفل الذي يُحرم من التعليم قنبلة قد تنفجر في أي لحظة ضد من أهمل في تعليمه» ثم إن العلم هو الأساس الحقيقي لبناء الحضارات والوصول إلي القوة الحقيقية. وقديمًا كانوا يقولون : بِالعِلمِ وَالمالِ يَبني الناسُ مُلكَهُمُ . لمَ يُبنَ مُلكى عَلي جَهلي وَإِقلالِ. الربط بين العلم والتربية : لابد أن يرتبط التعليم ارتباطًا كليًا بالأخلاق والسلوكيات. مما يوجب علينا أن نتعاون في هذا الأمر. في كل مدرسة. في كل مكتب لتحفيظ القرآن. في كل تجمع علمي. لابد أن يكون هناك مراقب خاص للسلوكيات وللأخلاق. حتي نحول العلم إلي عمل. لأن من يعلم ولا يعمل يكون مُعْرِضًا عن آيات الله. والقرآن الكريم يتوعد من يُعرض عن آيات الله بالانتقام ويصفه بالإجرام {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (السجدة: 22". الجوانب التربوية : هذا هو منهج الإسلام: العلم والعمل والسلوك. فلابد أن نربي أبناءنا علي هذا المنهج النبوي في التربية. فقد كان نبيّنا صلّ الله عليه وسلم يُعني كثيرًا بالتربية الجسدية وبالتربية النفسية وبالتربية الروحية. أي بأجنحتها الثلاثة. التربية الجسدية : كان اهتمام رسول الله صلّ الله عليه وسلم بالرياضة التي تنفع الأمّة. كان يحثهم علي المسابقة في الرمي وإجادة تصويب الهدف. لما لذلك من أثر في لقاء العدو المتربص. فنراه يخرج علي بعض الشباب فيجدهم يتسابقون علي الرمي فيقول: " ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا. ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَني " وينضم إلي فريق فيستحيي الفريق الثاني أن يسابق فريقًا فيه رسول الله صلّ الله عليه وسلم فيقول لهم: " ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ ". ويشجع علي المصارعة في غزوة أُحد فيقبل الصبي القوي بعد أن تغلب علي قرنه. فالجسم السليم هو الذي يصبر ويتحمل ويلات الحروب. التربية النفسية: فإذا جئنا إلي الناحية النفسية. وجدنا النّبيّ صلّ الله عليه وسلم إذا وجد غلامًا يأخذه ويركبه خلفه. وانظر معي إلي أعظم خلق الله وهو يصطفي ويختار غلامًا ليركبه خلفه ولينصحه. ونراه صلّ الله عليه وسلم حينما يري صبيًّا لبعض أصحابه فإنه يقبله ويحمله. هذه المعاملة النفسية هي التي جعلت نبيّنا صلّ الله عليه وسلم يحوّل ظهره مركبًا لأحفاده فيركب الحسن والحسين علي ظهره الشريف ويستمر النّبيّ في السجود ويطيل السجود ليسر مَن ركب علي ظهره وليزداد قربًا إلي الله في السجود. لكن نبيّنا صلّ الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك للتدليل. ولكن كان يستخدمه في النصيحة وفي التربية. حيث نجده في موقف آخر يري الحسن قد أخذ تمرة من الصدقة يعني الزكاة التي كانت تجمع في بيت رسول الله صلّ الله عليه وسلم أخذ الغلام التمرة ووضعها في فمه.. منطقنا الآن يقول: وماذا تصنع تمرة في هذا الكم الهائل من التمرات ؟! ثم إن الغلام قد وضعها في فمه. لكن النّبيّ صلّ الله عليه وسلم يرفض ذلك ويقول للغلام: "كِخْ كِخْ. ارْمِ بِهَا. أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ". التربية الروحية : إن من واجب كل مسلم أن يقارن بين ما كان عليه النّبيّ صلّ الله عليه وسلم وصحبه وبين ما هو عليه الآن. أين التربية الدينية الآن لشبابنا وأطفالنا بعد أن ركز المستعمر جهوده منذ قرن كامل من الزمان علي أن يحذف الدين من مناهج التعليم ؟ ماذا فعلنا في مقابلة هذه الجهود ؟! نريد أن نلقن أبناءنا ما كان يلقنه النّبيّ صلّ الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس حينما ركب خلفه وقال له: "يَا غُلاَمُ. أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتي" انظروا إلي نبي الأمّة خير خلق الله يقول لغلام صغير يعرض عليه ليتبيّن هل عنده استعداد لأن يسمع كلام رسول الله صلّ الله عليه وسلم: "احْفَظْ الله يَحْفَظْكَ. احْفَظْ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ. إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله. وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بالله. وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَي أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءي لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءي قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ. وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَي أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءي لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءي قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ. رُفِعَتْ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" "رواه الترمذي". هكذا إذا أردت أن تحفظ نفسك من غوائل الشيطان ومن غوائل الشرور والآثام احفظ حدود الله. احفظ أوامر الله عز وجل يحفظك ربك "فَاللّهُ خَيْرى حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" يوسف: 46" إذا أردت أن تصل إلي هدفك في الحياة فاحفظ حدود الله تجد الله أمامك يوفقك ويعينك ويسدد خطاك "إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ الله" هذه هي الكرامة والعزّة. فإنه لابد في أخلاق المسلم ألاّ يهين نفسه لأحد. إن الجبهة التي تسجد لله لا تخضع أبدًا لغير الله. ثم لا تحمل همًّا لقوة أعدائك. فأنت بالله أقوي "واعلم أن الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَي أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءي لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءي قَدْ كَتَبَهُ الله لَكَ". من ثمار التربية : ألا ترون هذه التربية المحمدية التي أنتجت بعد ذلك أبطالاً جعل النّبيّ صلّ الله عليه وسلم يقلدهم الإمارة والقيادة وهم دون سن العشرين» انظر إلي أسامة بن زيد. ذلك الفتي الشاب الذي أمّره النّبيّ صلّ الله عليه وسلم علي جيش فيه أبو بكر وعمر. هكذا حينما نربي أولادنا تربية صحيحة. ندعو الله عز وجل أن يرشدنا إلي تربية أبنائنا وشبابنا علي منهج نبيّنا صلّي الله عليه وسلم.