تعاني مصر نقصا حادا في ثروتها السمكية يجعلها تتصدر قائمة مستوردي نفايات الأسماك من دول شرق آسيا، رغم وجود نهر النيل والبحرين المتوسط والأحمر، لكن الأدهي أن بحيرة ناصر تحتوي علي ثروة سمكية ضخمة تلتهمها التماسيح المفترسة التي تستوطن البحيرة، فبحسب إحصائية أصدرتها مؤخراً هيئة الثروة السمكية فإن هناك أكثر من 80 ألف تمساح يتغذي الواحد منها علي حوالي 20 كجم سمك يومياً خاصة القراميط وقشر البياض، أي نحو 15 طناً سنوياً، بما يمثل خسارة فادحة للاقتصاد المصري.. كما وصل الأمر إلي ظهور تماسيح صغيرة في عدد من الترع والمصارف بالقاهرة ما أثار المواطنين بالفزع. ونظرا لمنع صيد التماسيح بحسب الاتفاقية الدولية «سايتس» فان أعدادها آخذه في تزايد سريع، فيما تعد التماسيح في حد ذاتها ثروة بكل المقاييس، فجلودها تعد من أثمن الجلود وأفخمها، وتتهافت علي شرائها كبري مصانع الجلود بفرنسا وإيطاليا لتصنيع الحقائب والأحذية الأنيقة ويصل سعر جلد التمساح في بعض الأحيان إلي 50 ألف دولار، بخلاف إعلان بعض شركات الأدوية عن استخدام دمه في انتاج مضادات حيوية قوية للقضاء علي الفيروس المسبِّب لمرض الإيدز، كون الجهاز المناعي للتمساح هو الأقوي علي الإطلاق، كذلك استخدام الزيوت التي تُستخرج من بعض الغدد الدهنية الخاصة في جلده في علاج مرضي البهاق والصدفية ومستحضرات التجميل إضافة كذلك إلي كون أعضائه التناسلية منشطا جنسبا للرجال وتصنع منه فياجرا غالية الثمن. كل هذا يجعل التمساح كنزا مغريا للكثير من الصيادين الذين يتهافتون علي اصطياده مستعينين بحبال طويلة تُربط في عوّامة حتي لا يغطس التمساح بعد ضربه ولتخور قواه ومن ثم يباع في الخفاء إلي تلك الشركات أو يوضع في أحواض خرسانية بغرض الزينة ولجذب السياح الذين يأتون خصيصا لمشاهدته والتقاط الصور التذكارية معه بما يعرف باسم سياحة التماسيح خاصة بجزيرة الموز وغرب سهيل والبعض الآخر يقوم بتهريبه إلي السودان ليُباع هناك بالأسواق التي تشهد رواجا لتلك التجارة خاصة أن بعض القبائل الأفريقية تتغذي علي لحومه فممنوع بيعه واصطياده بمصر. يعود تاريخ ظهور التماسيح لأكثرمن 100مليون سنة وقد قدسه الفراعنة ونصّبوه إلها لهم فأسموه الإله «سويك»، وقد عُبِد في «كوم أمبو» وأنشأوا له معبدا لتقديم القرابين وبالمعبد مئات المومياوات لتماسيح مختلفة الأحجام. وتعتبر بحيرة ناصر هي المكان الأفضل لتكاثرها، فهي تمتاز بهدوئها الذي يجعلها تنصب عرينها إضافة لدفء مياهها، فتضع الأنثي أكثر من 40 بيضة سنويا وتختلف أطوالها وأنواعها، فالتمساح الأفريقي المتوحش يبلغ طوله ستة أمتار ويصل وزنه إلي 960 كيلو جراما، أما القصير فلا يزيد عن ثلاثة أمتار فقط. ولكن القاسم المشترك بينهما خطورتهما علي الصيادين الذين يوقعهم حظهم العثر بقرب عرنها فتمزق الشباك لتلتهم السمك الموجود بداخلها ومهاجمة الصيادين، كما حدث مع أحدهم، ولا تكتفي بذلك بل تلجأ لمهاجمة المواشي والدواب الموجودة علي الشاطيء فتغرقها أولا ثم تلتهمها بعد ذلك مما يتسبب في خسائر اقتصادية فادحة وجدير بالذكر أنه منذ سنوات عدة تقدم أحد رجال الأعمال بطلب إلي الحكومة في فترة حكم المخلوع للسماح بتربية التماسيح داخل أماكن محددة ببحيرة ناصر خلف السد العالي لاستغلالها في السياحة من خلال عرضها في أقفاص معدة بالفنادق والمزارات السياحية، إلا أنه لم يتم البت في هذا الاقتراح حتي نشبت ثورة يناير وأصبح الطلب في طي النسيان حتي خرج علينا وزير البيئة خالد فهمي منذ أسبوعين ليعلن أن الوزارة سوف تقوم بوضع خطة لاصطيادها وتربيتها لتعود بالنفع علي الاقتصاد فهل ستنفذ تلك الخطة أم تتحول الي مجرد تصريح ناري؟! هذا ما ستكشف عنه الأيام. استعرضنا الحلول المثلي للقضاء علي تلك الأزمة، ودور وزارتي الزراعة والبيئة في الوصول للأساليب المثلي للاستفادة من تلك الثروة المهدرة وحماية ثروتنا السمكية. يقف «شافعي» أحد أشهر العطارين بالأزهر مزهوا بتجارته الرائجة وبضاعته المتميزة، فأغلبها يأتي إليه خصيصا من الهند والسودان وبلاد النوبة يتهافت عليها الزبائن خاصة زيت التمساح وأعضاءه التناسلية التي تعمل كفياجرا قوية للرجال بعد خلطها بالشاي وشربها علي الريق.. ويبيعها شافعي بآلاف الجنيهات مستغلا حاجة زبائنه ورغبتهم في فحولة دائمة، الغريب أن معظم زبائنه من الأجانب الذين وثقوا في تلك الوصفات الطبيعية وعرفوا فوائد تماسيح مصر فجاءوا هرولة لاصطياد حاجاته. يتعامل شافعي مع أباطرة صيادي التماسيح بالسودان وأسوان الذين يعرفون جيدا كيف يصطادون فريستهم في جنح الليل وبعيدا عن عيون شرطة المسطحات المائية ويهاجمون عرنهم للاستيلاء علي البيض وبيعه للمراكز البحثية الأجنبية التي تقوم حاليا علي استخدامه في عمليات زرع الأسنان والعظام فقد اكتشفوا أنه يحتوي علي مادة «هيدروكسيبانيت» التي تعمل علي بناء خلايا العظام ومنحها قوة عالية، فبيض التماسيح يحتوي علي نسبة كالسيوم عالية ولايتعاملون فقط مع تلك المراكز فمصانع الجلود تعد الزبون الأول لهم. يقول محمود إمام أحد الصيادين في بحيرة ناصر: تتنوع ثروة البحيرة من الأسماك فهناك العشرات من الأنواع إلا أن الكثير منا يخاف من التوغل داخل البحيرة بسبب تواجد أعداد كبيرة من التماسيح وتناثر عرنها يمينا ويسارا، ومن المعروف أنها تضع بيضها داخل تلك العرن وتقوم بمهاجمة كل من يقترب منها وهناك الكثير من الحوادث الدامية التي راح ضحيتها صيادون هاجموا دون قصد تلك العرن، ومن المعروف أنها تتغذي كل يوم علي أكثر من عشرين كيلو سمك يوميا مما يحرمنا من هذا الرزق الوفير ويجعل مصر تعاني من شح في الثروة السمكية. ويضيف إمام: وهناك الكثير من الصيادين الذين تنبهوا لأرباحها الضحمة فبدأوا في اصطيادها يعاونهم في ذلك بعض السودانيين الذين يسهلون لهم مهمة البيع في أسواقهم، فهو محرم بيعه في مصر مستخدمين في ذلك حبالا غليظة لاصطياد التمساح ليلا وإخراجه علي الشاطيء وسكب الغاز مباشرة عليه مما يجعله مثل قطعة الخشب فيتم بيع الجلد بأكثر من أربعة آلاف دولار، كما أن هناك غدة معينة في جسمه يُستخرج منها العطور العالمية أو يتم بيعه لبعض السياح الذين يهوون تربية الحيوانات المفترسة، كما أن بعض النوبيين يقومون بتحنيطه واستخدامه في تزيين حوائط بيوتهم، وتعتبر مناطق خور الرملة والعلاقي وكورسكو والمضيق هي أشهر تجمعات التماسيح. ويوضح إمام بأنه منذ تولي المخلوع حكم مصر حتي أعلنت وزارتا الزراعة والبيئة أنه سيجري إعداد دراسة ومسح شامل لحصر أعداد تلك التماسيح للوصول لحل أمثل للتعامل معهم، وقد جاءت بعثة علمية من اليابان لإعداد تلك الدراسة ولكن دون جدوي ثم جاء المعزول ولم يولِ أي اهتمام بتلك القضية ونأمل أن يتم حلها في عهد الرئيس السيسي حتي نستطيع مباشرة أعمالنا واصطياد السمك في أمان تام بعيدا عن تلك الحيوانات المفترسة في ظل تناقص الإنتاج منذ أكثر من 4 سنوات. أما الدكتور رضا نبيل الخبير بالمعهد القومي للبحار فيقول: تحولت بحيرة ناصر إلي مرتعٍ للتماسيح المفترسة فهي تلتهم كميات هائلة من الأسماك يوميا، فهناك أكثر من 18 ألف تمساح تتزاوج سنويا مخلفة آلافا من التماسيح علي الرغم من وجود شركات متخصصة في صيدها، فتحولت البحيرة إلي مزرعة لهم بفضل حماية الحكومة التي تمنع صيدها بناءً علي اتفاقية «سبايتس» لإحداث التوازن البيئي. ويتفق معه الدكتور سعيد رزق الأستاذ بمعهد الثروة السمكية فيقول: تعاني مصر نقصا حادا في الثروة السمكية منذ عدة سنوات، وقد كانت بحيرة ناصر من أول مواردنا في تلك الثروة إلا أنها تناقصت بفعل غزو التماسيح. ويضيف: تعكف حاليا وزارة البيئة بالتعاون مع معهد الثروة السمكية علي حصر تلك الأعداد تمهيدا لوضع طريقة للتخلص منها والانسحاب من اتفاقية «سبايتس» التي تحظر صيدها وإنشاء مزرعة كبيرة لتربيتها وذلك لإحداث توازن بيئي والاستفادة منها. إلا أن محمود عزت مدير إدارة التماسيح بالمحميات الطبيعية بجنوب الوادي يقول: علي الرغم من تصريحات وزير البيئة بوضع خطة لصيد التماسيح فإنه لم تصل إلينا تعليمات محددة بهذا الشأن، فالدولة عندما أنشأت بحيرة ناصر اكتشفت وجود التماسيح بكثافة في هذه المنطقة، وقامت بإنشاء مرصد للتماسيح وحمايتها من الانقراض تحت إشراف جهاز شئون البيئة بأسوان للحفاظ علي النوع، لكنها تكاثرت بصورة كبيرة إلي الحد الذي جعلنا غير قادرين علي تحديد أعدادها الفعلية.