فقد كان ومازال في قلوب المصريين حباً لحلوي وعروسة المولد إرتباطاً بحبنا للذكري العطرة لمولد خاتم النبيين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فكان ذكري الاحتفال دائماً مرتبطاً بطعم وحلاوة الحلوي تماماً كحلاوة الذكري ذاتها .. لذلك تفنن صُناع الحلوي في مصر منذ أكثر من ألف عام بأن تكون «عروسة المولد» و «الحصان» في هيئة مبهجة ملونة بألوان براقة احتفاء بالحدث وحب المصريين العظيم لرسولنا الكريم.. عن هيئة «عروسة المولد النبوي» ذكر المقريزي: «أن عروسة المولد تصنع من السكر علي هيئة حلوي منفوخة وتجمل بالأصباغ ويداها توضعان في خصرها وتزين بالأوراق الملونة والمراوح الملتصقة بظهرها» فشكل العروسة يوحي بجمال المرأة في العصر الفاطمي الذي أدخل لمصر تلك الحلوي فإستلهم الفنان الشعبي مواصفات جمال وتقاسيم العروسة من نماذج النساء في مجتمعه وأيضا من شعر الغزل العربي وجعلها محاطة بإسراف بالألوان الغنية والزخارف التي تميز بها التراث الفني الإسلامي .. فكانت نموذجاً لهيئة عمل فني نحتي للمرأة منفذاً بعجينة مكونة من السكر .. أما «الحصان» والفارس راكبه المصنوع من الحلوي ليستمتع به الأولاد فإنه مُستلهم من حفل جلوس الخليفة الفاطمي الإسبوعي لعرض الخيل وكان الخليفة يمتطي الحصان في مواكبه المتعددة.. وأصبح ديوان الحلوي التابع للخليفة يصنع الحلوي لتقديمها الي القادة المنتصرين وإلي عامة الشعب خاصة الأطفال .. الذين ارتبطت ذكري المولد في وجدانهم علي مر العصور بالمذاق الحلو «لعروسة» و«حصان» المولد بما يقرب من الإرتباط الشرطي .. ويعود احتفال المصريين بهذه المناسبة وتمسكهم بها لأكثرمن ألف عام عقب دخول الخليفة المعز لدين الله الفاطمي مصر ليصبح بحب المصريين للرسول من أهم الاحتفالات التي ظهرت وازدهرت في العصر الفاطمي واستمرت الي اليوم .. وتعد مصر من أوائل الدول التي احتفلت به واستقبلته بالحلوي والعروسة والحصان منذ احتفلت به سنة 973 وكان الفاطميون ينتهزون فرصة الاعياد والمناسبات والاحتفالات للتأثير في نفوس المصريين وجذبهم إليهم .. وكان الحاكم بأمر الله قد أمر بمنع الزواج إلا في المولد النبوي .. لذلك يظل حتي اليوم في ريف مصر يقدم العريس لعروسه عروسة المولد لما ارتبطت إقامة حفلات الزواج في ذكري المولد النبوي وكانت « العروسة» هذه أهم هدية للعروس في الزواج .. وكانت من أبرز ما يضمه جهاز العروس كقطعة أساسية تتفاخر بها العروس أمام أهلها ومهنئيها بالزواج وتوضع «عروسة المولد» في أهم مكان بارز في منزل الزوجية في القري والأرياف وتظل محتفظة بها حتي المولد التالي .. ولأن لأكثر من ألف عام والعروسة متغلغلة في وجداننا أطفالاً وكباراً نجد أنه أصبح لها جانب هام في التعبير الفني لفنانين كبار استلهموها من الفنان الشعبي .. وأمامنا – وهو جزء بسيط من أعمال فنية كثيرة - للوحات ونحت عبر به الفنانون عن الرؤية الفنية الحديثة لعروسة المولد لنراها تحتل نفس المكانة الملهمة والمرتبطة بالبهجة للفنانين «سيد عبد الرسول» و«حياة النفوس مرقص» و«سعد زغلول» ونحت وطرق علي النحاس للفنان «جمال السجيني» .. الأكثر جذباً في اللوحات أمامنا هوالتعبير القوي في لوحة الفنان «سيد عبد الرسول» للطفلة المنتظرة للعروسة والتي تحلم بها وهي مستيقظة وقد أظهر الفنان ذلك الترقب القلق في وجه الصغيرة خشية ألا يأتيها ما تنتظر .. والفنان «سعد زغلول» رسم لوحة بديعة في رمزية لشاب وفتاة ريفية جلسا متجاورين كحبيبين وكل منهما يحلم بالآخر فالفتاة تحتضن «حصان المولد» وفارسه ممتطيه بينما الشاب يحتضن «عروسة المولد» التي هي رمز لحبيبته وحلمه .. والفنان «السجيني» أظهر في منحوتته «عروسة المولد» بزينتها عملاقة ممتطية دابتها متألقة بزخارفها الشعبية التي يجعل منها كزخرفة مضاعفة البهجة للعروسة ..وقدم أيضا السجيني نحت ريليف (بارز وغائر) علي النحاس لعدة عرائس متوالدة ممثلة بتكاثرهن الذي يملأ مسطح العمل حالة بهجة .. وقدمت الفنان حياة النفوس مشهداً داخليا لعرائس مولد أخذن اماكنهن تألقاً في انتظار الاحتفال ..