عندما تعجز الكلمات عن التواصل، نجد الموسيقي جسرا روحيا يصل إلي قلوب العاشقين، تقهر أمامها جميع الحواجز، من أجل العبور الآمن إلي آذان لم تصم بنشاز مخلفات من يدعون أنهم أبدعوا وبرعوا في صنع موسيقي جديدة تواكب روح العصر، لكننا أمام حالة خاصة ومتفردة علي الساحة الموسيقية اتخذت بطلاتها من الموسيقي عالما آخر يسافرن في فضائه ساعات طويلة دون أن يشعرن بملل أو تعب، رفضن كل ما هو تقليدي في عالم الموسيقي وتمردن عليه سعيا الي تطويع أنفسهن للإبحار في سيمفونيات بيتهوفن وموتسارت وفيردي، وشوبان، دون أن ينسين أصولهن العربية والعودة لزمن الفن الجميل كمرجع موسيقي من أهم اعمال العمالقة أمثال أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد الأطرش وغيرهم. أوركسترا النور والأمل الذي دخل في صراع قوي وتحد مع الذات وقاد نفسه إلي العالمية بمشاركته في أكثر من تفاعلية فنية وثقافية بالداخل والخارج، وكانت محطته الحالية هي رقم ثلاثين في جولاته إلي مدينة السحر والجمال «باريس»، والتي كانت علي موعد مع أحدث أعمال أوركسترا النور والأمل أوبرا «أيام وليالي الشجرة القلب» والذي بدأ أول عروضه بدار الأوبرا المصرية في سبتمبر الماضي، وكانت البداية والانطلاقة القوية لتهافت عدد كبير من الدول العربية والأجنبية لاستضافته وتوصيل دور الأوركسترا وقدراته في إنجاز بعض المهام الصعبة في الأوقات الأصعب. مع دقات الساعة الثامنة مساء كانت باريس تتزين بعض شوارعها بإعلانات الحفل إلي جانب صور الأوركسترا علي خلفية العلم المصري، وتنتظر علي أحر من الجمر رفع الستار عن العمل بعد أن ملئت أركان وجنبات مسرح ودار أوبرا سان جافو بعاشقي ومحبي الأوركسترا، وهذه لم تكن الزيارة الأولي بل سبقتها العديد من الزيارات بباريس وتركن شعورا قويا لدي الجمهور بأهميته وقيمته وهو ما جعلهم مستهدفين بين الحين والآخر لتقديم أحدث وأجدد إبداعاتهم الموسيقية. يرفع الستار عن العمل بعد تحية شكر وتقدير قدمها الجمهور الفرنسي إلي أوركسترا النور والأمل الذي لبي الدعوة وتحمل مشقة وعناء السفر وسط الأجواء الباردة والأمطار والتي صنعت تناغما موسيقيا مع الحدث. جاءت التحية والتقدير للسيدة آمال فكري رئيس أوركسترا النور والأمل والتي قدمت للجمهور الفرنسي 40 فتاة اخترن منذ نعومة أظفارهن أصعب الأعمال الموسيقية العالمية وتقديمها بأنامل مصرية. ومع دقات التاسعة تم الإعلان عن الانطلاقة الثانية لأوبرا «أيام وليالي الشجرة القلب» وسط حضور جماهيري قارب ال 500 والذين تهافتوا علي حجز الأماكن بعد الإعلانات التي أحاطت بأسوار وشوارع المدينة لتعلن قدوم الأوركسترا ، وعلي مدار 80 دقيقة سادت حالة من الصمت والتركيز مع أنغام الأوركسترا والتي خطفت قلوب وآذان الجميع ، وامتزج العمل بالأنامل والأصوات المصرية مع الفرنسية والسورية ، حيث ضم العمل إلي جانب الأوركسترا السوبرانو السوري رشا رزق وهي بطلة العرض أمام التينور المصري رجاء الدين أحمد بمصاحبة فريق أوبرا سان جافو الفرنسية وبقيادة المايسترو الدكتور محمد سعد وتأليف الجزائري طارق بن ورقة . هذه التوليفة صنعت كيانا موسيقيا ناجحا أساسه الحب وحب منافسة الذات، حتي خرج العمل بالشكل الذي أبهر كل من كان بالمسرح وأثني علي الدور القوي لجميع القائمين علي العمل . حرص علي حضور الحفل وزير الماليه هاني قدري دميان والذي أشاد بدور الأوركسترا وتاريخه الفني الطويل وتمثيله لمصر في أكثر من تفاعلية خارج البلاد . وحرص أيضا علي حضور العرض عدد كبير من الجاليات العربية والسفير المصري بباريس إيهاب بدوي الذي أعرب عن بالغ سعادته بهذا العمل مؤكدا أن نجاحهم في مثل هذه الحفلات دائما ما يترك أثرا طيبا لوقت طويل داخل البلاد حتي بعد عودتهم إلي مصر ، وهذه ليست الزيارة الأولي لهم بل كانت هناك زيارات أخري وليست علي فترات متباعدة أبهرن من خلالها الجمهور الفرنسي . ويتناول أوبريت « أيام وليالي الشجرة القلب « في أجواء أسطورية قصة نجمين زنور وأمل هاربين من عالم منسي إلي مكان ما بين الجنة والأرض سمي الواد، يقررن التخلي عن حياتيهما كنجمين حتي يتذوقا مشاعر الحياة ويتحولا إلي بشريين حين يتناولان ثمرة من الشجرة القلب ويبدآن في استكشاف عالمهما، ومشاعر الحب خلال محاولاتهما لاكتشاف الذات والآخر. يقول المؤلف الجزائري طارق بن ورقة إنه مغامرة بكل المقاييس ، حيث استهدفت من خلاله فئة وصلت للعالمية في وقت قصير، فأردت أن أستثمر هذا الصيت وأحصد معهن نجاحا آخر ، وأن نتربع سويا علي عرش الموسيقي الأوروبية من خلال هذا العرض ، والذي استوحيت فكرته من الأوركسترا ذاته ، فهم من هدوني إلي طريقه وقررت أن تكون الفتيات هن وجهتي لأكثر من جولة عربية وعالمية ، بعمل يعد جديدا عليهن ولكنهن نجحن في اجتيازه وقدمنه بالطريقة التي خطفت أبصار وأسماع كل من شاهدوه بباريس. ويؤكد بن ورقة الهدف الأساسي من الأوبرا بقوله إن هناك كثيرين ممن يملكون البصر لكنهم يفتقدون للبصيرة وليس لديهم القدرة علي الرؤية ، ونركز من خلال الأحداث علي النور الداخلي وهو نور القلب ، وأشرنا إلي ذلك في بداية الأوبريت بجملة «ليس هناك من يري إلا القلب» وأردت من خلال هذا العمل المزج بين الثقافات بمشاركات مصرية وفرنسية وجزائرية وسورية حتي نقدم عملا فنيا متكاملا ، فنحن أمام قصة ليس لها مكان ولا زمان محدد فهي قصة إنسانية عالمية ذات موسيقي كلاسيكية. ويري المايسترو محمد سعد أن الأوركسترا كان أمام اختبار حقيقي وصعب والإصرار ساعدهم علي النجاح خاصة أن العمل هو التجربة الأولي لهم في مجال الأوبريت، بعد أن عزفن أهم المقطوعات الموسيقية العالمية من قبل ، وخلال ستة أشهر كان الأوركسترا علي موعد مع القدر بإنجازه الشديد والسريع لهذه الأوبرا والتي قد تستغرق وقتا أطول من ذلك، وحتي نصل إلي الدرجة التي ترضينا عملنا في معسكر مغلق لمدة شهرين لإنجازه قبل أن يتم عرضه بدار الأوبرا المصرية نهاية شهر سبتمبر الماضي، وهذا العرض في باريس يعد بداية الانطلاقة لأكثر من جولة أخري في عدد من الدول خلال الفترة المقبلة. أما فيما يخص المزج بين أوركسترا النور والأمل والفريق الفرنسي المبصر فكانت من أهم الصعوبات التي واجهناها جميعا، ولكن سرعان ما تم تجاوزها وتغلبنا عليها بالتمرين والتدريب لمدة ستة أشهر ، وكانت آلة الهارب هي القاسم المشترك والعامل المساعد وهمزة الوصل بين الفريقين. وتقول آمال فكري رئيس الأوركسترا.. إن الأوركسترا كعادته قدم للجمهور الفرنسي أروع تجارب التحدي بالفن والإبداع، وهي أهم ما يميز فتيات النور والأمل وإصرارهن علي التنوع والابتكار في كل الأعمال التي يشاركن بها، خاصة أنهن أمام تجربة جديدة فريدة وتفوقن علي أنفسهن في تقديمها. والعمل سيمفوني كتبه المؤلف خصيصًا لأوركسترا النور والأمل لإلقاء الضوء علي تجربتهم الفريدة كأول أوركسترا سيمفوني لفتيات مصريات كفيفات، ويمزج العمل بين أنواع مختلفة من الفنون؛ فإضافةً إلي الغناء الأوبرالي والباليه المعاصر؛ نجد أيضا الموسيقي الكلاسيكية والشعر العربي. نجاة رضوان السكرتير التنفيذي لمعهد الموسيقي هي الجندي المجهول في حياة الأوركسترا حيث لاتبدأ أي بروفات إلا من خلالها، فهي المسئولة عن تجهيز الأوركسترا بداية من ارتداء ملابسهن وحتي الوقوف علي خشبة المسرح. وتقول: أحرص دائما علي مراجعة كل شيء بنفسي حتي يخرج عمل الأوركسترا علي أكمل وجه، فمراجعة آلات وعملية ضبط الأوتار أو إيقاع الآلات الأخري يتم من خلالي عن طريق جهاز ضبط الصوت الذي يعطي تناغما بين جميع الآلات وهذا الأمر يتطلب من الجمهور في القاعة الصمت التام حتي يتم ذلك بنجاح قبل بدء الحفل.