يعتبر صناع السينما المصرية، الموسم الذي يسبق شهر الصيام، من الفترات الميتة، التي يستحيل أن يغامر أحدهم بعرض فيلمه خلالها، وخاصة لو تزامن هذا الموسم مع فترة امتحانات الثانوية العامة، التي تشغل البيوت المصرية وتؤرقها، وتجعل تفكيرها في اتجاه واحد! لكن الغريب أن شركات توزيع الأفلام الأمريكية لايرون عيبا في هذا الموسم الميت، ويطرحون أفلامهم عالية التكاليف، دون الخوف من المخاطرة واحتمالات الخسارة، وتكون المفاجأة أن يحدث إقبال علي تلك الأفلام وتحقق إيرادات عالية لايحظي بها الفيلم المصري المعروض بنفس التوقيت! سوف تجد صعوبة في فهم واستيعاب الأسباب، لأن أحداً لم يسع للدراسة والتحليل كعادتنا دائما، فالأمور عادة تسير بالبركة، ودعاء الوالدين، ولكن ممكن أن نجتهد في التفسير، وفق ملاحظة نوعية الجمهور، الذي يقبل علي دور السينما في هذه الفترة، وسوف تكتشف أن نسبة كبيرة منه من شباب الخليج، الذين أنهوا العام الدراسي، وحضروا للسياحة في مصر قبل أن يداهمهم شهر رمضان، وجزء من هذا الجمهور من طلبة سنوات النقل بالمدارس الإعدادية والثانوية، أي أن جمهور هذه الأفلام من المراهقين العرب والمصريين، وهم يشكلون قوة ضاربة في سوق السينما، ولكنهم نادراً مايتحمسون لمشاهدة فيلم مصري، حتي لو كان كوميديا، الأسباب مفهومة ومنطقية، ويمكن أن نلخصها، في سوء مستوي المنتج المحلي مقارنة بالأمريكي! فيلم عالم الجوراسيك، للمخرج كولين تريفورو، من إنتاج ستيفين سبيلبرج الذي أطلق هذه السلسلة لأول مرة منذ حوالي عشرين عاما، وحققت وقتها إيرادات جهنمية، وكان من بين أبطالها المخرج البريطاني الراحل ريتشارد اتنبرو، وليس جديدا أن نقول إن هذه النوعية من الأفلام لاتحتاج إلي أبطال من النجوم، لأن البطل هنا هو الديناصورات العملاقة بتنويعاتها، بين آكلة نبات ومسالمة، وأخري قاتلة ومفترسة وعنيفة ومخيفة، بالإضافة طبعا لضخامة أجسامها، حيث يقترب طولها من طول عمارة من عشرين طابقا تقريبا، وخلال العشرين عاما السابقة تم تقديم ثلاثة أجزاء، أصبحت أربعة مع الجزء الحديث "ثلاثي الأبعاد"، وكلها تعتمد علي "باترون " واحد، أو معادلة واحدة، حديقة سياحية في جزيرة يمتلكها أحد الأثرياء، ومشروع لإحياء الديناصورات، يقوم به مجموعة من علماء الهندسة الوراثية، وافتتاح ضخم، وآلاف من البشر، بينهم أطفال، عقدة السيناريو، خروج الديناصورات عن السيطرة، ومهاجمتها لرواد الحديقة مترامية الأطراف، ومطاردات لاصطياد هذا الديناصور الهائج، تنتهي باطلاق سراح ديناصور آخر، يتصارع معه، وأثناء اقتتالهما، يتم هرب أو إنقاذ السياح! وهو مراد الفيلم الذي تخرج به في كل مرة، أن عبث الإنسان بالطبيعة يمكن أن يؤدي إلي كوارث غير مضمونة العواقب، ويفسد التوازن الطبيعي لكوكب الأرض، اما المستوي الأعلي في التفسير فهو أن سيطرة قوة علي العالم "دولة عظمي مثلا يمكن أن يؤدي إلي الخراب، ولذلك يجب أن يحدث توازن في القوة"وجود دولة أو تكتل دولي قوي" لأن صراع الديناصورات"الدول الكبري" ينقذ الدول الصغري من الدمار! علي أي حال فيلم عالم جوراسيك، ليس فيه مفاجآت، فمعادلاته محفوظة، ومن أول لحظة سوف يدرك المشاهد المتابع للأجزاء الأولي من السلسلة، أن الأطفال أبطال الفيلم، سوف يتم إنقاذهم، بعد أن يطاردهم الديناصور، وأن الأبطال لن يتعرض أي منهم للأذي، أما فريق العلماء والمستثمرين فهم الأكثر عرضة للهلاك، عن طريق الوحش الذي أطلقوه! يشارك في بطولة الفيلم كل من "كريس برات"، بيرس دالاس هوارد، والنجم الهندي عرفان خان! أما فيلم "الجاسوس"فهو الأكثر طرافة وجاذبية، حيث يجمع بين ألاعيب ومغامرات الجاسوسية علي غرار جيمس بوند، مضافا إليها كوميديا الموقف، والبطولة للنجمة الكوميدية خفيفة الظل ثقيلة الوزن ميليسا مكارثي، مع جود لو، جاسون ستاثام، جيسيكا تشانين، حيث تلعب ميليسا شخصية سوزان، وهي عميلة مخابرات أمريكية، دورها ينحصر في متابعة العميل برادلي فين "جود لو" وهو في مطاردة ميدانية، حيث تتصل به صوت وصورة، وتحذره من المخاطر التي يمكن أن يواجهها وهي مسؤولة عن سلامته، ولكنه يتعرض للقتل أثناء متابعتها له، فتحزن عليه حزنا حقيقيا فقد كانت مغرمة به من طرف واحد، وتلح "سوزان" وتطلب من رئيستها أن تسمح لها أن تتحول إلي عميلة ميدانية، حتي تتمكن من الانتقام، لبرادلي فين، والقضاء علي من قتلوه، وهم عصابة تحمي قنبلة نووية، لاتعرف مكانها إلا سيدة من أصل بلغاري هي ابنة مخترع القنبلة الذي أخفاها في مكان لاتعرفه سوي ابنته، ومن خلال مطاردات ومفاجآت ومواقف كوميدية، تؤكد العميلة سوزان أنها جديرة بأن تكون ميدانية ويعهد لها بالمهمات الصعبة، طبعا في السينما المصرية، لا نستصيغ فكرة أن تكون الكوميديا صادرة من امرأة، تلعب بطولة الفيلم ويتصدر اسمها الأفيش، خاصة إذا كانت ضخمة الحجم وعمرها تخطي الأربعين!! ولكن السينما العالمية لاتعرف هذه القيود، والتعقيدات فتحقق نجاحا فنيا وتجاريا!