انتصارات حرب أكتوبر المجيدة ستظل دائما وأبدا محفورة في ذاكرة الأمة المصرية بحروف من نور تلك الانتصارات التي كانت نتاجا لسيمفونية رائعة من العمل العسكري والدبلوماسي المصري المتميز وكانت تعبيرا عن إرادة الشعب المصري وتصميمه علي محو الهزيمة والانكسار والعبور بالبلاد نحو شاطئ العزة والكرامة والفخار ولتحيا مصر عزيزة أبية علي مر العصور والأيام.. ورغم مرور 41 عاما علي حرب السادس من أكتوبر المجيدة وكثرة الشهادات التي تم ذكرها وروايتها عنها إلا أنه ماتزال هناك جوانب خافية عن تلك الحرب المجيدة وتفاصيلها السياسية وكيفية الإعداد لها يدركها من عايشها وخبر أحاديث الغرف المغلقة حولها وبمناسبة مرور 41 عاما علي تلك الملحمة التي أعادت الكرامة لمصر والعرب أجمعين يحكي أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق في كتابه «شاهد علي الحرب والسلام» بعض المشاهد التي عايشها بحكم مهام عمله حينئذ مع مستشار الأمن القومي «محمد حافظ اسماعيل» لمدة عامين تابع خلالها كيفية إعداد مصر لحربها مع إسرائيل ثم فترة الحرب ذاتها وماتلاها من مفاوضات من هذا المنطلق رأيت من خلال قراءتي لهذا الكتاب المميز أن أطلع القارئ علي الاجتماع الهام الذي دار في منزل الزعيم الراحل أنور السادات قائد الحرب والسلام في مساء يوم 30 من سبتمبر 1973 أي قبل بداية عبور الجيش المصري لقناة السويس بستة أيام والذي تبين من خلاله أن الرئيس السادات قد اتخذ قرار الحرب وأنه لا تراجع عن هذا القرار المصيري الهادف لتحرير سيناء ورفع الراية المصرية وراية العرب خفاقة نحو عنان السماء. ووفقا لرواية أحمد أبوالغيط فقد بدأ هذا الاجتماع الحاسم في الساعة التاسعة والنصف مساء في منزل الرئيس السادات علي النيل في الجيزة بالترحيب بالمجموعة التي شاركت فيه ومن بينهم الفريق «أحمد اسماعيل علي» وزير الدفاع والدكتور «محمود فوزي» وزير الخارجية وعزيز صدقي والدكتور عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وأحمد ثابت وزير التموين وحافظ بدوي رئيس مجلس الشعب وممدوح سالم وزير الداخلية وعبدالعزيز كامل والدكتور حافظ غانم وحسن التهامي وحافظ اسماعيل مستشار الأمن القومي وعبدالفتاح عبدالله وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء والدكتور «أشرف غربال» مساعد مستشار الأمن القومي ومجموعة صغيرة من دبلوماسيي وزارة الخارجية الذين كان من بينهم سكرتير ثالث أحمد أبوالغيط.. وهنا بدأ الرئيس السادات الاجتماع التاريخي بقوله: «إنني أعقد هذا الاجتماع لكي أضع الحضور في الصورة وبهدف مراجعة الموقف العام في مصر والتحرك في مواجهة تحديات هذا الوضع.. وتابع الرئيس السادات شرحه بالقول: « إن أيا من حكام مصر علي مدي خمسة آلاف عام لم يواجه الوضع الذي نواجهه حالياوأن هذه الأوضاع بالتالي تفرض علي صاحب القرار المصري وهذه المجموعة الصغيرة من المسئولين المصريين واجب اتخاذ القرار المصيري وأن تقرر مصر لنفسها ولاتترك القرار لأحد. وأوضح الرئيس السادات بأنه يرغب في تحليل الأوضاع من حولنا داخليا أما فيما يتعلق بالوضع الدولي وارتباطه من الصراع مع إسرائيل فإن من المؤكد والحديث للرئيس السادات أن أمريكا تستمر في دعمها الكامل لإسرائيل وتحاول وتسعي أن تفرض علي مصر شروط إسرائيل.. وشرح الرئيس السادات نجاح التحركات المصرية الدبلوماسية في مواجهة مناورات إسرائيل وشرح الرئيس السادات نجاح التحركات المصرية الدبلوماسية في مواجهة مناورات إسرائيل وأمريكا حيث حققت مصر انتصارا كبيرا في شهر يوليو 1973 عندما نجحت في عزل إسرائيل والولايات المنتحدة والحصول علي 14 صوتا مؤيدا لمشروع القرار المقدم للتسوية في مقابل الفيتو الأمريكي بما كشف عن تأييد دولي كبير لوجهة النظر المصرية والعربية.. وتطرق الرئيس السادات للحديث عن الإطار العربي للجهد المصري للتحضير للمعركة الدبلوماسية ضد إسرائيل وكيف تم تأمين الأرضية للتعاون العربي العميق مشيرا إلي أن السعودية والكويت تشتريان حاليا السلاح لمصر.. وتطرق السادات للوضع الداخلي الدقيق للبلاد وكيف أن الاقتصاد المصري أصبح مستنزفا وعاد وأكد «بأن القوات المسلحة المصرية قد جري إعدادها علي مدي الفترة من أكتوبر 1972 إلي يوم 30 سبتمبر 1973 بشكل يتيح لها قدرات وإمكانيات كبيرة للعمل العسكري وأن الأمر يتطلب بالتالي أن نقرر قرارنا بالمضي إلي المعركة المسلحة وأنه يطلب رؤية الجميع في هذا القرار مشيرا إلي أنه المطلوب من هذا الجيل من المصريين أن يسلم الجيل القادم من أبناء الوطن أوضاعا مصرية مستقرة وبلدا غير محتلة أراضيه».. اختلافات في الرؤي وعلي حد ماسرده أحمد أبوالغيط في كتابه المميز عن حقيقة الاجتماع التاريخي عشية 30 من سبتمبر 1973 فإن هذه المقدمة القوية من الزعيم الراحل السادات كانت تعكس في الحقيقة اتخاذه قرار الحرب والدخول في المواجهة المسلحة إلا أنه لم يبلغ حتي هذه اللحظة المشاركين الآخرين بتوقيت المعركة وأهدافها وفلسفتها.. وجاءت ردود أفعال المسئولين المشاركين بشكل يكشف الكثير من صعوبات الوضع الداخلي من ناحية وكذلك بعض الاختلافات في الرؤية بالنسبة لشكل المعركة من ناحية أخري..