سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات السبت 10 مايو 2025    الشقة ب5 جنيهات في الشهر| جراحة دقيقة بالبرلمان لتعديل قانون الإيجار القديم    الهند توقف العمل في 32 مطارا مدنيا بسبب القصف الباكستاني    غزة وسوريا وإيران.. رهان إسرائيل لإعادة تشكيل المنطقة    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال نور البيتاوي في الضفة الغربية    زعيم كوريا الشمالية: مشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية مبررة    الهند تستهدف 3 قواعد جوية باكستانية بصواريخ دقيقة    كواليس استعدادات منتخب الشباب لمباراة تنزانيا    عمرو أديب: "الأهلي مبيقعش وكله بيقع والأهلي واقف"    الترسانة يواجه «وي» في افتتاح مباريات الجولة ال 35 بدوري المحترفين    عقب الفوز على بيراميدز.. رئيس البنك الأهلي: نريد تأمين المركز الرابع    مصاب في واقعة مدرسة السلام: «لقيت ناس جايين من بره ومعاهم شوم وضربونا»    السيطرة على حريق داخل عصارة عسل أسود بقنا    عمرو أديب يكشف تفاصيل أزمة أسرة محمود عبدالعزيز وبوسي شلبي    هل تجوز صلاة الرجل ب"الفانلة" بسبب ارتفاع الحرارة؟.. الإفتاء توضح    غدا انطلاق هاكاثون 17.. وحلول تكنولوجية لأهداف التنمية الاكثر الحاحا التعليم والصحة والطاقة والتنمية والمناخ    «غرفة السياحة» تجمع بيانات المعتمرين المتخلفين عن العودة    النائبة سميرة الجزار: أحذر من سماسرة يستغلون البسطاء باسم الحج    «زي النهارده».. وفاة الفنانة هالة فؤاد 10 مايو 1993    ملك أحمد زاهر تشارك الجمهور صورًا مع عائلتها.. وتوجه رسالة لشقيقتها ليلى    «زي النهارده».. وفاة الأديب والمفكر مصطفى صادق الرافعي 10 مايو 1937    تكريم منى زكي كأفضل ممثلة بمهرجان المركز الكاثوليكي للسينما    من هو السعودي حميدان التركي الذي أفرجت عنه أمريكا بعد 20 عاما في السجن؟    «صحة القاهرة» تكثف الاستعدادات لاعتماد وحداتها الطبية من «GAHAR»    حدث في منتصف الليل| ننشر تفاصيل لقاء الرئيس السيسي ونظيره الروسي.. والعمل تعلن عن وظائف جديدة    «بنسبة 90%».. إبراهيم فايق يكشف مدرب الأهلي الجديد    رايو فاليكانو يحقق فوزا ثمينا أمام لاس بالماس بالدوري الإسباني    الكرملين: الجيش الروسي يحلل الهجمات الأوكرانية في ظل وقف إطلاق النار    وزير سعودي يزور باكستان والهند لوقف التصعيد بينهما    عباسى يقود "فتاة الآرل" على أنغام السيمفونى بالأوبرا    حبس المتهم بإلقاء زوجته من بلكونة منزلهما بالعبور.. والتحريات: خلافات زوجية السبب    حريق ضخم يلتهم مخزن عبوات بلاستيكية بالمنوفية    الأعراض المبكرة للاكتئاب وكيف يمكن أن يتطور إلى حاد؟    محاكمة 9 متهمين في قضية «ولاية داعش الدلتا»| اليوم    «بُص في ورقتك».. سيد عبدالحفيظ يعلق على هزيمة بيراميدز بالدوري    مصر في المجموعة الرابعة بكأس أمم إفريقيا لكرة السلة 2025    البترول: تلقينا 681 شكوى ليست جميعها مرتبطة بالبنزين.. وسنعلن النتائج بشفافية    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية بالبنك المركزي المصري    جامعة القاهرة تكرّم رئيس المحكمة الدستورية العليا تقديرًا لمسيرته القضائية    متابعة للأداء وتوجيهات تطويرية جديدة.. النائب العام يلتقي أعضاء وموظفي نيابة استئناف المنصورة    يسرا عن أزمة بوسي شلبي: «لحد آخر يوم في عمره كانت زوجته على سُنة الله ورسوله»    انطلاق مهرجان المسرح العالمي «دورة الأساتذة» بمعهد الفنون المسرحية| فيديو    بسبب عقب سيجارة.. نفوق 110 رأس أغنام في حريق حظيرة ومزرعة بالمنيا    أمين الفتوى: طواف الوداع سنة.. والحج صحيح دون فدية لمن تركه لعذر (فيديو)    النائب العام يلتقي أعضاء النيابة العامة وموظفيها بدائرة نيابة استئناف المنصورة    اليوم.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة    «لماذا الجبن مع البطيخ؟».. «العلم» يكشف سر هذا الثنائي المدهش لعشاقه    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوالغيط "وشهادته".. في السياسة والحكم..
هل هي تجربة شخصية.. أم محصلة للخبرات..؟!
نشر في الجمهورية يوم 24 - 01 - 2013

شاءت ظروف عملي.. أن أكون قريبا من الأسرة الدبلوماسية المصرية.. فقد عملت محررا دبلوماسيا.. ثم مراسلا صحفيا بالخارج في كل من شمال أفريقيا وباريس..
بعدها عدت إلي القاهرة رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية.. ومنها انتقلت إلي وكالة أنباء الشرق الأوسط.. رئيسا لمجلس الإدارة.. ورئيسا للتحرير..
طوال هذه الرحلة الطويلة داخل وخارج مصر.. توثقت علاقتي. بأعضاء وأبناء "الأسرة الدبلوماسية المصرية".. من الملحق وحتي الوزير.. وربطتني بعدد كبير منهم صداقات عميقة تواصلت واستمرت حتي اليوم.. الجميل في هذه الرابطة.. أنها لم تتأثر بتغير المواقع.. ظلت علاقتي معهم وبنفس الاهتمام والحرص والقوة وأنا محرر عادي.. وأنا رئيس تحرير. ثم رئيس مجلس إدارة.. وظلت علاقتهم معي كما هي.. وهم "ملاحق".. ثم سفراء.. وبعدها وزراء..
من هؤلاء الذين ربطتني علاقة حميمة معه.. "بطل" حديث اليوم وهو أحمد أبوالغيط. الدبلوماسي.. والسفير.. ثم وزير الخارجية.. المناسبة.. أنه قرر أن يقدم "رحلته".. مع السياسة ومع الدبلوماسية ومع تجربة العمل المتنوعة والمتعددة. داخل وخارج مصر.. في كتاب.. يحمل شهادته. ورؤيته.. بل وقراءته لتفاصيل هذه الرحلة. ومضامينها.
وأبوالغيط في هذه الرحلة لم يغير "مهنته الدبلوماسية".. ولم يترك الخارجية.. ويذهب إلي موقع آخر.. أو إلي وزارة أو مصلحة مختلفة ما حدث أن "الخيار".. وقع عليه من جانب عدد متميز. من قيادات العمل السياسي والدبلوماسي في الإدارة والحكم المصرية.. ليلتحق "منتدباً".. في مكاتبهم لفترة.. ثم يعود إلي وزارته إلي الخارجية..
والغريب أن هذه العملية بدأت مبكرة. وهو في بداية رحلته واستمرت إلي أن أصبح مشاركا في الحكم كوزير للخارجية.. هذا "المشوار الطويل".. المتعدد الأبعاد.. والمتنوع الاهتمامات والتخصصات.. والمليء بالشخصيات والخبرات.. اكسب الرجل حصيلة هائلة من "المعرفة".. ومن المعلومات.. ومن الحكايات والخبايا.. هذا المشوار ملأ "خزائن" أبوالغيط بالكثير.. للحد الذي لم يعد قادرا علي الاحتفاظ به لنفسه وبداخله فكان لابد وأن يخرج إلي الوجود. وإلي الناس ما تجمع لديه من معارف وحقائق. بل وخيالات. وأكاذيب.. امتلأت بها أجواء الفضاء الذي مارس فيه تجربته ورحلته.. وهو داخل مصر.. وهو خارج مصر.. ممثلا لدولة عضوا في إحديس سفاراتها.. أو سفيرا لها.. وظني.. أن هذه "الزحمة".. التي تجمعت داخل قلبه وعقله. وذاكرته.. هي التي ضغطت عليه.. ليقدم لنا "شهادته".. ويضع بين أيدينا تجربة حياة امتدت في الاطار الدبلوماسي. 39 عاما.. وفي الحكومة "كوزير".. سبع سنوات.
لكن المتابعة عن قرب.. للتجربة. وللرحلة. وللشهادة.. تكشف لنا.. أن أحمد أبوالغيط. لم يكن يتحدث في الشهادة عن تجربة شخصية فقط.. ولم يكن يستعرض "مشوار".. شخص فرد.. إنما هي جانب هام من رحلة وطن.. وحركة مجتمع.. وأسلوب إدارة لسلطة حكم.. ذلك أن المتابعة عن قرب تقول..: إن أحمد أبوالغيط.. التحق بالخارجية.. وهذا صحيح لكن سرعان ما تم انتدابه للعمل في مكاتب كبار المسئولين المرة بعد الأخري.. عمل في مكتب اللواء محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي.. في مرحلة من أخطر المراحل.. وهي الفترة التي سبقت بدء حرب التحرير في 6 أكتوبر عام ..1973 بالتأكيد كان يومها أصغر أعضاء المكتب سنا لكن وبلا شك.. انتقاء العاملين في هذا المكان وفي هذا التوقيت يتوقف علي الكفاءة.. لا علي السن وأغلب الظن أنني تعرفت علي الرجل خلال هذا التوقيت.. عن طريق الصديق العزيز الراحل. الوزير أحمد ماهر السيد.. والذي أظن أنه كان من رشح أبوالغيط للالتحاق بمكتب "مستشار الأمن القومي".. في هذا التوقيت 1973 كانت الأوضاع في مصر قد وصلت إلي حالة لا يمكن أن تستمر حالة اللاسلم.. واللاحرب.. 3 سنوات مرت منذ وفاة عبدالناصر.. ووقف اطلاق النار في أغسطس عام ..1970 والذي كان مقررا له ثلاثة أشهر فقط.. الجيش وجنوده يعيشون في حفر تحت الأرض والسلاح شارف علي فقدان الصلاحية وكل شيء في مصر "مرهون" ومعلق علي قرار بالحسم.. حربا أو سلاما.. في هذه الفترة من عام 1973 انكشفت أمام السادات أبعاد اللعبة الامريكية الإسرائيلية.. وهي: الاستمرار في التأجيل وكسب الوقت.. بلا حركة أو تقدم في أي اتجاه رغم الوعود واللقاءات والاتفاقات التي جرت من خلال "هنري كيسنجر".
في بداية هذا العام 1973 تم الاتفاق بين واشنطن والقاهرة علي عقد اجتماعين. علي مستوي عال بضمان..: حافظ إسماعيل.. مستشار الأمن المصري وهنري كيسنجر مستشار أمريكا للأمن القومي.. الاجتماع الأول.. عقد في الولايات المتحدة.. والاجتماع الثاني.. عقد في ضواحي العاصمة الفرنسية باريس.. كان من المفترض.. أن يقدم "كيسنجر" للمفاوض المصري مشروعا للتسوية السلمية.. و تجنب المواجهة واستئناف القتال.
في الاجتماع الذي عقد في أمريكا.. لم تعرض واشنطن شيئا ذا بال..
وفي اجتماع باريس.. انكشف المستور..
قال كيسنجر وبصراحة فجة.. لا مجال للحديث عن استعادة جميع الأراضي المصرية التي تحتلها إسرائيل في سيناء..
إذ علينا أن نعترف بأن للحرب قوانين.. أهمها..:
أن المنتصر يحصل علي مكافأة انتصاره
والمنهزم.. عليه أن يدفع ثمن هزيمته..
وبالتالي لا عودة لحدود ..1967 حينما نقل حافظ إسماعيل.. هذا الكلام للسادات في مصر.. رد عليه وبحسم اجمع أوراقك استمع إليه كيسنجر. ولا تناقشه.. ثم عد فورا إلي مصر..
وهنا يمكن القول.. إن قرار حرب تحرير الأرض المصرية في 6/10/1973 قد تم اتخاذه.. هذا اليوم.. فقد انكشفت اللعبة.. وكسبت إسرائيل الوقت.. وساءت العلاقة مع السوفييت. حتي وصلنا لقرار إخراجهم من مصر.
***
هل لأحمد أبوالغيط.. دور. أو علاقة.. في هذه "الحكاية".. بأبعادها السياسية. والاستراتيجية. والمصيرية.. إقليميا. ودوليا. ومصريا..؟!
هل لها صلة "بالشهادة".. التي يقدمها لنا في كتابه..؟!
في اعتقادي.. أن هذه "الحادثة".. وهذا الموقف بجميع ملابساته وأبعاده.. قد اكسبت "ضيفنا" قدرا هائلا من المعرفة. والعلم. بشئون الإدارة. والحكم.. وكشفت له. ما يكمن تحت أغطية. وستائر. من الخداع والكذب. من وقائع وحقائق ومؤامرات.. ذلك أن القضية محل المناورة والخداع.. هي قضية وطن وهي قضية أرض.. وقضية حرب وسلام قضية هيمنة واحتلال. وسيطرة علي الاقليم وما بعد الإقليم.. ومن خلال انحياز سافر من طرف القوة العظمي في العالم.. وتلك كانت التجربة الأولي في المرحلة.. ورغم ضخامتها وأهميتها إلا أنها وغيرها كثير هي ما صنعت أحمد أبوالغيط.. هي التي كونته وشكلته..
يحاكي هذا الحديث في الأهمية. قصة أخري شارك فيها أبوالغيط.. وهي قصة تنتمي لنفس الفصيل. الذي انتمت إليه حكاية كيسنجر.. لكن البطل هنا.. وزير خارجية أمريكي آخر. هو "سايروس فانس".. فقد انتهت حرب ..1973 وتم وقف إطلاق النار الأول والثاني.. وبدأ فتح قنوات تواصل وتحاور مع واشنطن. وتل أبيب وخرج السوفييت بالكامل.. وتم تنفيذ الانسحاب المتفق عليه وقتها ثم سرعان ما عمل الطرف الأمريكي الإسرائيلي علي تأزيم الوضع وإثارة الخلافات.. مع الضغط من أجل استمرار باب الحوار مفتوحا.. في هذه الفترة من صيف عام ..1987 تولي محمد إبراهيم كامل حقيبة وزارة الخارجية.. وتم انتداب أحمد أبوالغيط في مكتبه مع أحمد ماهر ووصل الأطراف الثلاثة المعنيين بالتفاوض.. وهي.. القاهرة. واشنطن. وتل أبيب.. إلي اتفاق بعقد مؤتمر ثلاثي في "قلعة ليتز".. البريطانية. والتي تبعد عن لندن حوالي خمسين كيلو متر.
وتوجه إلي هناك الوزراء الثلاثة..:
محمد إبراهيم كامل.. وسايروس فانس.. وموشي ديان وضم الوفد المصري هذه المرة أيضا.. أحمد أبوالغيط.. وكان من حظي أن أكلف بتغطية هذا الحدث الهام.. لكن.. قبل أن نصل إلي لندن.. التقينا.. الوزير إبراهيم كامل.. والسفير أحمد ماهر.. والمستشار أحمد أبوالغيط.. في باريس حيث كنت أعمل مراسلا في باريس.. وقبل أن نغادر إلي لندن.. سألت الوزير "كامل".. عن فرص نجاح مؤتمر قلعة "ليتز".. الثلاثي وبحضور . ماهر وأبوالغيط.. وجاء رد الوزير.. أنه ذاهب إلي "ليتز" حاملا مشروعا للتسوية لا يمكن رفضه خاصة من الجانب الأمريكي..
فقد اعتمد المشروع الذي نحمله علي ما جاء في البيانات الرسمية الأمريكية فيما يخص كل القضايا المختلف عليها.. والمسائل الشائكة.. وبالتالي فإن أغلب الظن.. أن الوزير الأمريكي لا يمكن أن يرفض المواقف التي سبق وأعلنوها.. وبشكل رسمي.. وذهبنا إلي لندن ومنها لاجتماع "ليتز".. كنت علي تواصل مع الثلاثي. الموجود بالقعلة. الوزير. وماهر. وأبوالغيط ومعهم أيضا د. أسامة الباز..
* عرض إبراهيم كامل مشروعه..
* رد عليه "موشي ديان".. حقيقة يا سيادة الوزير. ما تعرضه شيء رائع. ولا يمكن الاعتراض علي ما فيه.. ولكنني وبكل الصراحة أقول إننا في إسرائيل لا يمكن أن نقبله.. بل نرفضه تماما.. ولا شيء غير ذلك.
عندها قال الوزير المصري.. هذا هو موقفنا وهذه هي رؤيتنا.. وأظنها رؤية واشنطن أيضا.. وبالتالي إذا كان لديكم مشروع بديل لمناقشته فلنبدأ.. وإلا فأنا عائد إلي مصر..
تدخل فانسي.. ليس بحل أو مشروع آخر.. ولكن باقتراح البقاء معا الثلاثة الوزراء لمواصلة الحديث والنقاش يوما أو يومين أو ثلاث.. فربما توصلنا إلي صيغة مقبولة منا جميعا..
لكن محمد إبراهيم كامل أصر علي الرحيل.. أو إذا كان لديهم مشروع بديل. فلنبدأ بمناقشته.. الغريب أن الوزير إبراهيم كامل.. كان قد قال وأكد لي عندما سألته. عن فرص نجاح "اجتماع ليتز".. أنه سوف ينسحب علي الفور من الاجتماع إذا رفض المشروع المصري.. والمؤسس علي المواقف الأمريكية الرسمية والمعلنة.
يوم قرار الانسحاب اتصل بي أبو الغيط. حيث يتجمع الصحفيون في مبني مجاور للقلعة.. وقال لي "باظت العملية" والوزير يريد التحدث إليك.. وقال الوزير.. نحن ذاهبون الآن الي مقر السفير "سميح أنور" في لندن.. ويمكن ان تلحقوا بنا هناك.. وبالفعل ذهبت والصديق العزيز الراحل حمدي فؤاد.. وشرح لنا الرجل تفاصيل اللقاء والرد علي اسئلتنا وعلي امتداد أكثر من 3 ساعات.. وبحضور ماهر وأبو الغيط.
أهمية هذا اللقاء. أو هذا الاجتماع الذي لم يكتمل.. أنه أسفر عما هو أخطر.. رغم فشله.
فقد غضب "سايروس فانس" الوزير الأمريكي غضباً شديداً من إبراهيم كامل الذي رفض الاستمرار في "ليتز".. وقال يومها غاضباً لعدد من الصحفيين الأمريكيين.. سوف أريه هذا الوزير ماذا يمكننا ان نفعل.
لقد رفض هو البقاء والاستمرار في البحث.
إذن فسنستدعي من هو أكبر منه.. ونتحدث معه.. وكانت.. ونتيجة لهذا الموقف مباشرة.
اجتماعات كامب ديفيد
ليس علي مستوي الوزراء.. ولكن الرؤساء.. وإلي جانبهم الوزراء.. خاصة الوزير المصري الذي قرر الانسحاب في قلعة ليتز.
***
تجربة "اجتماع ليتز".. الثلاثي بملابساته.. وبما أسفر عنه.. وبما تداعي بعده من أحداث.. كانت هي الأخري "محطة هامة" من محطات التجربة التي أخذ أحمد أبو الغيط.. يتنقل داخلها..
من قيادة.. إلي أخري.
ومن حدث هام.. إلي ما هو أهم وأخطر منه.
ولا شك أن محطة السيد كمال الدين حسن علي.. التي توقف فيها أبو الغيط. أطول مدة.. ربما مع القادة اللامعين.. عضوا في جهاز عملهم المباشر.. هذه المحطة بلا شك.. شديدة الخصوصية والتميز.
خاصة فيما يتعلق باكتساب الخبرات.. وتعدد المعرفة.. وتنوع التجارب.
فالمحطة مع كمال حسن علي.. أخذت أبو الغيط.. إلي الأمر الداخلي.. الي الشئون المصرية الاجتماعية.
فقد أصبح كمال علي رئيساً للوزراء.. ولم تتوقف مهامه ومسئولياته عند السياسة الخارجية.. والنشاطات الدبلوماسية كوزير للخارجية.. ونائب لرئيس الوزراء.
ذلك أن رئيس الوزراء هو المكلف بإدارة الحياة اليومية. وغير اليومية مع الرئيس.. هو المسئول عن الزيت والسكر.. مسئول عن الطريق. وعن التعليم. وعن السكن.. وعن الصحة.
وقد خاض أبو الغيط وزميله العزيز الراحل محمد الجوادي في هذا المضمار. حتي الأذنين.. فقد سلمهما كمال علي المكتب.
ولم يقصرا.. كان أحمد في مكتبه برئاسة الوزارة قبل السابعة صباحاً.. وكانت رولات اجتماعات مجلس الوزراء يتم بحثها واعدادها ومراجعتها قبل كل اجتماع وبمنتهي الدقة.
وهنا.. زحف إلي رصيد الخبرة والمعرفة عند "ضيفنا".. بعد غاية في الأهمية.. وهو البعد الداخلي.. بجميع جوانبه وتفاصيله.. الاقتصادية والاجتماعية والانسانية.
تعرف وبشكل مباشر علي شئون الناس ومشاكلهم.. ومعاناتهم.. تعرف وبصورة تفصيلية علي الادارة المصرية. وأجهزتها.. وأدواتها ليس من خلال معلومات متناثرة.. ومن خلال حدث بعينه.. ولكن من خلال مجمل الصورة وشموليتها.
فالحكومة.. أي حكومة.. هي المسئولة عن العلاج.. وعن المواجهة.. وعن التعرف علي ما يجري. وبكل دقائق وبكل تفاصيله.. لتعرف من أين تبدأ.. وأين ستنتهي.
وهذه التجربة في ذاتها.. كشفت أسباب القصور.. وأسباب عدم القدرة علي العمل في الخارج.
كما كشفت محدودية الحركة التي أصبحت عليها الدولة المصرية وهي تتراجع كل يوم.. عن المشاركة.. وعن الفعل.
وبالتالي عن الدور..
وظني أن هذا البعد.. وهذه الخبرة التي اكتسبها من العمل في مكتب رئيس الوزراء.. وفي الحقل الداخلي للسياسة.. هي التي ميزت أبو الغيط في تعامله مع أعضاء أسرته الدبلوماسية.. خاصة وأنه قد اكتشف خطورة هذا الخلل. بين الدخول والالتزامات.. وبالتحديد خلال فترة عمل الدبلوماسي في الديوان العام.. وحتي بعد احالته للمعاش.. وذلك اتخذ خطوات هامة وفاعلة. لمعالجة هذا الخلل.
***
لكن رغم الأهمية الكبري وكما أشرنا لتجربة أبو الغيط في المجال الداخلي مع كمال حسن علي.
لا يمكن لنا أن نسقط هذه العلاقة الممتدة والمتواصلة بين عمرو موسي وزير الخارجية.. وبين الدبلوماسي النشط والمتميز. متعدد المواهب أحمد أبو الغيط.
كان أبو الغيط عضواً دائماً في مكتب وزير الخارجية عمرو موسي.. طالما كان بالديوان العام.. وانهي مهمته بهذه السفارة أو تلك في الخارج.. وهذه العلاقة الطويلة.. والارتباط المتواصل كان من طبيعته. وضع أبو الغيط في الصورة في كل ما يجري.. وجعله محيطاً بكل التفاصيل.. وبكل الأسرار المتعلقة بالعمل السياسي والدبلوماسي.. كما مكنته وبشكل دائم من المحافظة علي علاقاته الواسعة بكل أطراف اللعبة الدبلوماسية والسياسية في الداخل والخارج.
وقد أثري هذا الجانب.. ان ضيفنا.. قد خدم دبلوماسياً وسفيراً في عدد من المواقع الهامة والدول المتميزة.
خدم سفيراً في روما.. وسفيراً بالوفد الدائم للأمم المتحدة بنيويورك.
كما عمل في قبرص والاتحاد السوفيتي وتركيا.
بالاضافة الي طوافه الدائم في أرجاء الأرض.. مشاركاً في مؤتمر.. حاملاً لرسالة.. عضواً في وفد.
الخلاصة.. أننا أمام حالة شديدة الخصوصية.. وأمام شخصية تهيأ لها العديد من الفرص.. لكنها أبداً لم تقصر في أداء أي منها.
تهيأ لها التعرف علي عدد من القيادات العليا داخل مصر.. وهي مازالت في بداية الطريق.
والوقوف علي كم هائل من المعلومات والحكايات والأسرار.
وليس لدي أي شك في أن أحمد أبو الغيط بما يعرف.. لا يمكن ان يفاجئه أي موقف.. أو أي تصرف.. من هذه الدولة أو تلك.
كما لا يمكن ان يخيب أمله بصورة متجددة.. في هذ المسئول المصري أو ذاك.. فقد تعرف عليهم جميعاً.. من خلال العمل المباشر.. أو من خلال المواقف والقرارات. ومن خلال الأوراق.. تلك التي ترفع عن الحقائق كل غطاء. وتبعدها عن كل تزييف.
من هنا.. جاءت تقييمات أبو الغيط في "شهادته" هادئة غير منفعلة.. ولا منحازة.. وهو يتحدث عن مبارك.. وغيره.. كانت الدولة.. يوم أمسك بوزارة الخارجية عام 2004 قد هرمت وشاخت.. كانت فقدت روح الاهتمام بشئون الوطن.. والمنطقة والمياه.. وأفريقيا والعرب.. بل وكل شيء.
كانت الدولة بأجهزتها قد نقلت الاهتمام.. إلي قضية التوريث.. والي تزاوج السلطة والمال.. والي الهيمنة علي كل الثروات.. والي الافساد المتعمد لكل ما تصل إليه.. خاصة البشر.
كانت قد قررت نزح جميع ثروات البلد الي الخارج.. وما لا يمكن نقله أو تحويله.. يجري بيعه للأجانب.
من هنا خابت المحاولات من جانب كل من حاول العلاج.. سواء في قضية.. كقضية مياه النيل.. أو غيرها.
من هنا.. من الصعب.. أو من غير العدل أن تسأل الرجل عما فعل وانجز.. بينما كل الأدوات معطلة.. وبينما كل الأموال مهربة.. وبينما كل الثروات تم نهبها.. يكفيه أنه رفض أن يترك محصلة خبرته وعمله وعمره. دون ان يدونها ويقدمها لنا.
ان هذه الشهادة.. ما هي إلا محصلة جامعة.. لفكر وعمل ورؤية وجهد وممارسة مجموعة فذة من رجال مصر.. كان من حظ أحمد أبو الغيط.. ان يعمل معهم جميعاً.. وأن يكون عضواً فاعلاً ومؤثراً في مجموعات العمل التي شكلوها لأنفسهم.. والتقرب أكثر من فكرة "المحصلة" الجامعة.. وكيف ان أبو الغيط جاء "حاصل جمع" كل هذه المواهب والخبرات.
نعود ونتذكر الاسماء التي نبدأها بالسيد محمد حافظ اسماعيل.. ثم بالسادة كمال حسن علي ومحمد إبراهيم كامل وعصمت عبد المجيد وعمرو موسي وأحمد ماهر السيد.
معهم جميعا..والواحد تلو الآخر كان أحمد عنصرا أساسياً في فريق عمل كل منهم.
إضافة إلي هذه الخبرة والتجربة المكثفة. والمتعددة الأبعاد خدمته في الخارج كعضو بعثة في سفارة.. إلي رئيس بعثة كسفير.. وهذه التجربة.. أخذته الي قبرص.. والي الاتحاد السوفيتي.. والي الأمم المتحدة أكثر من مرة.. والي روما سفيراً.
من هنا.. قد يكون من الخطأ البين أن نقرأ الكتاب.. وكأنه تجربة أو شهادة مبسطة تحكي يوميات أو انطباعات "دبلوماسي متميز".. أراد ان يسجلها علي صفحات كتاب.
إنما هي في الحقيقة رؤية متكاملة لمسئول مصر.. وظف كل جهده وخبرته لخدمة الوطن.. من خلال عرض رحلته مع الحياة ومع العمل.. ومن خلال استعراضه لأدوار متنوعة ومتعددة مارسها مع أكثر من نجم سياسي. ودبلوماسي وعسكري في أكثر من موقع.. أخذ منهم جميعاً.. وأضاف لما قدموه جميعاً.. فكان هذا التميز وكانت هذه الصورة البديعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.