فجر الاثنين الماضي غيب الموت أحد أبناء الدبلوماسية «النبلاء»، وزير الخارجية السابق أحمد ماهر السيد عن عمر يناهز 75 عامًا، كان حافلاً بالإنجاز لصاحبه منذ التحاقه بالسلك الدبلوماسي عام 1957 ضمن الدفعات الدبلوماسية الأولي بعد ثورة يوليو التي انتمي إليها بكل جوانحه، وساعده علي ذلك أنه تتلمذ علي يد رجل ثوري ووطني حتي النخاع وهو وزير الخارجية الأسبق محمد إبراهيم كامل الذي كان ماهر مديرًا لمكتبه أثناء معترك التفاوض المصري مع إسرائيل الذي انتهي بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، والتي اشترك فيها نخبة من أعلام الدبلوماسية المصرية وهم أحمد أبوالغيط وعمرو موسي وأسامة الباز وعصمت عبدالمجيد وأشرف غربال ونبيل العربي وعبدالرءوف الريدي.. هذه المجموعة وبالأخص أبو الغيط وموسي كانت العلاقة التي تجمعهم بماهر تتعدي حدود الصداقة انطلقت بجذورها قبل «كامب ديفيد» بسنوات وتحديدًا عندما تزامل هذا الثلاثي الفريد في مكتب مستشار الأمن القومي محمد حافظ إسماعيل مطلع السبعينيات وحلقت بآفاقها فيما بعد وحقق كل منهم مجده المهني وأصبحوا وزراء للخارجية ولم يفسد تعاقبهم الوزاري ما يجمع بينهم. وفي هذه السطور لا نمنح مجرد تكريمًا أو نكتب تأبينًا في أحمد ماهر السيد، ولكن نكشف صورًا غائبة لا يعرفها الكثيرون عن العلاقة التي كانت تجمع ما بين أحمد ماهر وبين وزير الخارجية أحمد أبو الغيط التي يمكن استشفافها من البيان الرسمي الذي نعي فيه أبو الغيط رفيق عمره أحمد ماهر، وهو البيان الذي يعد الأول من نوعه في تاريخ وزارة الخارجية وجاء نصه «بقلوب مفعمة بالإيمان بالله وبقضائه تنعي وزارة الخارجية ابنًا بارًا من أبنائها ورجلا من رجالات مصر المخلصين الأوفياء وزير الخارجية السابق أحمد ماهر السيد وينعي الوزير أحمد أبوالغيط صديقا عزيزًا غاليا، ترافقا سويا في مشوار العمل علي مدي أربعة عقود، امتزجت خلالها علاقات عملهما الوطيدة بصداقة راسخة، وسوف يظل اسم الراحل أحمد ماهر السيد علمًا من أعلام هذه المؤسسة الوطنية الرائدة ونموذجًا للدبلوماسي القدير الذي تفاني في خدمة مصر من مختلف المواقع التي عمل فيها والمناصب التي تقلدها وتخرج علي يديه كوادر عليا من قيادات الوزارة، رحم الله الفقيد وألهم أسرته الصبر والسلوان. وكان المشهد في وزارة الخارجية يوم الاثنين أشبه بعائلة فقدت عزيزًا عليها،ومن مكتب الوزير أبوالغيط كانت تتم متابعة ترتيبات «الجنازة» وخرجت سيارات الوزارة تقل العاملين دبلوماسيين وإداريين متجهة إلي مسجد آل رشدان تشيع الجنازة التي تقدمها الرئيس محمد حسني مبارك، ووقفت مراسم الخارجية تستقبل المعزين داخل المسجد. لم يكن أحمد أبوالغيط يسمح لأحد بالتقرب إليه عن طريق انتقاد أحمد ماهر باعتبار أن ماهر الوزير السابق وأبوالغيط الوزير الحالي وذات يوم.. وتحديدًا في عيد الدبلوماسيين المعروف باسم «يوم الدبلوماسي المصري» قبل ثلاث سنوات دار حديث، ضاحك بين الوزيرين حضره عدد من الصحفيين وكان ماهر يتحدث عن معالجة الخارجية لأمر ما فداعبه أبوالغيط قائلا: هذه هي الملفات التي تركتها لي، وفي اليوم التالي وفي بهو وزارة الخارجية حاول أحد الصحفيين انتقاد أحمد ماهر من منطلق الحديث المشار إليه.. فعنفه أبوالغيط بشدة قائلا: لا أسمح أن تتحدث عن أحمد ماهر بهذا الشكل وأنت لا تعرف ماذا يمثل أحمد ماهر بالنسبة لي، متابعًا: إن أي انسان يضع الله في طريقه أشخاصًا يساعدونه علي البزوغ وأحمد ماهر كان أحد هؤلاء. وفي العام قبل الماضي أعطي الوزير أبوالغيط صديقه ورفيق عمره حقه في التكريم كقيمة دبلوماسية وأطلق اسم أحمد ماهر السيد علي الدفع «36» من الملحقين الدبلوماسيين في احتفال نظمه المعهد الدبلوماسي المصري وحضره أحمد ماهر وشهده الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي والدكتور أسامة الباز المستشار السياسي لرئيس الجمهورية، وخلال الحفل دعا أبو الغيط في كلمته الدبلوماسيين الجدد للاقتداء بأحمد ماهر الذي تحمل الدفعة اسمه.