غاب عنا رمز من رموز الدبلوماسية المصرية والعمل الوطني, والذي علم اجيالا من الدبلوماسيين وغير الدبلوماسيين علي مر تاريخه الحافل بالعمل والمواقف الاخلاقية, سواء كدبلوماسي أو كسفير أو كوزير للخارجية ثم كمفكر وطني حر. وقد كنت من الذين ابتسم لهم الحظ وقربتهم الظروف من هذه الشخصية العظيمة عندما عملت معه كسكرتير أول عامين من ثلاث امضاها وزيرا للخارجية, ولكن هذا لم يكن اول العهد به, فقد كنت اسمع من دبلوماسيين منذ أكثر من ثلاثين عاما أن احمد ماهر السيد سيكون يوما ما وزيرا للخارجية. وبالفعل تحققت النبوءة بعد حقب طويلة كان خلالها أحمد ماهر السيد احد ابرز اركان الخارجية المصرية وسفيرا لمصر في عدد من العواصم علي رأسها موسكو ثم واشنطن, حتي شرفته القيادة السياسية بمنصب وزير الخارجية وهو المنصب الذي تشرف به أيضا. فهو لمن يعرفه الرجل المثقف القارئ المستنير, المتابع لكل التيارات الفكرية والسياسية, الوطني الذي يضع مصريته فوق كل شيء, والعامل بكل جد بعيدا عن الاضواء والاعلام, فضلا عن الضليع بعلوم اللغة العربية والغيور عليها, فأذكر مقولته الشهيرة عندما كان يري خطأ في اللغة العربية سيبويه يتقلب في قبره ياناس. اما أحمد ماهر السياسي فتاريخه حافل بالمواقف الوطنية التي لاتتزحرح قيد انمله, لا لوظيفة او لمكسب يصبه, سواء كان سفيرا أو وزيرا أو مفكرا, قد كنت ممن رأي صلابته في الدفاع عن بلاده في مواقف سيسجلها التاريخ له, كما سيسجل له أيضا رؤيته الثاقبة, واذكر من قطار الذكريات مواققه المتشددة في الدفاع عن القضية الفلسطينية, أيضا تشدده القوي في شرح مخاطر الغزو الأمريكي للعراق لنظيره الأمريكي قبيل الضربة الأمريكية, والشراسة التي نقل بها رفض مصر قيادة وشعبا لمثل هذه الخطوة مع شرح مخاطرها وكأنه كان بتنبأ بالغيب. ومع ذلك تبقي روح الأبوة لأحمد ماهر السيد اقوي جوانب شخصيته فالرجل كان يتعامل مع الجميع بروح الود والحب الشديدين,.رحم الله الفارس أحمد ماهر السيد الذي بموته تيتمت أجيال من الدبلوماسيين المصريين, وبكت مصر فراق مفكر من مفكريها, ودرع من دروعها.