هذه السياسة تبنتها مكتبة الكونجرس الأمريكي وهي أكبر مكتبة حكومية في العالم ولديها الكتب والوثائق التي تتناول كل دول العالم ونواحي المعرفة بدون أي مبالغة، القسم الخاص بمصر فقط لديه وثائق عن مصر لا توجد لدينا وبها كل ما صدر في مصر ومنشورات وصحف ومجلات وأحاديث إذاعية وخرائط منذ مئات السنين، وهي قد دأبت علي ذلك الجمع منذ مدة طويلة ولديها مندوب خاص بالقاهرة يتولي تزويدها بكل ما يصدر في مصر ليس في مجال السياسة وحسب وإنما في كل نواحي الأدب والتاريخ إلخ.. أتمني لكل من يزور واشنطن أن يذهب إلي هذه المكتبة العظيمة، طبعًا لدينا مكتبة الإسكندرية التي أصبحت أيضًا من كبريات المكتبات الحضارية في العالم وهي تتعاون تعاونًا وثيقًا مع مكتبة الكونجرس ومشروعها الأخير الخاص بتوثيق التراث العربي من أفضل المشروعات التي ظهرت في تاريخ مصر الحديث إبقاء لتاريخها للأجيال القادمة. المشروع الذي قامت به الحكومة الأمريكية بالتعاون مع مكتبة الكونجرس هو توثيق حياة كل المشاهير والكتاب والدبلوماسيين والسياسيين والرياضيين الأمريكيين إلخ.. عن طريق قيام محدثين محترفين باستجوابهم لساعات طويلة يتحدثون فيها عن تطور حياتهم منذ دراساتهم الأولية، ومن ضمن هؤلاء الدبلوماسيين الأمريكيون الذين خدموا بلادهم في مختلف أنحاء العالم، وتتم هذه العملية بعد إحالتهم إلي التقاعد حتي لا تكون هناك أي قيود وظيفية تحول دون تحدثهم بصراحة، ولكنني أعتقد أن هناك بعض المعلومات التي لم يبوحوا لأنها تتعارض مع مقتضيات الأمن القومي لبلادهم وهو أمر يجب أن يتبعه أي دبلوماسي محترف. الذي يقوم بالاستجواب هو زميل سابق لهم عمل أيضًا كدبلوماسي لبلاده في عدة مناصب، الحوار الذي يستغرق ساعات طويلة أما في منزل الدبلوماسي أو علي غذاء أو شاي أو في ناد إلخ.. يتم في إطار مريح من الزمالة، المحاور يدرس الموضوع جيدًا قبل إجراء الحوار حتي يكون ملمًا بتاريخ الحقبة التي عمل فيها الدبلوماسي في بلد معين والسياسة الأمريكية تجاه هذا البلد والظروف الدولية المحيطة بهذه الحقبة، يسرد الدبلوماسي ذكرياته والمقابلات التي أجراها مع كبار المسئولين في الدولة التي خدم فيها والظروف الاجتماعية في هذا البلد ويلقي الضوء علي سياسة بلده، قد ينتقدها بأدب ولكن بدون تجريح. الحوارات أيضًا ليست فقط مع السفراء بل قد تكون مع زوجاتهم أو الذين عملوا معهم في السفارات الأمريكية من عسكريين واقتصاديين وإعلاميين. وإحقاقًا للحق أسجل هنا أنه خلال عملي الدبلوماسي الطويل فإنني أكن الاحترام لغالبية الدبلوماسيين الأمريكيين الذين عملت معهم، فقد كانوا علي أعلي درجة من الحرفية والانضباط وليسوا مترفين كما يشاع عنهم يعملون لساعات طويلة. ونشأت بيني وبين الكثير منهم صداقات وزمالات مازالت موجودة حتي الآن، لم أشاهد من أي منهم تعاليا أو غرورًا ولكن كل مودة واحترام خاصة أنهم متعودون علي أن رجال السلك الدبلوماسي المصري لا يقلون عنهم حرفية، هذا ليس غرورًا ولكن تسجيلاً لواقع وأرجو أن تحافظ عليه الدبلوماسية المصرية. بعد تسجيل هذه الحوارات الممتازة يتم تفريغها وتوضع في مكتبة الكونجرس تحت إمرة الباحثين أو حتي القراء العاديين أو الفضوليين الذين يريدون شغل أوقاتهم بمعرفة ما حدث في الماضي من ناحية معينة. طلبة الجامعات الأمريكية قد يكلفون من أساتذتهم بإعداد بحوث معينة عن بلد ما، ولذلك فإن من أهم مراجعهم تكون مثل هذه الحوارات حيث إنها لا تلتزم بالوثائق الرسمية الحكومية علي أهميتها وإنما بتقييم من عمل الميدان كدبلوماسي في بلد ما. الحوارات التي أجريت مع سفراء أمريكا في مصر ترجع إلي ما قبل الحرب العالمية الثانية، وهي مازالت مستمرة حتي الآن حتي يكون هناك سجل كامل لذكريات هؤلاء السفراء قبل أن يتوفاهم الله، أتمني بالفعل أن تتبني جهة ما في مصر ولتكن مكتبة الإسكندرية مثل هذا الموضوع ليس فقط مع الدبلوماسيين السابقين وإنما مع شخصيات أخري سياسية ورياضية واجتماعية وفنية، كل ما تم حتي الآن ناقص ولم يكن مدروسًا جيدًا، وأعتقد أنها ستجد كل تعاون من كل من تريد إجراء حوار معه وقد يقدم لها من المستندات الشخصية والرسمية مما لا يوجد في أرشيف الدولة، وقد يقوم ورثته بعد وفاته بإلقائها في القمامة غير مدركين لأهميتها. هذه مقدمة طويلة ولكنها ضرورية في رأيي، لتقديم ذكريات بعض هؤلاء السفراء الأمريكيين الذين عملوا في مصر أو تولوا مناصب عالية في الخارجية الأمريكية أو مجلس الأمن القومي الأمريكي وكانت لهم صلة بمصر وسياستها عبر حقب عديدة، ذاكرة الأمة يجب الحفاظ عليها فالشعوب تنسي تاريخها بسهولة، وأتمني بعد هذه الحلقات أن أستطيع استضافة بعض الدبلوماسيين المصريين الذين عملوا كسفراء للقاهرة في عواصم معينة خلال الفترة التي تحدث عنها الدبلوماسي الأمريكي لإجراء مقارنة موضوعية شفافة حول ما حدث بالفعل. أول دبلوماسي اخترته لهذه السلسلة هو جون بادو الذي خدم أيضًا لمدة طويلة كرئيس للجامعة الأمريكية بالقاهرة والذي لا يزال حيا حتي الآن وتجده يتحدث في القنوات التليفزيونية بين الحين والآخر معلقًا علي أحداث الشرق الأوسط والعالم العربي وهو الذي اكتسب خبرة واسعة في منطقتنا. وأنا من المعجبين به فقد كان شخصية ملتزمة لا تعرف الالتواء وصريح في أحاديثه وأهم من ذلك كان خبيرًا بما يقول. وإلي حلقة قادمة.