«إيمى» ووالدتها برفقة رئيسة الفريق البحثى ومعاونى الإشراف بدا حُلماً بعيد المنال، أن تحقق مصر إنجازاً عالمياً في أحد ميادين البحث العلمي، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتضاؤل مخصصات البحث العلمي من الناتج القومي الإجمالي بحيث لم تتجاوز نسبة 1%. لكن ولادة «إيمي» أول «عجل» أنابيب في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا علي أيادٍ مصرية، أعادت للحلم بريقه ووضعت في أيادينا مفتاحاً ذهبياً لفتح الباب علي مصراعيه لإحداثِ طفرةٍ هائلة في الثروة الحيوانية. فقد نجح فريقٌ بحثي برئاسة الدكتورة أميمة قنديل أستاذ بيوتكنولوجيا الأجنة بقسم التكاثر في الحيوان والتلقيح الصناعي بالمركز القومي للبحوث، في تطبيق تقنية نقل الأجنة معملياً «عجول الأنابيب» بهدف تحسين الصفات الوراثية والإنتاجية للحيوانات في المستقبل. وفي معمل تكنولوجيا الأجنة بشعبة البحوث البيطرية استقبلتني الدكتورة أميمة قنديل رئيس الفريق البحثي الذي نجح في تطبيق التقنية، قالت لي إن إيمانها بأهمية المشروع الذي تكافح من أجله جعلها تثابر وتصرُّ علي إنجاحه رغم المعوقات التي مرّت بها التي كان علي رأسها أزمة التمويل وتوفير الحيوانات اللازمة لإجراء التجارب عليها، فالجميع كان متخوّفا من فشل هذه التجارب لكنها تغلبت علي عوامل الإحباط إلي أن كُللت جهودها بالنجاح. تبتسم وهي تصف لي سعادتها بولادة «إيمي» التي منحتها اسم الدلع الخاص بها من شدة احتفائها بالحدث، تضيف: لم أكن أتوقع هذه النتيجة المبهرة لمشروع «تحسين إنتاجية الحيوان بتطبيق التقنيات الحديثة» الذي بدأناه بالاشتراك مع بلغاريا سنة 2010، الذي تم تمويله من أكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث، بالتعاون مع معهد تناسليات الهرم. الهدف الرئيسي من المشروع كما تشير الدكتورة أميمة قنديل هو استخدام تقنية إنتاج الأجنة معملياً ونقل هذه الأجنة لتحسين الصفات الوراثية والإنتاجية للحيوانات، فهذه التقنية تم تطبيقها علي عدد خمس جاموسات وبعد تشخيص الحمل باستخدام جهاز السونار وجدنا أن ثلاث جاموسات عشار إلي أن ولدت إحداها في مزرعة المركز القومي للبحوث بالنوبارية. وفي انتظار ولادة الباقي بدأنا في تطبيق التجربة مع بعض المزارعين أصحاب المواشي في محافظة الفيوم، وساعدنا علي ذلك أن لدينا عدة مشروعات أجنبية في مجال الهندسة الوراثية نتبادل من خلالها الخبرات مع دول متقدمة في هذا المجال مثل الصين واليابان وإيطاليا وفرنسا وبلغاريا. تطلعني الدكتورة أميمة علي خطوات إنتاج الأجنة معملياً، في البداية نقوم بجمع البويضات من الأمهات ذات الصفات الوراثية العالية باستخدام جهاز شفط البويضات بمساعدة جهاز السونار، وكذلك الحيوانات المنوية المحسنة ثم نجري الانتخاب الوراثي للجينات، ونبدأ في مراحل التخصيب المعملي بوضعها في أوساط الزرع المناسبة لإكمال مرحلة الانقسام والنمو وحفظها في الحضانات لمدة 7 أيام علي أن تكون درجة حرارة الحضانة 37 تماثل حرارة الرحم الطبيعي. وخلال أيام التكوين نراقب الجنين عبر الميكروسكوب لتقييم طاقته والتأكد من أنه صالح للنقل، ثم نأخذ الأجنة وننقلها إلي أمهات أقل في الكفاءة الإنتاجية ولكن يجب أن تكون بصحة جيدة، ونقوم بتنظيم الشبق للأمهات الحاضنة حتي نهيئ الرحم لاستقبال الأجنة في اليوم السادس بعد الشبق ونتابع الحمل شهرياً بواسطة جهاز السونار. أسألها عن جدوي تطبيق هذه التقنية فتخبرني أنها تتيح لنا أقصي استفادة في مجال الهندسة الوراثية وتدعيم الثروة الحيوانية لأنها تمكننا من نقل الجينات المحسنة وراثياً الخاصة بإنتاج اللحم والخصوبة العالية ومقاومة الأمراض، كما يمكن تحسين الجينات المسؤولة عن إنتاج اللبن من حيث غزارة إنتاجه أو احتوائه علي مواد تستخدم في علاج الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر بخفض الكوليسترول في الدم أو زيادة نسبة الأنسولين لمرضي السكر. تتابع بحسرة، غير أن الكارثة الحقيقية التي تعصف بالثروة الحيوانية في مصر أن مربي الماشية التي تتميز بغزارة إنتاج اللبن يعمدون إلي ذبحها بمجرد أن يقل إنتاجها لأنها تمثل عبئاً مادياً عليهم في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف، فنخسر تدريجياً شريحة عريضة من الحيوانات ذات الأصول الوراثية الجيدة. مايجعلنا في حاجة ملحة إلي الاحتفاظ بهذه الأصول وحمايتها من الانقراض علي المدي البعيد. أما عن تكلفة المشروع فتشير إلي أن التكلفة الأساسية تكمن في الأجهزة المستخدمة لتطبيق التقنية، فمعظمها باهظ الثمن ولكن كثيرا من هذه الدول تعاونت معنا لتأسيس معمل تكنولوجيا إنتاج الأجنة. فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الكيميائية والهرمونات التي نستخدمها، ورغم ذلك لانحمل هذه التكلفة علي سعر الجنين المُنتج لأننا نعتبر هذا المشروع مشروعاً قومياً لتحسين الثروة الحيوانية. وتكشف لنا الدكتورة أميمة قنديل عن تفاصيل بنك الأجنة وحفظ الأصول الوراثية للحيوانات الذي سيتم افتتاحه خلال شهر من الآن في مبني منفصل داخل المركز القومي للبحوث لخدمة مزارع الماشية ومربي الحيوانات. هذا المركز مجهز علي أعلي مستوي لتطبيق أحدث التقنيات في مجال الهندسة الوراثية، فتكلفة الأجهزة وحدها بلغت 8 ملايين جنيه وأهمها الجهاز المطوّر الخاص بقراءة التركيب الجيني للبويضات والحيوانات المنوية، الذي يوضح بدقة نسب الجينات الخاصة بإنتاج اللبن واللحم وخلافه، مايمكننا من إجراء الانتخاب الوراثي لانتقاء العينات ذات الصفات الوراثية العالية والاحتفاظ بها ونقلها إلي الحيوانات. كما يتيح لنا إمكانية تركيب هذه الجينات صناعياً في شرائح معينة وإضافتها إلي الأجنة التي تفتقر إليها. وتؤكد أن هذه التقنية صالحة للتطبيق علي جميع أنواع الحيوانات وليس فقط الجاموس، ويمكن أن تحدث طفرة إذا ما استخدمت في حفظ الأصول الوراثية لسلالات الخيول العربية ذات القيمة الفريدة، وتجويد إنتاج الخيول بزيادة معدلات الجَمال التي تتميز بها. وبرفقة الدكتورة أميمة قنديل اتجهنا إلي مزرعة المركز القومي للبحوث التي تقع في النوبارية عند الكيلو 113 من طريق «القاهرة-الإسكندرية الصحراوي» للتعرف علي أول «عجل أنابيب» في مصر والمكان الذي شَهِد ولادتها. هناك استقبلنا طِلب صُبيح مدير المزرعة الذي أخبرني أن هذه المزرعة أقيمت علي مساحة 145 فدان بتصميمٍ نموذجي بحيث تسهم في إنجاح دراسات المركز القومي للبحوث بإتاحة إمكانية تطبيق جميع التجارب المتعلقة بالزراعة والإنتاج الحيواني، من أهمها مشروع نقل الأجنة المنتجة معملياً الذي أسفر عن ولادة «إيمي» التي تعتبر إنجازاً كبيراً للفريق البحثي ومعاوني الإشراف الذين تولوا من اللحظة الأولي مسؤولية رعاية المواشي الخاضعة لهذه التجربة لما تتطلبه من متابعة دورية دقيقة. يقودنا المهندس الزراعي خالد الباقوري المسؤول عن قطاع الإنتاج الحيواني بالمزرعة والمشرف علي متابعة المشروع، إلي الحظيرة التي توجد بها العجلة «إيمي»، بدت لي كفتاةٍ مدللة وهي تسير بجوارِ أمها. تحظي «إيمي» بالنصيب الأكبر من اهتمام جميع العاملين في المزرعة، يحتفون بها ويرون أنها «وش السعد عليهم». يصف لي الباقوري اليوم الذي خرجت فيه «إيمي» إلي النور: كانت سعادتنا لا حدود لها، فمن اليوم الأول للحمل الذي استمر عشرة شهور ونحن ننتظر هذا اليوم بترقب، والحمدلله كانت الولادة ميسرة لم تتجاوز العشرين دقيقة ولم تحتج الأم أي تدخلٍ منا، ساهم في ذلك نظام الرعاية الدقيقة الذي أحطناها به قبل الولادة حيث ضاعفنا من كميات العلف المقدم للأم. يتابع الباقوري وهو يحاول أن يهدئ من روع «إيمي» التي بدا عليها الذعر ما إن اقتربنا منها، نحاول هنا أن نتبع الطرق العلمية الحديثة في تربية الجاموس بالشكل الذي يسمح له بالتكيف مع الظروف البيئية المحيطة.