ارتبط اسمه بالثقافة المصرية علي مدار سنوات طويلة. ثارت حوله شائعات وترددت أقاويل كثيرة، لكنه رغم فقده لكرسي الوزارة مع انتهاء عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ظل محتفظاً بلقبه الأشهر «الوزير الفنان»، بعد 23 عاماً قضاها في محراب الإبداع، أنجز خلالها العديد من المشروعات الثقافية التي يزدحم بها سجله الحافل. فاروق حسني لغز مشفر، فقد انفصلت الثقافة عن الآثار ولم ترق الثقافة من بعده، حيث ألغيت مهرجانات وتوقفت أخري.. رفض الهروب بعد ثورة يناير 2011 وانتظر مصيرة ليسجن كما يحدث في أعقاب معظم الثورات، وقف خلف قضبان الجنايات التي برّأت ساحته من الكسب غير المشروع.. وبعيدا عن الرجل الذي أمضي حياته وزيراً كيف يري فاروق حسني مصر بعيون إنسان وحس فنان ومثقف لا ينتمي إلي وزارة الثقافة؟ كان ل«آخر ساعة» معه هذا الحوار. فصل الثقافة عن الآثار جريمة.. وتوقُف مشروع المتحف الكبير أحبطني السيسي أنقذ الوطن من الإخوان.. ومصر لن تسقطها أزمة اقتصادية ٭ هناك في مكتبه الكائن في حي الزمالك كان ينتظرني في شرفة مكتبه.. لم تتغير ملامحه، مازال يتمتع بطلته لا يعلم أنني جئت لكي أحاوره.. جلسنا نتبادل أطراف الحديث.. بادرني قائلا: - خطأ من ينادي بإلغاء وزارة الثقافة. ٭ سألته: وماذا لو تم إلغاؤها؟ - قال وصوته يكسوه الحزن: من ينادي بإغلاق وزارة الثقافة لا يدرك ما تمتلكه مصر من مثقفين ومبدعين. ٭ كيف تري دور الثقافة بعد ثورة يناير؟ - لا أستطيع أن أتحدث عن كيفية رؤيتي للثقافة، لأنها صرح غير علمي.. فالثقافة مثل المحصول، كلما تنتج إبداعاً وفكراً وتراثاً تري ثمرة ذلك علي الساحة، فالمبدعون موجودون والتراث موجود وأيضا التاريخ, وعندما نتحدث عن العمل الثقافي بمفهومه نأخذ كل ما هو موجود علي الساحة ونصدره للشعب ونضيف عليه ما هو قيِّم. ٭ لكن المتابع للتغيرات الحكومية خلال السنوات الثلاث الماضية يجد أن وزارة الثقافة كبش الفداء دائماً، فهناك أكثر من خمس وزارء تم تغييرهم.. لماذا؟ - من زمان ووزارة الثقافة يتم تغييرها أو تعديلها وهي في عرف الأنظمة شيء ليس مؤثراً وأنا كنت مدركاً ذلك قبل أن أكون وزيراً، ولكن الثقافة وزارة أساسية لدولة بحجم مصر بتاريخها وحضارتها ومبدعيها. ٭ هل بسبب ذلك لم يفعّل دور وزارة الثقافة خلال سنوات الثورة؟ - وزارة الثقافة انزوت خلال الثورة لأن أولويات المجتمع خلال السنوات الثلاث الماضية كانت سياسية، فكان لابد للثقافة أن تتواري، وسيطرت الثقافة السياسية وكانت هناك حالة ترقب لهوية المجتمع من خلال الحركات الثورية التي حدثت ومضاداتها، فكانت هناك ثورة إخوانية قابلتها ثورة تنويرية. ٭ كيف حدثت الثورة التنويرية؟ - أول مرة في التاريخ البشري تقوم ثورة رأس الحربة فيها المثقفون ومفكرو هذا الوطن ولابد أن يسجل التاريخ ثورة المثقفين التي كانت ملحمة لابد أن تؤرخ. ٭ لكن هل تغيرت الثقافة بعد تولي جابر عصفور وزارة الثقافة في حكومة محلب؟ - جابر عصفور رجل ميداني ويتفقد المشروعات وهو يستطيع أن يجعل المثقفين حوله، فقد عمل معي طوال 20 عاما ويعرف المبدعين جيدا. ٭ بعد 23 عاماً وزيرا للثقافة أين فاروق حسني اليوم؟ - بعد 23 عاما أنا علي المعاش بلا حراس ولا أمن، وأنا لست محتاجاً لأي تكريم ولي شرف أن أخدم هذا الوطن وأنا أعرف جيداً قيمة الوطن، بينما الثقافة منسية لدي الساسة اليوم. ٭ هل هناك فاروق حسني آخر يستطيع أن يعيد الحياة للمثقفين؟ - من رابع المستحيلات أن تأتي بفاروق حسني مرة أخري اليوم، لأنني لن أستطيع أن أنفذ ما كنت أنفذه من قبل، فهناك التليفزيون وهناك الوسائط الحديثة التي تصل لكل شخص في يده، لأن زمن فاروق حسني انتهي نحن الآن نريد نظاما حديثا في التعامل. ٭ كانت الآثار تتبع وزارة الثقافة والآن تم الفصل بينهما منذ قيام الثورة فهل هناك خطورة علي الآثار بسبب هذا الانفصال؟ - فصل الثقافة عن الآثار جريمة فإما أن يكون وزير الآثار هو وزير الثقافة أو العكس، لأن الآثار تحتاج إلي إدارة من الدرجة الأولي، ويمكن أن يكون وزير الآثار إداريا وناجحا لأن الآثار ثابتة في مكانها ولابد أن يتحرك الوزير ويقوم بما يخدم الآثار . ٭ لكن خلال السنوات الثلاث الماضية هناك آثار دمرت وسرقت وحرقت.. ألم تغضب لما حدث لحضارة مصر؟ - بالتأكيد، ولكن الثورة في نفس الوقت لها آثار إيجابية نتمناها حميعا. ٭ هناك مشروعات قومية توقفت كانت ستساعد مصر لو تم الانتهاء منها مثل متحف مصر الكبير وطريق الكباش بالأقصر ألم يحبطك ذلك؟ - كل المشروعات لا تقل أهمية عن الأخري والذي حدث شيء محبط للنفس وللدولة، مرت ثلاث سنوات ونحن ننتظر أن تنهض الثقاقة مرة أخري، فهناك مشروعات عظمي مثل متحف مصر الكبير ومتحف الحضارة هذه كيانات عملاقة لها تأثير اقتصادي كبير جدا علي مصر في حال افتتاحها.. نحن انتهينا من ثلثي متحف مصر الكبير وأتمني من رئيس الدولة أن يقوم بزيارة هذين الموقعين خصوصا أن متحف مصر الكبير مؤسسة عملاقة لا يوجد مثيل لها في العالم ويحتاج إلي حساسية شديدة جدا في الإدارة. هذ الكيان المفروض يديره شركات دولية لأنه سوف يحقق لمصر طفرة اقتصادية كبيرة. ٭ هل هناك حل لإنهاء أزمة متحف مصر الكبير؟ - هناك حلول كثيرة المبصر يراها جيداً، وقد تطرقت لكل شيء في العمل الثقافي لم أترك شيئا صغيراً ابتداء من توفير كتاب ثمنه أربعة جنيهات فقط إلي أكبر متحف في العالم تكلف مليارا و300 ألف دولار. كنت أتمني أن يكتمل هذا المتحف قبل أن أغادر الوزارة. ٭ قمت بعمل معارض للوحات في عدة بلدان عربية وقيل إنك حققت مبيعات كثيرة فكيف حدث ذلك في حين يقال إن لوحاتك كانت تباع بحكم منصبك كوزير؟ - أقمت معرضين وهناك أشخاص أدركوا قيمة الأعمال الفنية الحديثة، وأنا لا يهمني هذا الكلام الذي كان يقال، فأكبر متاحف العالم استضافت لوحاتي وعرضت أعمالي والناقد الأوربي أعطي للوحاتي ثمناً. ٭ ما رأيك فيما يدور حولك في العالم من أحداث ساخنة؟ - سمعت من مسئول أمريكي كبير أن هناك شرق أوسط كبيرا له مخطط وتصور واضح ووضعت له خطة التنفيذ وساعة الصفر، وهذه الساعة جاءت مباغتة في تونس ثم مصر ثم سوريا وليبيا والعراق ثم بقية البلدان وطبعا مصر هي القلب وعندما يتوقف القلب تتوقف بقية الأعضاء المحيطة به. المخطط كان يستهدف إسقاط مصر لأنها عضو فعال في هذا الموضوع لكن مصر وقفت موقفاً عظيماً وجاء الخلاص. ٭ وما الذي كان مُخططاً له بحيث تسقط مصر؟ - كان لديهم سيناريو الإخوان الذي يحدث الآن، لكنهم أرادوا سيناريو آخر هو ظهور تنظيم «داعش» لخلق فوضي في الدول ونشر حالة من الذعر والتخويف للدول المجاورة لكن الحمد لله كل الدول العربية الآن تعمل علي توحيد قواها لصد هذا العدوان الخطير علي المنطقة. ٭ لكن هل تري أن زمن الإخوان انتهي؟ - لا تعتقد أن زمن الإخوان انتهي، فهناك أطفال تربوا علي نهج الإخوان والأطفال أصبحوا شباباً والشباب أصبحوا رجالاً ومن الخطأ أن نعترض علي الإخوان أو نحاربهم، لابد أن يكون هناك الفكر الرشيد ونري كيفية استيعاب هؤلاء لأنهم أبناء الوطن.. وأتصور أن الوجود الإخواني في مصر ينمو مثل النبت الشيطاني ولن يتم القضاء عليه إلا بعد عشرين سنة علي الأقل. ٭ هل تتابع كل الأحداث التي تشهدها مصر يوميا؟ - لا أتابع إلا القيم التي تظهر علي السطح للمجتمع وليس لديّ وقت أضيعه، وقد انتهي عملي كسياسي، لكنني تحت أمر هذا الوطن في المسائل الاستشارية فقط، وبدون أي مقابل. ٭ بعد إعلان جوائز الدولة مؤخراً ما رأيك فيمن ذهبت إليهم؟ - يقول مبتسماً: كانوا بيقولوا إنها جوائز فاروق حسني والآن سوف يتأكدون أنها جوائز المجلس الأعلي للثقافة، تخرج من كل المجلس، وإذا كان يقال عنها ذلك فهي سب وقذف في المجلس الأعلي للثقافة الذي يحتوي علي قامات الدولة الشامخة من المفكرين والمبدعين، لكن عموما أقول إن جوائز الدولة لابد أن تذهب الي المبدعين. ٭ هل شعرت بإهانة تاريخك حين وقفت داخل قفص الاتهام بعد مشوارك الطويل مع المثقفين؟ - لا أحد يستطيع أن يفعل ذلك لأنني كنت فاعلا وأعمل لأجل الوطن فهناك ثوابت علي الأرض مثل مئات المكتبات ومراكز إبداع فمن يهين كل ذلك ! لم أشعر بالإهانة ولم أشعر أنني دخلت القفص وقلت مقولتي الشهيرة إحساسي أنني داخل قفص ذهبي كان يحتوي البراءة ولا يحتوي الجرم. ٭ هل تري أن مصر ستكون قادرة علي تجاوز أزمتها؟ - السيسي أنقذ الوطن، فقد كنا نعيش عاصفة هوجاء إبان حكم الإخوان، والأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر حالياً هي أزمة طارئة، والدول لا تسقط بسبب أزمة واحدة بل ثمة إمكانيات أخري، والدولة مثل الزرع تقطعه فينمو مجدداً.