المشير السيسى مصر تعيش محنتها الكبري، وطريق النجاة عسير، وليعلم من لايعلم أننا في حالة حرب من الداخل والخارج، وسماسرة الشر ومقاولو (الهدد) في تكاثر خبيث، فأعداء الوطن لن يستسلموا بيسر إزاء إفشال خططهم، فالحدود ملتهبة، والخليج مهدد، والتقارب الأمريكي الإيراني لاينبئ بخير ومن ثم تماسك الجبهة الداخلية ضرورة محتومة. إن نسيم الروح المصرية واستعادة الوعي المفقود أنعش خزائن الذاكرة فاستحضرت «عودة الروح» لتوفيق الحكيم الذي استهلها (بنشيد الموتي أو أسميه نشيد الحياة): «عندما يصير الزمن إلي الخلود. سوف نراك من جديد لأنك صائر إلي هناك حيث الكل في واحد. في «عودة الروح» يلتف الشعب المصري بأسره حول الزعيم سعد زغلول فكانت ثورة شعبية ملهمة جسدت نظرية الكل في واحد، واليوم يثبت المصريون أنهم يتقنون صنع المعجزات عبر وجودهم، يقول توفيق الحكيم: «أمة أتت في فجر الإنسانية بمعجزة الأهرام لن تعجز عن الإتيان بمعجزة أخري أو معجزات أمة يزعمون أنها ميتة منذ قرون، ولا يرون قلبها العظيم بارزا نحو السماء بين رمال الجيزة. لقد صنعت مصر قلبها بيدها ليعيش للأبد».. «احرم الأوروبي من المدرسة يصبح أجهل من الجهل.. أما قوة مصر ففي القلب الذي لا قاع له.. حقيقة تجهلها أوروبا للأسف.. نعم إن هذا الشعب الذي تحسبه جاهلا ليعلم أشياء كثيرة لكنه يعلمها بقلبه لا بعقله! إن الحكمة العليا في دمه ولايعلم والقوة في نفسه ولا يعلم.. هذا شعب قديم جئ بفلاح من هؤلاء وأخرج قلبه تجد فيه رواسب 10 آلاف سنة من تجارب ومعرفة رسب بعضها فوق بعض وهو لايدري! نعم عمار يا مصر لقد لمس المشير السيسي هذا القلب المتعطش للعطاء عندما تحين الساعة وتصبح اللحظة آمرة ناهية فهو شعب لديه عبقرية البقاء والصبر الجميل، إن السيسي يراهن علي هذا القلب وتلك الخبيئة، أو الكنز الدفين الذي تناوب عليه حكام لم يتواصلوا ويتوحدوا بدفئ وتواضع مع تلك الروح صاحبة التجليات المدهشة في خضم محنة الوجود، هذا الشعب متعطش، يرنوا إلي الأقانيم الثلاث العدالة، التنوير والاستقلال الوطني، والطريف أن إبليس في اللغة يعني المفرق، المقسم، لقد تأملت طويلا حوارات المشير هو يحظي بفضيلة عظيمة يحتاجها كل مصري هو لايخاف من قول الحق، التفكير فيه وتفعيله، فرؤيته لما أصاب الخطاب الديني خلال تلك السنوات النافقة وتشويه الإسلام، وتجريف العقل المصري رائعة، فهو رجل يمتلك شجاعة مواجهة الواقع المعطوب والحلم بتغييره، هو يشعر بفداحة معاناة هذا الشعب نتيجة اغتصاب وعيه وتضليله، هذا النفاق الهابط من الأعلي إلي الأدني، ليظل المصري أسير شرنقة الخرافة والكراهية لاينعم بجمال العقيدة فيترجمها إلي فعل وسلوك يتجلي من خلاله شيء اسمه الضمير.. تلك الفضائيات المتأسلمة التي تبث الكراهية، المساجد والزوايا الحاضة علي التعصب والخروج المارق، البين عن أصول الدين، السيسي يقول إن المشكلة في الفكر ذاته لا فقط في الأشخاص ومن ثم وجب القضاء علي هذا الفكر أو الرحم الذي أفرز كل هذا الشر.. إن الربيع الإخواني أو الربيع الإرهابي قام علي سرقة الثورة وهو ما يعرف (بالكليبتوقراس) أي سرقة الثورة أو السلطة وهذا حدث ذات يوم كئيب في إيران وفي مصر يناير، ليبيا، اليمن، سوريا وتونس، يقول نجيب محفوظ: «الثورة يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ويستفيد منها الجبناء»، هذا ما كان ولعلها المرة الأولي في التاريخ التي تطأ فيها الجماعات المتسربلة بالدين زورا أرضا وتخرج منها تلك هي المعجزة فمصر أرض مقدسة هي أم الحضارات، فمن بين العوامل الطاردة لأباطرة الشر لعنة «الفراعنة» أجدادنا الذين تم التطاول عليهم بأقوال مثل «الحضارة العفنة»!! تلك الحضارة الباهرة.. بوتقة العلم، البناء، الحكمة الإنسانية والجمال المرصع بالسحر. وأرجع لتوفيق الحكيم في (عودة الروح)..: «احترسوا من هذا الشعب، فهو يخفي قوة نفسية هائلة!.. في البئر العميقة».. نعم الأهرامات.. إننا لانستطيع أن نتصور تلك العواطف التي كانت تجعل من هذا الشعب كله فردا واحدا، يستطيع أن يحمل علي أكتافه الأحجار الهائلة عشرين عاما، وهو باسم الثغر، مبتهج الفؤاد، راض بالألم في سبيل المعبود.. إني لموقن ن تلك الآلاف المؤلفة التي شيدت الأهرام، ماكانت تساق كرها، وإنما كانت تسير إلي العمل زرافات وهي تنشد نشيد المعبود كما يفعل أحفادهم يوم جني المحصول.. نعم كانت أجسادهم تدمي، ولكن ذلك كان يشعرهم بلذة خفية، لذة الاشتراك في الألم من أجل سبب واحد.. كانوا ينظرون إلي الدماء تقطر من أبدانهم في سرور لايقل عن سرورهم برؤية الخمور القانية تقدم قرابين إلي المعبود.. عاطفة السرور بالألم الجماعي.. الصبرالجميل.. الاتحاد في الألم بغير شكوي ولا آنين.. هذه هي قوتهم». ما أجمل الضمير الجمعي لهذا الشعب منذ الفراعنة لا شيء يتغير فمصر تتربع فوق عرش الثبات تتجسد في أبو الهول هو يشاهد الزمن يلهث، يتسرب وهو صامد.. صامت القرين الأبدي للتاريخ، الضمير الجمعي المصري هزم الهزيمة في 67 ولكن أثقل كاهله وأنهكه الانحناء للطغاة الذين أتقنوا الاستعلاء.. علي رعيتهم، وأرجو للمرة المليون عدم مقارنة المشير السيسي بجمال عبدالناصر هو صاحب صفحة بيضاء ناصعة فقط مرصعة بالبطولة لماذا الإصرار علي تحميله ميراثا من الهزائم، القهر والتفريط في الأرض، إلي فريدة الشوباشي مع احترامي لماذا متلازمة عبدالناصر من 67 إلي سجن الواحات إلي حرب اليمن إلي ضياع السودان؟ وسيناء، كفاكم متاهة نظرية المقارنات والمرجعيات الوهمية، الماضي له مزاياه وخطاياه، نحن أبناء اللحظة الخطرة، ولايوجد مقارنة بين الإقطاع قبيل 52 والآن فالباشوات والبكوات فقط كان لديهم منزل في المصيف أي الإسكندرية والعزبة، أما اليوم الصفوة والنخبة تحظي بحفنة من المنازل في قلب العاصمة ثم القطامية، المنصورية ربما أكتوبر، التجمع والعين السخنة، الغردقة، شرم الشيخ، مارينا، هاي سيندا ولزوم الوجاهة والهروب السريع بفعل الأخطار منزل في لندن، فرنسا أو أمريكا، هي صفوة انفتاحية، استهلاكية تعاني بوليميا عقارية وجوعا تاريخيا متراكما.. وأنا علي يقين أن المشير السيسي لديه التعريف الجديد للفقر، فهناك فرق الآن بين المعدم، المهمش والفقير، فمن الممكن أن يسكن الفقير منزلا لا بأس به ولكن مرتبه أو معاشه لا يفي متطلبات الحياة، فالفجوة هائلة. يقول نجيب محفوظ: إن ظروف الفقر تفسد الأخلاق ولا يعني هذا أن الفساد مقصور علي الفقراء والمضطهدين الأغنياء أيضا فاسدون في مجتمع فقير وفساد الرجل الغني هو غناه».. المشير السيسي يملك من الجسارة ما يجعله يقتحم صنم الحد الأقصي وأسميه الأقسي.. إنه يحظي بعصا سحرية.. نعم الأغلبية الصامتة، الصامدة وهي أحيانا لا تملك شيئا سوي الوطن، ربما لا يمتلكون عقارات هنا وهناك ولكنه أعاد إليهم البيت الأكبر أي ملكية الوطن وروح الانتماء.. إن تمكين الجماعات المتأسلمة حدث منذ عهد مبارك فكانوا دولة داخل الدولة، النقابات.. الفضائيات، الجامعات، الجوامع، المدارس، المستوصفات.. وجاء مرسي ليضع اللمسات الأخيرة المدمرة.. ومن ثم لحسن الحظ.. تعجلوا ووقعوا في فخ الشعب المصري.. ولي في هذا حديث آخر. إن شهداء مصر رحلوا لتبقي مصر.. وعبدالفتاح السيسي نجم سطع لتحيا مصر فوهبنا قُبلة «الحياة».. إنه يذكرني بعاشور الناجي في (حرافيش) نجيب محفوظ استجاب للرؤيا والنبوءة فنجا بأسرته من الوباء ومن عودة الروح: «لا تعجب لهذا الشعب المتماسك المتجانس المستعذب للتضحية إذا أتي بمعجزة أخري غير الأهرام..