أما بابا نويل المؤسسات المصرية الذي أغدق هدايا بعشرات الملايين، سيارات فارهة، ساعات مرصعة من أجل غض البصر عن كل الانحرافات السافرة ومن أجل البقاء الأبدي في الأدوار العليا، أما باقي المعذبين في الأرض أو في المؤسسة فلهم أجندة وربما الجنةصباحات أينعت شمسها سوداء ولدت ميتة.. شروقها مغيب محمل بحيوات أزهقت بمذابح الأبرياء الشهرية التي اعتادها المصريون. ومنذ فوران 25 يناير مرت شهور مترهلة حبلي بمزيد من الجثث، والأشلاء والعاهات والأيام مرت دون خير أو إنجاز يذكر، فكان التتويج لبلوغ تمام العام الأول مذبحة بورسعيد والكل يعلم أن لاعلاقة لها بالكرة ولا بالمدينة الباسلة، لقد ذاق المصريون الحد الأقصي والأقسي من الحزن والحسرة والكرب العظيم ومن خلال الإرهاب المنظم لإبادة روح تلك الثورة التي لايريدون لها الكمال. وذاق المصريون مرارة الظلم وفقدان العدالة فهي تتحقق فقط بين الأثرياء، فها هو إصرار أصحاب القرار علي عدم تفعيل الحد الأقصي للأجور لتلتهم عصابات السلب والنهب المسعورة حقوق الشرفاء، من تجرعوا لعقود الفتات وفضلات تلك (الأوليجارشيا) أو القلة الانتهازية المهيمنة وأطلق علي الحد الأدني، الحد الأقسي نعم فهو فاحش القسوة والعار، تلك المرتبات الهزيلة، الهزلية التي لاترقي لأن تكون بدل بطالة، والبداية ضبط الحد الأقصي فسيوفر ما يقوّم الحد الأدني، أما السادة أصحاب الحظوة الذين تقاعسوا عن توقيع تلك القرارات منذ اليوم الأول فهم أصحاب مصلحة فالذي يوقع الحد الأقصي باليد اليمني يقبضه باليد اليسري، وأتساءل أين حمرة الخجل، وأتساءل ألا يعرف هذا الجوع التاريخي المتأصل وهذا الشيق المادي المتراكم فضيلة الشبع، هؤلاء الذين مازالوا يمتطون الصفوف الأولي نسل نظام مبارك الذي تحركه فقط الغريزة فكان عفن الذمم وعطب الضمائر والنفوس التي يفترسها الخواء الإنساني والأخلاقي، مازالوا يعربدون ويماطلون يمتطون السيارات المرسيدس وأتساءل هل نحن ألمان!!؟ في فرنسا رجال السلطة والمؤسسات يستعملون البيجو صناعة فرنسية حقهم لماذا في مصر (الفشخرة) من جيوب وحقوق بؤساء هذا الوطن، لماذا لا يركب المسئول الحكومي سيارة صناعة مصرية هل لن يستطيع أن ينتج وأن يبدع؟! في هذا البلد الذي أرادوه فقيرا والحقيقة أن مصر بلد شديد الثراء لولا (دولهما) و(دوكهما) الذين لعنهم القرآن الكريم {يحبون المال حبا جما}. إن الحد الأقصي للأجور قرار كان ليمتص غضب السواد الأعظم من الشعب المصري والعديد من التظاهرات الفئوية، إن النظام الأفعواني التابع للرئيس البائد يأبي أن يقبل فكرة التغيير والتنازل عن المكاسب الرقطاء، القبيحة وعن غواية إفساد الشعب، فوكيل الوزارة التي أحلت له الزكاة والموظف الذي ولج إلي شريحة فقراء الوطن وتلك المقولة (الكليشيه) العجيب الذي أسمعه: (لو طبقنا الحد الأقصي هناك كفاءات لن تقبل)، تبرير خبيث، مضلل وإذا حالفه الصدق سينطبق علي 1 أو2 في بر مصر فلا علم لي أن لدينا العديد من أمثال أينشتين وبيل جيتس بل إن العبقريات تم بحمد الله تطفيشها! أما ظاهرة بابا نويل علي الطريقة المصرية لأني أكن للأصلي حبا جما فكانت هداياه رمزية للبؤساء والأبرياء من الأطفال، أما بابا نويل المؤسسات المصرية الذي أغدق هدايا بعشرات الملايين، سيارات فارهة، ساعات مرصعة من أجل غض البصر عن كل الانحرافات السافرة ومن أجل البقاء الأبدي في الأدوار العليا، أما باقي المعذبين في الأرض أو في المؤسسة فلهم أجندة وربما الجنة، أما لو أجندتين فوجبت المعايرة! أعتقد أنه آن الأوان لهذا البابا نويل المزيف الذي كان يبزغ مرة كل عام أن يتواري.. إن تعريف الفقر قد تغير بعد نحر الطبقة الوسطي يقول نجيب محفوظ: (كنا طبقة وسطي). وأصبحنا طبقة دنيا.. نحن الفقراء الجدد في مواجهة الأثرياء الجدد. ويقول: إن ظروف الفقر تفسد الأخلاق، الضغط الاجتماعي أساس الفساد ولايعني هذا أن الفساد مقصور علي الفقراء والمضطهدين، الأغنياء أيضا فاسدون في مجتمع فقير وفساد الرجل الغني هو غناه) وفي بداية ونهاية. (أصل شعبنا اعتاد الجوع) أجل غاية البؤس أن تكون بائسا وراضيا هو الموت نفسه.. الجاه والحظ والمهن المحترمة في بلدنا وراثية لست حاقدا ولكني حزين. حزين علي نفسي وعلي الملايين لست فردا ولكني أمة مظلومة). وأقول إننا نعيش في مصر الآن عصر البؤساء والبؤس هو الفقر في أبشع أحواله فهو يمتزج بالهوان، القهر، الشقاء والحرمان حتي من الحلم، أي شعب لايموت ولا يحيا، ولم يعد الفقر ينطبق علي هؤلاء الذين لفظوا خارج الزمان والمكان بلا مأوي ولا عمل فحسب ولكن من يعانون الفجوة بين الحاجات الملحة والقدرات الحقيقية، والظلم بات من حظ البؤساء، فالقانون لاينال من الأثرياء في كثير من الأحيان ولقد عبر عن افتقاد القانون لروح العدالة هوجو في رائعته (البؤساء) فالعقاب يعصف بسارق كسرة خبز، أما الذين يسرقون القصور والأوطان فربما يحصدون البراءة مع مرتبة الشرف! ويرصد د. يوسف إدريس في (أرخص ليالي) أن الجنس هو طعام الفقراء، أما الرئيس البائد فلقد أهدي شعبه الآية الكريمة: (والآخرة خير وأبقي) ولنفسه اختار (المال والبنون زينة الحياة الدنيا). ومن ثم إذا تأملنا جغرافيا الانتخابات نجد الأحياء الفقيرة ابتلعتها الجماعات الدينية فلقد تواصلوا وأغدقوا عليها الصدقات وما ننتظره هل سيحققون الإصلاح الحقيقي وتابعه الندية وليس شكلا من أشكال الزكاة والاسترضاء أن رقعة الفقر في مصر صارت شاسعة ولم (تتحزم) بالعشوائيات فحسب ولكنها نبتت في قلب المدن وأحشائها إن الجوع محور أصيل اعتنقه الأدب، فنجد (بيوجرافيا الجوع لإميلي نوثومب، وأرجع نجيب محفوظ في (القاهرةالجديدة) وعجب لهذه الدنيا الباهرة، أين كانت خافية! هذه الثياب الفاخرة، وتلك الحلي النفيسة. إن واحدة منها تكفي للانفاق علي طلبة الجامعة جميعا«.