سلمى قاسم ما أجمل الحياة.. هي قادرة دوما علي استحضار الدهشة.. الأمل بالرغم من تغول غيوم اليأس، ووحشة الكوابيس. كانت مصر تنتظر الموت فداهمتها الحياة، كانت تتهاوي علي أعتاب السقوط المدوي باندفاع 7 آلاف عام، وويل لوطن عندما يسقط تاريخه المديد وتطمس هويته، بل تحاك المؤامرات لتقطيع أوصاله فيعربد الخونة والعملاء ليشعر المصريون بالغربة واليتم الوجودي في قلب ديارهم. وقبيل 25 يناير عرفنا كيف يموت الزمن فيتصلب ويتيبس المشهد السياسي فتصبح أشبه بمدينة النحاس في ألف ليلة، ويستمر نحر الطبقة الوسطي وهي المسئولة عن التنوير، التقدم والارتقاء فيعاني الوطن من وأد الحاضر والمستقبل. لكن مصر محظوظة.. محفوظة فكان صعود الفجر بألقه الوردي وعرفنا بطل صانع معجزة النجاة اسمه عبدالفتاح السيسي ومعه المؤسسة العسكرية وشعب عظيم بلغ من العمر عتيا مازال فتيا قادرا علي المقاومة والتصدي لأعتي الحروب ولولا ماحدث في 30 يونيو لتحولت مصر إلي قطرة دم علي خارطة الدنيا بفعل تلك المؤامرة الكونية. وعندما أقول هذه العبارة فهي ليست نوعا من (البارانويا) ولكنها حقيقة موثقة لاينكرها إلا جاهل أو مستفيد، والخطر الداهم مازال يحدق بنا وما أشبه اليوم بالأمس المدبر، تدور الدوائر والتاريخ يعيد نفسه بشكل أعنف وأكثر ضرواة، ففي 1956 كان العدوان الثلاثي علي مصر واليوم نواجه العدوان أيضا من الداخل خلايا سرطانية تنمو، وتتوحش لتطعن أبناء الوطن الواحد، وقوي عظمي تتلمظ من أجل تفتيت، تدمير وإحراق مصر، اليوم لا توجد منطقة وسطي أو رمادية يلوذ بها البعض فإما أن تكون مع مصر مع أمنها وأهلها وحدودها وإما لا. عبد الفتاح السيسي هو ابن الجمالية أي ابن القاهرة (المحفوظية) فهو يشارك العظيم نجيب محفوظ ذات المكان المجوهر المحمل بالروح المصرية الأصيلة. هو أيضا يشاركه انحيازه للفقراء، ثم لأبناء الطبقة الوسطي التي صارت دنيا أو تم إرغامها أحيانا علي الذوبان في منظومة الفساد والتطبيع مع القبح، والمطلوب من السيسي البطل الذي طال انتظاره أن يقضي علي (الأوليجارشيا) أو القلة المنتفعة التي تهيمن علي أقدار المصريين منذ زمن لتترك الأغلبية الساحقة مسحوقة، فوجبت عدالة توزيع الدخل والبداية من الحد الأقصي فهو الذي سيضبط الحد الأدني، ومصر لم تعد في حاجة إلي أهل الهوي في العمل بل أهل الكفاءة من خارج صندوق الفضائيات ومن يمتطون واجهة المؤسسات بالألق الزائف بل أن يكون هناك سبيل لاكتشاف الكفاءات التي يتم دفنها لأنها خارج مفهوم (الشلة) والعصابة ومافيا المصالح، كفانا الوجوه المستهلكة، المهترئة التي أتقنت التحول والتمرغ في كل العصور.. السيسي المنقذ، الرئيس المرتقب نحن نحتاج لتجفيف منابع الفتنة وتطهير الوطن من سموم الكراهية فلا عودة للفضائيات المتأسلمة التي تشوه الإسلام وتغسل عقول العامة وتروج للعقيدة المغلوطة، نحن نريد العقل اليقظ، المستنير فكما يقول (جويا): «عندما ينام العقل تولد الوحوش». نريد تنقية التعليم والإعلام من كل الشوائب الإظلامية التي ضللت شعبا بأسره وروضته بشكل جهنمي علي فقدان الذاكرة ومن ثم التأثير الفادح لجماعة عصر الليمون علي الشعب فالإخوان منذ نشأتهم لم يتغيروا آمنوا بالعنف والتكفير والاستعلاء، لكن آفة الشعب المصري عبارة: «أنا حاكبر دماغي». استسهال وتغييب الوعي الذي يستغله كل انتهازي، ولكن رب ضارة نافعة فالعام ونصف الإخواني كشف الحقيقة الساطعة، الفاضحة وللحقيقة دوما ثمن يدفع: دماء وأرواح. لقد تعرض نجيب محفوظ كثيرا للشخصية الإخوانية فنجدها في «القاهرة الجديدة». مأمون رضوان ومن خلال عبدالمنعم شوكت في «السكرية» ومحمد حامد برهان (الباقي من الزمن ساعة) ثم عبدالوهاب إسماعيل (المرايا) يقول في «القاهرة الجديدة»:«الأستاذ مأمون رضوان إمام الإسلام في عصرنا هذا. وقديما ادخل عمرو بن العاص الإسلام في مصر بدهائه وغدا يخرجه منها مأمون رضوان بثقل دمه». نعم المصري ابن نكتة، هو شعب ساخر حتي من بؤسه وأحزانه وقد يحتمل الظلم والفساد لكنه لايحتمل ثقل الظل والعقول شحيحة المخيلة، المدجنة والإخوان هم دوما أبناء كلية الهندسة والطب فلا مجال للإبداع، الثقافة والتنوير ولكن الحفظ والتلقين، فلا مكان للأفق المحلق، الفكاهة، الموسيقي، الأدب، الغناء، الرقص فالحواس مقدسة عند كل مصري منذ الأزل. وفي «السكرية» يعرض عبدالمنعم شوكت فكر الإخوان وأسس دعوتهم فيعلق أحدالطلبة: «إحترنا ياهوه بين الديمقراطية والفاشية والشيوعية هذا خازوق جديد»!. ليعلم من لا يعمل أن مصر في حالة حرب وتحتاج الرئيس صاحب المرجعية العسكرية بالإضافة إلي الخبرة الشاهقة في مجال المخابرات وهذا الحس الإنساني الدافق، ولا أنسي تلك الشجاعة المرصعة بالنبل في ظل كل التهديدات عند استشهاد الجنود في رفح الثانية أصر المشير علي التواجد في الجنازة، هو ذات الرجل الذي جازف بحياته وحياة من يحب لتبقي مصر. ويسألون عن البرنامج وأقول اسألوا عن الشخص تاريخه، مواقفه، بسالته، عن ضبط النفس والتوحد في تواضع جم مع كل مواطن وكل إنسان بسيط، اسألوا عن ذائقة الكرامة والرغبة في الاستقلال الوطني. أحزن كثيرا عندما يقارن المشير بجمال عبدالناصر أو أن يشبه به، فهذا يعني أنه يرث خطاياه، السيسي هو ابن زمنه وظروفه، لايجب أن يثقل كاهله أي من أشباح الماضي بكل المزايا والخطايا، أما العدالة الاجتماعية والكرامة فليست حكرا علي أحد هي قيم إنسانية مطلقة فكفانا تيها في نظرية المقارنات. وكنت أتمني أن تكون الانتخابات غير تقليدية فالأوان هو لجبهة وطنية تحاكي السبيكة. لا أوان المنافسة ونحن نمر بأعتي المحن ولكن فليكن مايكون فالسيسي ليس له منافس والملحوظ أن المرشح حمدين صباحي أثناء صمت المشير السيسي يخسر كل يوم بتصريحات تصب دوما في مصلحة أعداء الوطن وتلتهم من رصيده المتواضع مالا طاقة له به! وبالرغم من أن اللحظات التي نعيشها تمتزج فيها الأحزان بالأفراح، دماء الشهداء تختلط بمعجزة الخلاص، بنعمة أننا نشهد صياغة التاريخ، فلقد دلف عبدالفتاح السيسي من البوابة الذهبية ليدخل التاريخ بعد ما غير مساره. وأعود لدنيا نجيب محفوظ وشخصياته الإخوانية التي تحاكي الواقع، فنجد السلوك الإخواني الذي يبتهج بمناسبة العدوان الثلاثي، ثم هزيمة 67، والتاريخ يعشق لعبة التكرار وكأنه يمتحن الناس، هل ينهلون من عظات التاريخ، هل ينعمون بفضيلة الذاكرة، أم أنهم سفهاء، لايتعلمون، لايتذكرون؟!! فيكون العقاب والثمن. يقول حامد برهان في «الباقي من الزمن ساعة» عن العدوان الثلاثي الذي يعتبر بالنسبة له ولجماعته نوعا من الخلاص: «انتهت حركة المجرمين ولكن ما أفدح الثمن». ويبدي شماتة في هزيمة 67 فلا يفرق بين محنة الوطن وهزيمة النظام ويبدي دهشته من المظاهرات المطالبة عبد الناصر بعدم التنحي وهذا ما ذكره الباحث مصطفي بيومي في (نجيب محفوظ والإخوان المسلمون) أيضا يعلق حامد برهان علي الهزيمة: «ماهو إلا بناء من الورق يقوم علي الكفر والفساد»، ويعتبر الإخوان الهزيمة الكبري.. عقابا إلهيا علي حكم كافر.. ومن خلال شخصية عبدالوهاب إسماعيل في «المرايا» تبرز الرؤية التكفيرية للمجتمع الذي يوصم بالجاهلية، فهو يمقت الأقباط، أما العلم فهو السلم البراجماتي لتحقيق الحلم التكفيري!! والمرأة عليها أن تقبع في البيت، فتتجلي العنصرية وأيضا التعصب والكراهية لكل ماهو مختلف، أما مرجعية الشخصية فهي لسيد قطب.. وأخيرا بالرغم من كل التضحيات اليومية والثمن الدامي.. الحزن والأسي.. والكآبة والحسرة. أشاهد التاريخ وأبتهج.. استمتع مع المصريين بظهور القدوة والبطل الذي طال انتظاره وأكرر عبارة أندريه بروتون: «أروع ما في الخوارق أنه لا وجود لها فكل شيء حقيقي»!