رئيس أركان حرب القوات المسلحة يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية.. صور    قيادي بحزب مستقبل وطن: محاولات الإخوان لضرب الاستحقاق الانتخابي مصيرها الفشل    أسعار الأسماك اليوم الإثنين 21 يوليو 2025 في سوق العبور    "الزراعة" تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها الغذائية بأسعار مخفضة بالجيزة    "العمل": إطلاق منظومة متكاملة لتلقي شكاوى عمال الدليفري    وزير دفاع الاحتلال: الهجمات على السويداء ودمشق كانت السبيل الوحيد لوقف مجزرة الدروز    الكرملين: بوتين وترامب قد يلتقيان في الصين سبتمبر المقبل    سكاي: راشفورد يعبر الكشف الطبي مع برشلونة    خبر في الجول - رتوش أخيرة تفصل الزمالك عن ضم محمد إسماعيل من زد    آس: خيتافي النادي الأقرب لضم مهاجم ريال مدريد ولكن    «أثناء عودته للعمل».. مصرع النقيب تامر أبو الدهب معاون مباحث أبو تيج في حادث أليم    نقابة الصحفيين: "غزة تموت.. والضمير العالمى على محك التاريخ.. أوقفوا جريمة الإبادة بالتجويع.. فلسطين تختبر إنسانيتكم    الصحف العالمية: ترامب يحتفى بمرور 6 أشهر على ولايته الثانية ويتفاخر بارتفاع شعبتيه.. وقفة بأعلام فلسطين أمام مقر الاتحاد الأوروبي فى مدريد تندد بمجاعة غزة.. وشغب أمام فندق طالبى لجوء فى بريطانيا واعتقال 6 أشخاص    النفط والضرائب والسوق السوداء.. ثلاثية الحوثيين لإدارة اقتصاد الظل    رئيس الوزراء يتابع موقف تقنين الأراضى المضافة لعدد من المدن الجديدة    الزراعة تطلق منافذ متنقلة لبيع منتجاتها للمواطنين بأسعار مخفضة فى الجيزة    مرشحو حزب العدل يواصلون جولاتهم الانتخابية وسط تفاعل شعبي واسع    الأهلي يخوض وديتين مع فرق الدوري الممتاز بعد العودة من تونس    مساعد وزير الداخلية يعلن التيسيرات المقدمة للراغبين في الالتحاق بكلية الشرطة..تعرف عليها    شكرا مصر.. رسائل شكر من السودانيين خلال رحلة العودة إلى بلادهم.. صور    وصول الطفل ياسين مع والدته إلى محكمة جنايات دمنهور مرتديا قناع سبايدر مان    أنغام.. قصة خروج شائعة إصابتها بالسرطان وسبب تواجدها فى ألمانيا    وزير الثقافة: سنعمل بشكل أفقى بمحافظات مصر والمدارس والجامعات    رغم الابتعاد عن الأضواء.. نادية رشاد تتصدر التريند لهذا السبب    ملتقى التفسير بالجامع الأزهر: حديث القرآن الكريم عن الليل والنهار شامل ودقيق لإظهار التعبير والمعنى المراد    ما الضوابط الشرعية لكفالة طفل من دار الأيتام؟.. الإفتاء توضح    المفتي يوضح حكم كيِّ الماشية بالنار لتمييزها    وزير الصحة يفتتح أول معمل محاكاة متطور بالمعهد الفنى الصحى بالإسماعيلية    وزير الإسكان يتابع موقف المشروعات الجاري تنفيذها ضمن مبادرة «حياة كريمة»    وزير الخارجية يتوجه إلى نيجيريا في مستهل جولة بغرب أفريقيا    بدء اللقاء بين الرئيس اللبناني والموفد الأمريكي لبحث الرد على ورقة نزع سلاح حزب الله    فيديو.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد اعتبارا من اليوم    السيطرة على حريق في مصنع زجاج بشبرا الخيمة    أكتوبر يشهد أولى جلسات محاكمة عنصر إخواني بتهم تمس أمن الدولة    لأول مرة.. 3 دبلومات بآداب قناة السويس للعام الجامعي 2025–2026    جامعة القاهرة تحتل المركز 487 بتصنيف ويبومتريكس الأسبانى يوليو 2025    "شارك وخليك إيجابي".. حملة للتوعية بأهمية المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    فات الميعاد.. أحمد مجدي: شخصية مسعد تعبتني.. وبحاول أتخلص منه لحد دلوقتي    أحلام تتألق على مسرح مهرجان جرش في ليلة طربية خليجية 25 يوليو    مكتبة الإسكندرية توثق التراث المصري بسلسلة أفلام قصيرة موجهة للشباب    تمهيدا لرفع الكفاءة.. متابعة علمية لمحطة بحوث الموارد المائية بطور سيناء    الجزيرة يعلن ضم إبراهيم عادل قادمًا من بيراميدز    الأهلي يدرس ضم محترف مصري في أوروبا لتعويض رحيل وسام (تفاصيل)    أسامة الجندي يوضح حكم الأفراح في الشرع الشريف    أيمن منصور: الحكم على صفقات الزمالك سابق لأوانه.. وفتوح أخطأ لكنه سيعود    الصحة: تقديم التوعية بمخاطر الإدمان ل457 ألفاً من طلاب المدراس    كسر مفتوح ومفتت.. نجاح عملية دقيقة لتثبيت ركبة بتقنية "إليزاروف" بالمنيا- صور    استمتع بمذاق الصيف.. طريقة عمل آيس كريم المانجو في المنزل بمكونات بسيطة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو يتضمن ممارسة أعمال بلطجة باستخدام كلب بالإسماعيلية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 21-7-2025 في محافظة قنا    تحذير من هطول أمطار غزيرة في جنوب شرق تايوان    ارتفاع أسعار البيض اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    أحمد غنيم: المتحف المصري الكبير هدية مصر للعالم    "صعبة".. وكيل مصطفى شلبي يكشف تفاصيل انتقاله للبنك الأهلي    لكل ربة منزل.. إليك أفضل الطرق لتحضير مكرونة الميزولاند    جريمة داخل عش الزوجية.. حبس المتهمة بقتل زوجها بالقليوبية    غزة تنزف: مجازر متواصلة وجوع قاتل وسط تعثر مفاوضات الدوحة    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون فى مرايا نجيب محفوظ
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 12 - 2013

لا نبالغ إذا قلنا إن عالم الأديب الكبير نجيب محفوظ الروائى شامل وجامع لكل الشخصيات فى المجتمع المصرى. هذا العالم الروائى الذى اجتهد محفوظ فى حفره داخل الرواية العربية، والذى اشتمل على صور عديدة، فهناك صور كثيرة للمصريين ظهروا فى مرايا الأديب العالمى. المصريون جميعا لهم مظلة داخل رواية هنا أو قصة هناك. هناك المرأة الأكثر جدلا فى روايات محفوظ. وهناك الرؤساء والملوك الذين وقفوا أمام عرش عميد الرواية العربية.
كما توجد صور عديدة للمثقف الثائر أحيانا والمغيب عادة وللفتوة الذى كان يعتبره محفوظ قوة تحقق العدل وتحميه، والموظف هو شقاء وبراءة يفسدها السياسيون، كما عرض لصورة القبطى الذى يمثله البطل رياض قلدس، وصور وشخصيات أخرى كثيرة قدمها محفوظ فى رواياته الرائعة والمهمة.
أفلام لم يشاهدها نجيب محفوظ
لم يشاهد نجيب محفوظ الأفلام التى تم تحويلها عن رواية له أو حتى قصة قصيرة، رافعا شعار أن الفيلم مسئولية المخرج، وينتهى دوره ككاتب عند طباعة عمله، الذى يقرؤه الناس. وهنا نتناول الأفلام القصيرة التى تم اقتباسها من رواياته أو قصصه القصيرة. أول هذه الأفلام التى سنتحدث عنها هو فيلم روائى قصير ومشروع لتخرج الممثلة والمخرجة عايدة الكاشف ابنة المخرج الراحل رضوان الكاشف من معهد السينما وهو الفيلم الذى حمل اسم «النشوة فى نوفمبر» وتدور أحداثه «شوقى»، وهو رجل فى الستين، يقرر فى يوم من الأيام الاستمتاع بحياته كما يحلو له، ومهما كانت العواقب.
الفيلم لعب بطولته كل من محمود عبدالعزيز وفرح يوسف وتم عرضه بعدها فى عدة مهرجانات. والمأخوذ عن قصة «قبيل الرحيل» من مجموعة «بيت سيئ السمعة». ثانى هذه الأفلام للمخرج والناشر تامر بستانى وهو بعنوان «قطط بلدى» وهو فيلم قصير مدته 18 دقيقة ويؤكد مخرجه أن الفيلم كان محاولة لتذكر القاهرة وإحساسه بها وأنها كانت جميلة فى عينه لحظة سفره ورمز تامر فى فيلمه للمرأة بالقطة وأهدى هذه التجربة لنجيب محفوظ وللمخرج الراحل عز الدين ذوالفقار. ولعب بطولته كل من خالد ابوالنجا ورولا محمود.
ثالث هذه الأعمال التى نوضح بها نماذج لتعامل الأفلام القصيرة مع أدب محفوظ هو سهرة «الغرفة رقم 12» التى أخرجها عز الدين سعيد لقطاع الإنتاج المتميز بالتليفزيون ولعب بطولتها أحمد صيام وحسن العدل وسيد عبدالكريم ولطفى لبيب.
الرؤساء والملوك أمام عرش الكتابة
ولع خاص ب «سعد زغلول» وعداء موضوعى للملك فؤاد ورفض لدولة ناصر البوليسية
فى مقدمة كتابه الصادر عن «مركز الأهرام للنشر الترجمة والتوزيع» ضمن سلسلة «وصف مصر فى أدب نجيب محفوظ»، يشير الباحث مصطفى بيومى، إلى «انعكاس رؤية محفوظ الوفدية على تقييمه السياسى دون تعصب أو تشنج فضلا عن براعة محفوظ فى التمييز بين الشخصى والعام وبين العداء والتأييد وإيمانه بالتعددية والاختلاف، وهذا جعل محفوظ يرى فى هؤلاء الملوك والرؤساء بشرا غير معصومين كما أنهم ليسوا شياطين بلا ملامح إنسانية».
ويرى المؤلف أن عالم محفوظ يتسم بعداء موضوعى للملك فؤاد ولكن الإشارة ذات الطبيعة الشخصية نجدها فى قصة «مولانا» من مجموعة «الفجر الكاذب» والتى تتحدث عن شبيه الملك فاروق.
وقد ظهرت شعبية الخديو عباس حلمى الثانى فى العديد من روايات محفوظ، حيث يتمنى ياسين فى رواية «بين القصرين» أن تسترد الخلافة سابق عزتها وأن يعود عباس وفريد إلى الوطن». إلا أنه بعد هزيمة الألمان وإعلان الهدنة تبددت هذه الآمال، فنجد فهمى يقول: «لا أمل فى أن يعود عباس أو فريد وكذلك آمال الخلافة قد ضاعت لايزال نجم الإنجليز فى صعود ونجمنا فى أفول».
وتعد رواية «السمان والخريف» من أكثر روايات محفوظ التى تعبر عن موقع فاروق فى الحياة السياسية، إذ تبدأ أحداث الرواية مع حريق القاهرة يناير 1952 ،حيث قال محفوظ على لسان عيسى الدباغ بطل الرواية «لولا الخونة لأوقفنا الملك عند حدوده الدستورية ولحققنا الاستقلال».
ويحظى سعد زغلول باهتمام خاص فى عالم نجيب محفوظ ،حيث عبر عن هذا فى محاكمات «أمام العرش» عندما سأل امحتب وزير الملك زوسر سعد قائلا: «لماذا قبلت العمل فى ظل الاحتلال ولم تنضم للحزب الوطنى؟ فأجاب سعد «كان الحزب الوطنى يدعو لمبادئ خيالية لا مفاوضة إلا بعد الجلاء وهذا يعنى بقاء الاحتلال للأبد.. وقد قبلت الحياة الرسمية لأداء خدمات لوطن كان فى أشد الحاجة إليها».
وتعد رواية «الكرنك» بداية اتخاذ محفوظ لموقف صريح من الحقبة الناصرية وذلك بعد رحيل عبد الناصر،حيث سلطت الضوء على قضية التعذيب وتجاوزات الأجهزة الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات والذى رمز لرئيسها بشخصية خالد صفوان.
وعلق محفوظ على العدوان الثلاثى 1956 والأحداث التى أعقبته بقوله: «احتجت أمريكا بجدية وصرامة وتتابعت الإنذارات الروسية كالصواريخ حتى أجبر الغزاة على تصفية نصرهم بأنفسهم» وهذا التعليق سلب من عبد الناصر فضل النصر وأحاله للتدخل الخارجى.
لا يتسع عالم نجيب محفوظ للكثير عن الرئيس مبارك نظرا لأن الأعمال القليلة التى صدرت فى عهده تطرقت لفترات تاريخية سابقة، باستثناء رواية صباح الورد حيث عبر حسين الجمحى عن تشككه فى القادم الجديد «أتشكك جدا فى أنه يمكن إنقاذ السفينة من الغرق ولذلك فإنى أفكر فى هجرة بلا رجعة». وكذلك رواية «قشتمر» حيث ذهب الراوى وأصدقاؤه من كبار السن متكئين على العصى إلى مراكز الاستفتاء لانتخاب الرئيس الجديد الذى تعلقت به آمالهم فى الأمان والحياة. ويعد كتاب «أمام العرش» من أهم الكتب التى توضح آراء محفوظ فى الملوك والرؤساء الذين يقفونا أمام العرش للمساءلة.
الفتوة.. قوة تحقق العدل وتحميه
قدم نجيب محفوظ شخصية الفتوة فى عدد غير قليل من أعماله الروائية والقصصية، مثل «همس الجنون»، «الشيطان يعظ»، «حكايات حارتنا»، «الطريق»، «أولاد حارتنا»، «القط الأسود»، «الكرنك»، «قلب الليل»، و«دنيا الله». وتعددت التناولات والإيماءات لهذه الشخصية للدرجة التى جعلتها مركزية فى مشروعه السردى الممتد، لكن حضورها الأوضح، وربما الأنضج، كان فى ملحمة «الحرافيش» التى دارت حول عوالم شخصية الفتوة وتحولاتها عبر الزمن والأجيال، وعلاقتها بالتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
تعد «الحرافيش» نموذجا متكاملا للفتوة بكل مكوناتها وأهدافها، من خلال أسرة عاشور الناجى الذى توارتث الفتوة أبا عن جد من جهة، وانحيازها إلى الفقراء من جهة ثانية. وربط محفوظ شخصية الفتوة، بكل ممارساتها بتحولات سلم القيم، وانقلابها، ومنها قيمة الرجولة والشهامة وأيضا بقضايا الإنسان الكبرى من حظ وقدرة وضعف، فضلا عن علاقة الفتوة بالمرأة والمال، وغيرها من الإغراءات التى قد تحرف الفتوة عن طريقه، لكنه سرعان ما يعود إلى رحاب «الفتونة» فقد كشف أديب نوبل الغطاء عن ثراء هذه الشخصية التى تحمل قيما متناقضة.
تنقسم رواية «الحرافيش» إلى عشر حكايات جميعها تدور حول حياة سلالة «آل الناجى» على مدى عصور متتالية تقع أحداثها فى إحدى حارات مصر. كل قصة تصوّر حياة رجل من تلك العائلة، فهى رواية أجيال مثلما فعل قبل ذلك فى الثلاثية ورواية أولاد حارتنا- تبدأ بمؤسس العائلة (عاشور الناجى) وتنتهى بحفيده (عاشور) الذى أعاد سيرة جده من جديد.
عاشور الناجى الجد والفتوة الأول كان قوى البنية وتلقى قدرا من المعرفة والأخلاق على يد الشيخ «عفرة زيدان»، لذا قرر ألا يسير فى طريق الشر، وأن يستغل ما أوتى من قوة ونفوذ ومال فى تحقيق العدل، وكان دائما مؤيَدا بقوة خفية تحميه، وهى التى أرشدته للخروج من الحارة زمن الوباء، لكن اختياره للعدل كان مجرد اختيار فردى ووعى بأهمية أن يكون الفتوة عادلا ولم تكن تعبيرا عن وعى جماعى عند الحرافيش. فبعد أن أصبح فتوة للحارة، قرر أن يرتزق هو وأتباعه من عملهم وليس من الإتاوات واكتفى بأن يأخذ الإتاوة من الاغنياء ليوزعها على الفقراء، ثم اختفى بعد ذلك فى ظروف غامضة، ليتحول إلى رمز العدل والقوة التى ستسعى الحارة بعد ذلك على مر أزمانها المختلفة الى استعادته.
وعندما انتقلت الفتونة الى نجله «شمس الدين» سار على نهج أبيه لكن فتونته لم تخل من بعض الحيود والهفوات، رغم عدله هو الآخر. لكن عندما انتقلت الفتونة من الابن إلى الحفيد «سليمان» ابتعدت الفتونة تماما عن العدل واختلطت بالمال وعاد بها الى زمنها الاول قبل جده، محابيا للأغنياء على حساب الفقراء وباطشا بضعفاء الحرافيش، ليتسيد الظلم الحارة من جديد، ويترقب الحرافيش لحظة عودة (الناجى) مرة أخرى.
ظل عاشور الناجى مثل الطيف الذى يداعب خيال الحرافيش، ورمزا للعدل، يتوق فقراء الحارة لعودته كى يستعيد لهم العدل، وظلت الفتونة تتداول بين أبناء عائلة الناجى وبين فتوات آخرين من خارج العائلة، لكن أيا منهم لم يحقق للحرافيش فكرة العدل المنشودة، إما لأن الفتوة غير راغب فيها ومنحاز للأغنياء ضدهم، وإما لأن الفتوة أضعف من تحقيق تلك الأمنية، حتى جاء الحفيد «عاشور» الذى كان يمتلك نفس القوة البدنية للجد الأول عاشور الناجى واستطاع أن يقنع الحرافيش أن العدل لن يستطيع شخص واحد أن يحققه، ولن يتنزل عليهم من السماء ولابد أن يسعوا هم لتحقيقه ويعاونوه على ذلك، وأنهم سيكونون أقوياء إذا اتحدوا فى مواجهة بطش الفتوة الظالم، وبالفعل ينجح الحرافيش بقيادة «عاشور» فى الإطاحة بالفتوة وعصابته، ثم ينشأ عن ذلك مؤسسة فتونة جديدة تعيد عدل زمن «عاشور الناجى».
المرأة .. هل هى مصر المقهورة فى أدب محفوظ؟
المرأة فى أدب نجيب محفوظ هو الموضوع الأكثر جدلا عند الحديث عن روايات الكاتب الكبير. وهى النقطة التى تثار دوما، بسبب كتابة محفوظ شخوصا عديدة فى رواياته لنساء عاهرات. وعن هذه النقطة، أوردت د. فوزية العشماوى حديثا لنجيب محفوظ نشر فى مجلة الهلال عام 1970، تحدث فيه عن رؤيته لهذه الفئة من النساء قائلا: «هناك منحرفات فاضلات ومنحرفات غير فاضلات والواقع أن كثيرا من المنحرفات فى رواياتى، يرجع انحرافهن إلى أسباب اجتماعية، المتهم وراءهن ليس سلوكهن بقدر ما هو المجتمع الذى يعشن فيه، إن الغالبية العظمى منهن يرتكبن الإثم بسبب الفقر.. بسبب المجتمع».
واتهم الكثير من النقاد نجيب محفوظ أنه حصر صورة المرأة فى صورتين اثنتين: إما عاهرة تتكسب بجسدها، كما فى رواياته: القاهرة الجديدة، واللص والكلاب، وبداية ونهاية، وزقاق المدق، وإما فاضلة مجبورة على ذلك من المجتمع الذكورى، كما جاء فى رواياته: السكرية وقصر الشوق وبين القصرين،وحديث الصبح والمساء والمرايا.
وفى إحدى دراساته يصف الناقد الدكتور طه وادى صورة العاهرة عند نجيب محفوظ بأنها مغلفة بإطار إنسانى مما يقترب بها من صورة المومس الفاضلة: «هكذا تلقانا صورة (البغى) فى روايات نجيب محفوظ دائما مغلفة بإطار إنسانى نبيل، ليؤكد أن الظروف الاجتماعية مهما تعقدت، لا تجتث كل ما هو إنسان فى الإنسان، وإنه لضرورات العيش الصعبة يأثم الجسد، ولكن تظل الروح محتفظة بجوهرها».
وقد صدرت عدة كتب عن صورة المرأة فى أدب محفوظ، منها كتاب (المرأة وعالم نجيب محفوظ)، الصادر عن مجلة دبى، للأديب والناقد الإماراتى عبدالإله عبدالقادر. وفى الكتاب يرى عبدالقادر أن مجتمع محفوظ الروائى غنى ومفتوح وفيه غزارة فى التناول الذى يتحدد فى كثير من الاحيان بخطوط رقابية إلا أن حرفيته تستطيع الالتفات عن هذه العوائق وكسر حدتها من خلال طاقته الإبداعية فى تقديم متواليات وحلقات متصلة بفضاءات تعبيرية تنهل من مفردات تعانق صنوف الابتكار والحداثة فى السرد الأدبى.
يؤكد الكتاب على الخيال الواسع واللصيق بالقضايا اليومية لمحفوظ وهو يرسم شخوصه على الورق حيث استفاد مما طرحه ستانسلافسكى فى طريقة إبداع الشخصيات وفى دروس التركيز المسرحى والتأمل ووظف ذلك فى أسلوبية ابداعية دقيقة للمرأة تحديدا الباحثة عن الانعتاق والتحرر من قيود فرضها المجتمع عليها تحت ذرائع عديدة.
يوضح الكتاب أن أزمة المرأة فى أدب محفوظ ارتبطت بالمكان وسائر تفاصيله حيث امتلك المدرسة الواقعية بنباهة وفطنة عبر احداث رواياته التى صور فيها طبيعة النظام الاجتماعى والسياسى والاقتصادى السائد الذى تكبل فيه المرأة والمجتمع برمته وايضا ممارساته وسلوكياته التى ظلت تحد من انطلاقة المرأة فى الحياة.
ويتوقف مطولا فى ثلاثيته الشهيرة، لافتا إلى أن المرأة فيها امتلكت خصوصية وفرادة جراء انصهارها الاجتماعى والإنسانى بحثا عن مصير وكينونة لها تواجه فيه مجتمعا دائم التطور والتغيير.
ومن أراد التعرف على عالم المرأة عند نجيب محفوظ فعليه التعرف على ثلاث سيدات «نفيسة» بداية ونهاية، 1949؛ و «نور» اللص والكلاب، 1961؛ و «زهرة» ميرامار، 1967. لكن الكل يتعامل مع زهرة بشكل مختلف وباهتمام زائد، مثال على ذلك أن الدكتورة فوزية العشماوى الحاصلة على درجة الدكتوراه فى أدب نجيب محفوظ من جامعة جنيف لشخصية أفردت ل(زهرة) مساحة أكبر من تلك التى أعطتها لكل من نفيسة ونور؛ لأنها أول فلاحة فى الإنتاج الأدبى للكاتب الكبير، تتمحور حول شخصيتها رواية كاملة من رواياته، فهو لم يتعرض للريف فى مجمل أعماله.
وتؤكد د. فوزية أن محفوظ يرمز بها إلى مصر، قائلة إن زهرة تستحق أن تكون رمزا لمصر، أولا، لأن نجيب محفوظ جعلها محورا لجميع الأحداث؛ وثانيا، لأنه رسمها ثائرة، وقد ثارت عدة مرات.. ضد من حاولوا استغلالها، بعد وفاة أبيها (تماما، مثل مصر، بعد وفاة سعد زغلول، أبو الأمة المصرية، كما كان يوصف)؛ ثم إنها ثارت ثانية ضد من أرادوا الاستفادة من ورائها، من الأجانب (ماريانا، اليونانية، مالكة نزل ميرامار)، والعجوز الأرستقراطى «طلبة مرزوق» (تماما كمصر التى قامت بثورة يوليو 52)؛ كما أن مجمل الخطوات التى خطتها زهرة فى مسارها الروائى موازية لتلك التى خطتها مصر، بفضل ثورة يوليو.
الموظف .. شقاء وبراءة يفسدها السياسيون
ظهرت شخصية الموظف عند نجيب محفوظ، فى دور البطولة من خلال رواية «حضرة المحترم» عبر بطل الرواية، عثمان بيومى، الموظف الحكومى، ابن البيئة المتواضعة، والذى مر بظروف طفولة قاسية، جعلته طوال الرواية يحاول الترقى الاجتماعى والصعود لمستوى أعلى مهما كلفه ذلك. وانشغل طوال الرواية بذلك الحلم، لتنتهى الرواية بحصوله فعلا على الكرسى لكنه لم يجلس عليه لأن العمر كان أسبق منه.
بدأ عثمان حياته العملية موظفا صغيرا فى قسم المحفوظات فى إحدى إدارات الدولة، ونال شهادة البكالوريا معتمدا على نفسه بعد وفاة والديه الكادحين، وهو يطمح منذ البداية لأن يصير مديرا عاما للإدارة، فينال شهادة الحقوق، وينهل من منابع الثقافة العامة، ويوطد علاقاته برؤسائه من خلال الاجتهاد والاستقامة ويبدأ بالادخار استعدادا للزواج من فتاة تكون سبيله إلى العلاء، ولكن الزمن يتسرب من خلال أصابعه، وقد أعرض عن الزواج من اثنتين أحبهما فى فترتين متباعدتين من حياته.
من شدة إعجاب عثمان بالإدارة تخيل المدير إلها قابعا وراء المكتب، وفى سبيل تحقيق حلمه بأن يكون مديرا عاما أعد خطة دقيقة كتبها فى ورقة ليذاكرها كل صباح قبل ذهابه إلى العمل، ولم يكترث على الإطلاق بالأحداث الجارية، وكان يرضى بعيشة ضنك بعيدة عن الناس فى الحى الذى يسكنه فى سبيل نفسه، وجعله محفوظ بخيلا متعاليا أنانيا «يؤمن بأن الإدخار وسيلة مهمة من وسائل جهاده الطويل، وشعيرة من شعائر دينه وأمان ضد الخوف فى عالم مخيف»، وفى الوقت نفسه كان هذا الموظف لا يخلو من تدين فكان يؤم المصلين فى أوقات الصلاة بمصلى الوزارة، وكان يردد قوله: «عندى من الإيمان ما يغفر لى العديد من الأخطاء».
أفنى عثمان بيومى عمره كله، دون أن ينعم بالجلوس على كرسى المدير العام فسمع عن ترقيته وهو فى فراش المرض، فقال: «لعلهم وهبونى الترقية صدقة لأنهم يعلمون أن الوظيفة باقية لهم». فقد كان نموذجا لشخصية الموظف المصرى البخيل بسبب ضيق ذات اليد، والمتدين فى الوقت نفسه، والذى يغالب الحياة الصعبة من جميع النواحى والصراعات الداخلية التى تجعل الإنسان أكثر أنانية لأنه لا يصل إلى شىء لا يجد نفسه قد حقق شيئا ذا بال، ولا يخلو عنوان «حضرة المحترم» من مسحة ساخرة، فالموظف كان يطلق عليه «أفندى» وينال من وراء وظيفته احترام من حوله، وكأن محفوظ يريد أن يؤكد أن هذا الموظف هو «حضرة المحترم» بحياته البائسة وميتته المأساوية.
ربما يبدو عثمان بيومى أقل شقاء ومأساوية من نظيره الموظف «محجوب عبد الدايم» بطل «القاهرة الجديدة» الذى انحدر من أصول ريفية فقيرة وبائسة، وكافح حتى حصل على شهادته الدراسية، وظل الالتحاق بعمل حكومى حلما يراوده، لكن نتيجة الفساد المتفشى من حوله لم يستطع أن يجد عملا سوى بتقديم شرفه، هو ابن الريف الذى يعرف قيمة الشرف وثمنه أيضا، فباع هذا الشرف لكى يحصل على الوظيفة التى تقيه شر الجوع والحاجة وتزوج من «إحسان شحاتة» التى يعشقها رئيسه فى العمل ويكون غطاء للعلاقة المحرمة بين إحسان ورئيسه.
ظل الموظف لدى محفوظ هو الشخصية مهضومة الحقوق التى تعانى آثار الفساد والرشاوى، فالموظف هو الشخص البيروقراطى الذى تقع عليها آثار الفساد السياسى والاستبداد، فلا يترقى بشكل طبيعى ولا يحصل على وظيفته بسهولة ولا بد أن يقدم شيئا من روحه مقابل ذلك، ويظل فى أدنى السلم الاجتماعى حتى وفاته التى عادة لا تكون أقل بؤسا من حياته.
«رياض قلدس» .. نموذج لهموم الشخصية القبطية
على الرغم من الدراسات عن أدب نجيب محفوظ، فإنها أغلفت صورة القبطى فى رواياته، ولا نجد إلا دراسة هنا أو هناك للحديث عن صورة القبطى فى أدب نجيب محفوظ، منها دراسة الناقد الراحل عبدالرحمن أبو عوف، القمع فى الخطاب الروائى العربى الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والتى يتحدث فيها عن «نموذج القبطى وإنتاج الدلالة فى ثلاثية نجيب محفوظ»
وبنظرة على روايات محفوظ نجد أن هموم الشخصية القبطية واضحة، خصوصا فى رواية «المرايا»، حين يتساءل كمال ابن السيد عبد الجواد: (هل التعصب فى الدين أم فى الطبيعة البشرية المتطلعة دوما للخصام، كما بين الشيعى والسنى، والحجازى والعراقى، والوفدى والدستورى، وطالب الآداب وطالب العلوم، والنادى الأهلى والترسانة؟). ويأتى صوت صديقه المثقف القبطى رياض قلدس يؤكد بعض النقاد أن رياض قلدس هو المفكر القبطى سلامة موسى فيقول: «إن مشكلة الأقباط اليوم هى مشكلة الشعب، إذا اضطهد اضطهدنا، وإذا تحرر تحررنا، أى الأمر فى الأول والأخر يتعلق بالديمقراطية».
ويستطرد رياض قلدس قائلا: «إنى حر وقبطى فى آن... إننا نشأنا فى بيوت لا تخلو من ذكريات سود محزنة، لست متعصبا ولكن من يستهين بحق إنسان فى أقصى الأرض لا فى بيته فقد استهان بحقوق الإنسانية جميعا».
ونرى فى روايات محفوظ اعتزازا كبيرا بالكنيسة الأرثوذكسية باعتبارها الكنيسة الوطنية، فيقول على لسان ناجى مرقص فى «المرايا» إن المذهب المسيحى المصرى هو الأرثوذكسية، وأن المبشرين أفسدوا بعض الأقباط فجروهم إلى اعتناق الكاثوليكية والبروتستانتية). كما طرح محفوظ فى رواية «السكرية» لنجيب محفوظ مشكلات القبطى، وكان ذلك فى 1957 فلقد سأل كمال السؤال: هل التعصب فى الدين أم فى الطبيعة البشرية المتطلعة دوما للخصام.
وقد نوهت أعمال محفوظ ببعض نماذج هذا التعصب غير المبرر وغير المقبول، ففى روايته «المرايا» يرد نموذج لكاتب (مسلم) يرفض أن يشير بكلمة واحدة فى مجلته إلى موهبة (قبطية) شابة حتى لا يشترك فى بناء قلم سيعمل غدا على تجريح تراثنا الإسلامى بجميع السبل الملتوية. هكذا يتصور، وهكذا يقول».
وقد لعب التوجه السياسى لمحفوظ الوفدى كما هو واضح فى عرض شخوصه القبطية فكان أغلب أبطاله من الأقباط وفدى الفكر، وإن لم ينضموا إلى الحزب تنظيميا بالضرورة.
رياض قلدس فى «السكرية» قال: «إن الأقباط جميعا وفديون، ذلك أن الوفد حزب القومية الخالصة، ليس حزبا دينيا تركيا كالحزب الوطنى، ولكنه حزب القومية، التى تجعل مصر وطنا حرا للمصريين على اختلاف عن عناصرهم وأديانهم، أعداء الشعب يعلمون ذلك، ولذلك كان الأقباط هدفا للاضطهاد السافر طوال عهد صدقى، وسيعانون ذلك منذ اليوم) ويستطرد قائلا: (إن حل المشكلة بين الأقباط والمسلمين يرتبط بالفناء فى القومية المصرية الخالصة كما أرادها سعد زغلول). ويتبدى ذلك الرأى فى روايته «المرايا» وخصوصا فى رأى عجلان ثابت الصحفى الشاب الذى يحصر معا السياسة فى الانضمام إلى الوفد (لا تحترم طالبا غير مهتم بالسياسية، ولا تحترم مهتما بالسياسة إن لم يكن وفديا، ولا تحترم وفديا إن لم يكن فقيرا».
المثقف
.. ثائر أحيانًا
ومغيب عادة
ظهرت شخصية المثقف عند نجيب محفوظ فى أنماط كثيرة، وتكاد رواياته لا تخلو من هذه الشخصية بشكل أو بآخر، حيث تبدو عاملا مشتركا فى جل أعماله، سواء فى المرحلة الواقعية أو فى الروايات الفلسفية، كما أفرد عددا من رواياته لتاريخ الصراع بين المثقف والسلطة، سواء فى روايات «السمان والخريف» و«ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» وكلها روايات تحكى عن غياب الوعى وتناقض العلاقة بين المثقف والسلطة، وانسحاق المثقف واغترابه عن الدور المنوط به فى مواجهة السلطة، كنوع من رد الفعل الانتقامى تجاه الذات العاجزة عن مواجهة السلطة وفسادها.
لم يكن «عيسى الدباغ» بطل رواية «السمان والخريف» سوى رمز للمثقف المأزوم الضائع، بسبب اختلافه السياسى مع ثورة يوليو، فلم يستطع أن يتناغم مع الأفكار الجديدة للثورة، فاتجه إلى تدمير ذاته وتدمير من حوله. وفى رواية «اللص والكلاب» نجد «رءوف علوان» المثقف الذى يبيع المبادئ التى كان يؤمن بها ويروجها، بل ويستغل «سعيد مهران» الرجل البسيط محدود الثقافة، فهو المثقف الانتهازى الوصولى الفاسد بشكل أو بآخر. ورءوف علوان فى ذلك لا يختلف عن نظيره الفاسد فى رواية «ميرامار».
أما النموذج الأفدح للمثقف المغيب الذى يدمر ذاته بفعل عدميته فكان فى رواية «ثرثرة فوق النيل» التى تدور فى عوامة يأوى إليها مجموعة أصدقاء يعبرون عن شريحة كبيرة من المثقفين المغيبين عن الواقع والعالم من حولهم، ويلجأون إلى العبث والغرق فى ملذاتهم الشخصية بين الجنس والمخدرات، وكانت هذه المجموعة تضم وصطفى راشد المحامى وعلى السيد الناقد الفنى وخالد عزوز كاتب القصة ورجب القاضى الممثل وسارة بهجت الصحفية وسناء الرشيدى بكلية الآداب وليلى زيدان المترجمة بالخارجية، بالإضافة إلى «أنيس» الذى يقيم بالعوامة ويعمل بوزارة الصحة وهو رجل مثقف، كان طالبا ريفيا جاء إلى القاهرة والتحق بكلية الطب ولم يكمل دراسته وماتت زوجته وطفلته فى يوم واحد، وقد اعتاد الإدمان وتطلق عليه المجموعة لقب فارس الشلة وولى أمرها. وهذه المجموعة تجد فى العوامة مهربا من الهموم الخاصة والعامة وتتفق فى الثقافة والإدمان والتسيب الخلقى والانغماس فى المتع بكل إشكالها.
فى مقابل الأنماط المغيبة والانتهازية يوجد نموذج المثقف الثورى الذى يساهم فى توعية الجماهير وتحقيق أحلامهم وتطلعاتهم، إنه المثقف المثالى الرومانتيكى الحالم الذى يمثله على طه فى «القاهرة الجديدة» الذى ظل يبشر بالثورة على الظلم والفساد وكذلك شخصية فهمى ابن السيد أحمد عبد الجواد فى الثلاثية، الذى كان من قادة ثورة 1919 ضد الاحتلال، فكلاهما ثورى يرفض الأوضاع المغلوطة ويقاوم الاحتلال والفساد المنتشر من حوله. فضلا عن نماذج المثقف المطارد بفعل أفكاره السياسية المختلفة عن ما تريده السلطة الحاكمة مثلما رأينا فى رواية «الكرنك» الذين طاردتهم سلطة ثورة يوليو التى آمنوا بمبادئها.
ثمة نمط آخر وهو النمط الغارق فى أفكاره الخاصة وتساؤلاته الفلسفية والوجودية والتى تبعده عن عالمه، فيتحول إلى شخصية انعزالية تعيش مع أزماته وتساؤلاته بعيدا عن العالم، شخصية متوحدة، مفارقة، مغيبة، وربما يكون «كمال عبد الجواد فى الثلاثية (شقيق فهمى) هو النموذج الأكثر جلاء على هذه الشخصية فهو التجلى الجديد للمثقفين وهو الحائر بين المذاهب الفكرية والسياسية‏,‏ الذى يختار الفلسفة والبحث عن الحقيقة جوهرا لحياته. وهذا النموذج المتقوقع داخل أفكاره الفلسفية وأسئلته الوجودة يمثل بشكل باهر شخصية «عمر الحمزاوى» بطل رواية «الشحاذ» الذى خاض قصة جهاد مريرة للتعرف على يقين، وبواسطة تجارب صوفية بعد أن بدأ حياته ثوريا، وكان من الطلائع الذين يحلمون بالمدينة الفاضلة، ويتفجرون حماسا للثورة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.