100 عام تمر اليوم علي ميلاد نجيب محفوظ (1911-2011 ) ليست مناسبة للاحتفال، ولكن مناسبة لتأمل التاريخ بمتغيراته السياسية والفكرية والاجتماعية، تلك التي رصدها محفوظ خلال أعماله برؤي مصرية خالصة، وهي أيضاً مناسبة لمقاومة أشكال العدوان علي الثقافة ومحاولات تقليصها. في هذا العدد والذي قام بإعدادة الزميل محمد شعير بجهد واع، نربط التاريخ باللحظة التي نعيشها اليوم، في جملة واحدة تنتمي إلي الروح المصرية. نحتفي بنجيب محفوظ لأننا نحتفي بتاريخنا، ونحتفي أيضاً بقدرتنا علي المقاومة، والدفاع عن رموزنا الثقافية والفكرية. الأسبوع الماضي في حركة استعراضية، أعاد المهندس عبد المنعم الشحات، المتحدث باسم (حزب النور) السلفي التهجُّم علي نجيب محفوظ، متهماً رواياته بالحضِّ علي الرذيلة، من حيث تدور في بيوت الدعارة والمخدرات، مضيفاً (لو عملنا دستوراً يحترم الشرعية، سيمنع هذا الأدب، وكل أدب الإلحاد)!! وبالطبع تلك الكلمات لا تستحق المناقشة والتوقف أمامها، إلا بمقدار صعود التيار السلفي إلي الحياة السياسية، وحصوله علي نسبة من مقاعد البرلمان (رغم السقوط المدوّي للشحات في انتخابات الإسكندرية، والتي اعتبرتُ نتيجتها هدية من شعب الإسكندرية إلي نجيب محفوظ في مئويته) الأمر الذي يفرضُ سؤالَ المجابهة والمواجهة لكافة التيارات المعادية للثقافة والفكر، المشغولة بتقليص حرية التعبير، والاعتداء علي التاريخ الثقافي المصري. نحتفي بنجيب محفوظ لأننا نحتفي بتاريخنا، ونحتفي أيضاً بقدرتنا علي المقاومة، والدفاع عن رموزنا الثقافية والفكرية وكان محفوظ ليبرالياً ذا ميول وفدية، لكنه لم يعاد ثورة يوليو (اعتبرها نقطة بدء حقيقية في التاريخ المصري). أيضاً لم يعاد الإخوان المسلمين، رصد صعودهم، وعلاقتهم الممتدة بالسلطة في العديد من أعماله.. في رواية (الباقي من الزمن ساعة) تحظي الثورة بعناية الإخوان من خلال شخصية (محمد حامد برهان) الذي اعتبر حركة الضباط الأحرار إخوانية الأصل!! وتكرر الموقف نفسه في (حديث الصباح والمساء) مع الشاب الأخواني (سليم حسن قابيل).. بينما كان "سيد قطب" شخصية أساسية في رواية (المرايا) من خلال شخصية (عبد الوهاب سليم) المفكر والشاعر، الذي تحوّل بأفكاره إلي التطرف (رجل حاد الفكر، متطرف في رأيه) !! 100عام مصرية، كان نجيب محفوظ تعبيراً خالصاً عن روحها وملامحها..
100عام هي تأريخ للسينما المصرية، وتأريخ للغناء المصري، وصعود النهضة، والأحلام، والمد القومي، تاريخ من الانتصارات والهزائم، والصعود والهبوط في مختلف نواحي الحياة المصرية، من الليبرالية، إلي الاشتراكية، إلي الإسلامية.. ومن الروايه التاريخية، إلي الواقعية، إلي الرمزية.. 100عام كان محفوظ صوتاً فاعلاً، وفعلاً مقاوماً. هذا الطيب، الودود، المتسامح، المتواضع، المسالم لم يعرف إبداعه المهادنة، كان إبداعه أكثر ثورية ورديكالية من فعله الحياتي، وقد صدق الجميع دائما إبداعه، صورته الحقيقية، وصورة مصر أيضاً.. بعد يومين من حصول محفوظ علي "جائزة نوبل" كنت في دمشق، في بيت الروائي الراحل (عبد الرحمن منيف).. كان سؤال الحضور: كيف استقبل المثقفون في مصر، وكيف استقبل اليسار المصري، فوزمحفوظ بنوبل؟ قلت: بفرح قال منيف: ونحن أيضاً.