بدا واضحا تصاعد القوة الناعمة الصينية حول العالم خلال العقدين الأخيرين كنتيجة مباشرة لتنامي اقتصادها الهائل المتعطش الي الطاقة، الأمر الذي دفع بكين إلي التوجه إلي القارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة كجزء من تأمين نفوذها الاقتصادي والسياسي في تلك المنطقة، حيث استطاعت خلال فترة قصيرة أن تصبح من أكبر الشركاء التجاريين لأفريقيا مستفيدة في ذلك من علاقتها الوطيدة التي تربطها بالقارة السمراء علي مدي أكثر من نصف قرن وأيضا نظرة العديد من الدول الأفريقية للصين بوصفها إحدي القوي المحركة للتنمية المستدامة حول العالم مما يؤهلها للعب دور أكبر في إحداث نقلة نوعية لدول أفريقيا علي الصعيدين الاقتصادي و الاجتماعي والمساهمة في النهضة التي تشهدها في شتي المجالات وإن كان هذا التأثير المتزايد للصين علي أفريقيا يثير تساؤلات المحللين الغربيين عما إذا كان هذا الدور مجرد وسيلة لتسهيل الوصول إلي مصادر الطاقة والموارد المعدنية . و كان للشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الصين وأفريقيا تأثير ملحوظ علي أداء اقتصادها بشكل إيجابي منذ عام 2001 يدعمها الطلب الصيني علي النفط الأفريقي والموارد الخام الأخري إضافة إلي ذلك فقد أتاح توسع الاستثمارات الصينية في قطاع البنية التحتية والطرق وإنشاء المطارات الجديدة فرصا للمنتجين الأفارقة لزيادة الإنتاج وتحسين الدخل فضلا عن فتح الأسواق الإقليمية والعالمية أمام المنتجات الأفريقية كما أن الصين قد عززت التعاون مع أفريقيا من خلال إبرام معاهدات الاستثمار الثنائية مع 33 دولة لحماية وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وخلق مناخ أكثر أمنا للمستثمرين الصينيين هذا بجانب سعي بكين الحثيث إلي تحسين صورتها في أفريقيا من خلال التوسع السريع في نشر وسائل الإعلام الصينية في جميع أنحاء القارة كجزء من سياساتها الرسمية والتي تشجع التعاون بين وسائل الإعلام الصينية وأفريقيا بهدف زيادة التفاهم المتبادل وتمكين التغطية الإعلامية المتوازنة بين الطرفين . الاقتصاد الصيني ويري مصطفي مجدي الجمال الباحث والمترجم بمركز البحوث العربية والأفريقية أن الصين قد تصبح الاقتصاد الأكبر عالميا عام 2030 إذا استمرت في معدلات نموها 9% سنويا وقد حازت بالفعل علي لقب مصنع العالم بفضل عمالتها الرخيصة والسياسات الاقتصادية المتوجهة نحو التصدير وأيضا بسبب تفضيل الشركات عابرة القوميات لنقل بعض عملياتها ومصانعها إلي بلدان مثل الصين تفاديا للضرائب الباهظة وطمعا في الأسواق الآسيوية، ولكن النمو الصيني واجه مشكلات عديدة في ذات الوقت أخطرها مشكلة المواد الخام والطاقة حيث تقول الإحصاءات إن الصين تستهلك 13% من إنتاج النفط العالمي و3% من إنتاج الغازالطبيعي، وتعتمد الصين بدرجة كبيرة علي الفحم المحلي و المستورد وهو ماجعلها ثاني بلد ملوث للبيئة عالميا بعد الولاياتالمتحدة، والسعي وراء مصادر الطاقة والمواد الخام يعتبر السبب الأول لخروج التنين الصيني إلي أمريكا اللاتينية وأفريقيا أساسا، كما أدركت الصين خطورة ارتهان استمرار نموها باستقرار الأسواق الغربية، وخطورة أن تحتفظ باحتياطيات النقد بالعملات الغربية وسندات الخزانة الأمريكية، ومن هنا كانت أهمية استثمار هذه الفوائض في القارة السمراء. والصين استفادت في نشاطها بالقارة السمراء من عوامل غير مواتية لمنافسيها فقد بدأت أنظار الولاياتالمتحدة تتوجه منذ التسعينات صوب شرق أوروبا ووسط آسيا كما أن انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق قلل من الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا ومن ناحية أخري فإن النموذج الغربي الأمريكي والأوروبي للنشاط الاقتصادي في أفريقيا ركز علي المعونات المالية التي بددتها نخب حاكمة فاسدة في العقود التالية للاستقلال عن المستعمر، ونتج عن نمط مايسمي المساعدات الغربية تفاقم أزمة المديونية في السبعينات، خاصة مع الصدمة البترولية، وكانت الروشتة العلاجية الغربية هي فرض شروط عبر صندوق النقد والبنك الدولي والتي أسميت برامج التكيف الهيكلي لإخراج الدولة من الحياة الاقتصادية وتحرير أسواق التجارة والمال والملكية والعمل. تكامل صيني ويري الدكتور فرج عبدالفتاح فرج أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الاستراتيجية التجارية والاقتصادية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جانب والصين من جانب آخر داخل أفريقيا فيما يلي حينما تعمل الأولي علي مستوي الفترة القصيرة لتحقيق أرباح فإن الأخري تعمل علي مستوي الفترة الطويلة لضمان استمراريتها في أسواق الدول الأفريقية وإن كانت الأرباح أقل كما أن الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة يعملان علي الاستثمار في المجالات الأعلي ربحية بينما تعمل الصين علي تنويع استثماراتها وأنشتطها التجارية سواء تصدير أو استيراد وفي حين تقبل الصين العمال الوطنيين سواء عاملين أو متدربين في مختلف المجالات التي يدخل إليها الاستثمار الصيني (بنية أساسية - مقاولات - إنشاءات). وعلي الجانب الآخر نجد أن هناك تكاملا بين الاستثمارات الصينية واحتياجات أفريقيا، وكان اختيار التكنولوجيا التي تصاحب الاستثمار مكملة للاحتياجات والأولويات الأفريقية علي عكس الجانب الغربي الذي تبني سياسة الإقراض.