كتب رئيس الوزراء الأسترالي السابق والخبير بالشؤون الصينية كيفين رود عن التحديات التي تواجه القيادة الصينية الجديدة ونظر في التحدي الاساسي للصين وعلاقاتها بالعالم الاوسع. يقول رود ان شي جين بينغ يظهر كرجل أكثر راحة بعد تولي زمام القيادة، خاصة وأنه يبدو وكأنه الرئيس الصيني القادم، الذي يتولى المسؤولية في وقت تبرز فيه الصين كواحدة من أكبر الاقتصادات العالمية، وستكون هذه هي المرة الأولى منذ أيام الملك جورج الثالث التي تستطيع فيها دولة غير ناطقة بالإنجليزية، وليست غربية، وليست دولة ديمقراطية، أن تسيطر على الاقتصاد العالمي. ويمتلك شي ثقة استمدها من خلفيته العائلية، نظرا لمساهمة والده زهو نغكسون في الثورة الصينية والتنمية الاقتصادية اللاحقة لها، كما أن شي خدم في الجيش، وهو يثق في خبرته التي تعتبر أوراق اعتماده الاقتصادية، خاصة وأنه تولى موقع المسؤولية في إدارات إقليمية، مما منحه خبرة في تنظيم مطالب النمو الاقتصادي. وقضى شي وقتا كبيرا خلال السنوات الخمسة الماضية في تعميق فهمه للأمور الدولية وخاصة العلاقات مع الولاياتالمتحدة، إنه نوع من القادة الذين تستطيع القيادة الأمريكية إقامة تعاملات تجارية معه في ظل تطلعه المستمر لتحديث الصين مع الحفاظ على استقرارها الاستراتيجي في شرق آسيا. مانعرفه من خلال التاريخ الاقتصادي أن القوة السياسية تأتي بالجمع بين القوة الاقتصادية والوقت والعلاقات الأجنبية والقوة الأمنية في منظومة واحدة. ولكن التحدي الجوهري للصين وباقي دول العالم، سيكون التعامل مع الصعود الصيني إضافة إلى الحفاظ على قواعد النظام الدولي القائم حاليا وتقويته، والذي يرتكز على استراتيجية دولية ثابتة منذ الحرب العالمية الثانية. وقد خدم النظام الحالي الصين على مدار ثلاثين عاما مضت خلال فترة إعادة الهيكلة والتحديث بها، وما يهم الصين الآن هو استمرار هذا النظام في المستقبل، وعلى الرغم من أن هذا النظام قد أقيم على المشاركة الصينية، إلا أن هذه المشاركة تحل فيها الصين محل القوى الغربية الأخرى بعد سقوط برلين. وبينما ينمو الاقتصاد الصيني بشكل متسارع، فإن القدرات العسكرية للدولة أقل من نظيرتها الأمريكية بشكل ملحوظ، وستظل أمريكا القوة المطلقة الوحيدة عالميا حتى منتصف القرن فهي القوة التي ترتكز إلى الاسترتيجية الدولية الحقيقية. ولكن على الصعيد الشرق آسيوي وبالتحديد في المنطقة الواقعة بين الهند والمحيط الهادئ فإن القدرة الصينية تتعاظم، والقدرات الاستراتيجية الصينية وتدريباتها العسكرية القائمة على عقيدة عسكرية قوية، تهدف لدعم المصالح الأساسية الصينية، ومن بين هذه المصالح مثلا الانخراط في وحدة سياسية طويلة مع تايوان، وحماية المطالب البرية والبحرية الصينية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي. هذه المطالب الصينية تشهد تنافسا كبيرا بين عدد من الدول الأخرى بالمنطقة، وفي حين تبدو الولاياتالمتحدة محايدة في التعامل مع هذه الإدعاءات والادعاءات المضادة، فإن بحر الصين الجنوبي وبالتحديد جزر دياويو وسينكاكو تمثل بؤر توتر كبيرة في المستقبل. كما أن القومية السياسية حية، فعلى الرغم من حقيقة أن الاقتصادات في المنطقة تندمج على نحو متزايد، فإن انفجار القوميات السياسية يمكن أن يشتعل في أي وقت، وهو ما يخلق صعوبات متزايدة على حكومات المنطقة، سواء كانت هذه الحكومات منتخبة ديمقراطيا أو لا. ومن ثم يصبح التحدي الحقيقي في المنطقة هو تكوين أمن إقليمي يتضمن الثقة والمعايير للبناء الأمني بين القوات العسكرية. ويبرز هذا كمهمة حاسمة لقمة الدول الشرق آسيوية، وهي المؤسسة الإقليمية العامة التي تمتلك مشاركة سياسية عالية، وجدول أعمال أمني وسياسي مفتوح. خلف الجزء الشرقي من خريطة العالم، توجد أسئلة مفتوحة حول كيفية قيام الصين بممارسة التأثير بسياستها الخارجية على العالم؟ ففي الفترة المقبلة، يجب أن يكون في الحسبان دوما أن الهدف القومي الصيني هو إستكمال مهمة التحديث الاقتصادي للأمة وللشعب. وقومية هذه المهمة هي التي تحكم السلوك الصيني في السياسة الخارجية. فالصين تحتاج إلى استراتيجية دولية ثابتة لسبب بسيط وهو أن الصدام يقوض احتمالات نموها الاقتصادي، كما أن الصين تحتاج أيضا للتأكد من قدرتها على الدخول إلى الأسواق الدولية والتي تعد المعيار الأساسي لتطور الاقتصاد الصيني. وعلاوة على ذلك فإن القيادة الصينية تأمل بأن ينتعش الطلب المحلي ليكون داعما أقوى في نموها الاقتصادي أكثر من الطلب الدولي. واستفادت الصين كثيرا من الخبرات المتعلقة بهشاشة الاقتصاد الدولي من خلال بعد معاصرتها للأزمة المالية العالمية وأزمة اليورو ومع ذلك فالتبادل التجاري المفتوح وتدفقات الاستثمار ستظل هامة للمستقبل الاقتصادي الصيني على المدى المتوسط. ولدى الصين لديها اهتمام سياسي قومي عميق بأن تصبح قوة دولية مهابة، ويأتي هذا في صميم المساهمات الصينية في استقرار النظام الدولي. ثم إن موقعها كعضو بارز في مجلس الأمن الدولي له أثر محوري بالفعل، فخلال الأزمة السورية استمرت الصين في دعمها مع الفيتو الروسي ضد تحرك مجلس الأمن الدولي لوقف الاشتباكات المستمرة، حسب السياسة الخارجية والأمنية التي أقامتها الصين. كما أن السياسة الخارجية حساسة للغاية في ردود الأفعال الدولية في الموقف الصيني الداعم والذي يحمي بقاء النظام الاستبدادي في دمشق وطهران وبيونغ يانغ. والمؤسسة الأمنية مدفوعة بواحدة من أعمق البديهيات الصينية في السياسة الخارجية من خلال الاعتقاد بأن تسمية الجمهورية الشعبية يرسي مبدأ عدم التدخل المتبادل. وفي كل الأحوال أصبحت الصين مشاركا أكثر نشاطا في كل الأمور الدولية، وفي المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والفنية، وصارت شريكا أساسيا للأمم المتحدة في عمليات حفظ السلام حول العالم، كما أنها وضعت سياسة جديدة للمساعدات الدولية، والتي تختلف عن دعم الدول النامية والتي تتلقى مساعدات من لجنة المساعدة الإنمائية OECD ، بما يشير أن الصين أصبحت أكثر من مجرد لاعب بارز في علاقات الإغاثة مع الدول النامية حول العالم. وسيبدو ذلك جليا في إفريقيا بشكل خاص، حيث أن للصين في القارة السوداء مصالح اقتصادية كبيرة، واهتمامات بالسياسة الخارجية. وتعتبر الصين إفريقيا مصدرا بديلا للطاقة والمواد الخام التي تستخدم بشكل أساسي في الحفاظ على عملية التمدن الاقتصادية الصينية. كما أن الاستثمارات المباشرة الخارجية التي تتدفق من الصين داخل القارة الإفريقية آخذة في الزيادة، مما سيتسبب دائما في خلق ساحات جدل سياسي محلية داخل الدول التي ظهرت فيها توترات محلية فيما يتعلق بالعودة من التنمية التعدينية واسعة النطاق إلى الجمعيات المحلية. كما تمثل إفريقيا أهمية للصين ووضعها بين دول العالم النامي. ففي إفريقيا، كان ثمة جدل كبير حول ما يسمى نموذج بكين للتنمية ، الذي يمكن من خلاله لنمو اقتصادي ناجح أن يتحقق عن طريق إصلاحات السوق، دون الخضوع لليبرالية السياسية الشاملة من ذلك النوع الذي يظهر جليا في الديمقراطيات الليبرالية الغربية. ومن ثم، فإن الصين ستستمر في موقعها كلاعب اقتصادي رئيسي له سياسة خارجية يتعامل من خلالها مع كل دول العالم، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي ذاته، الذي مولت الصين عملية تشييد مبناه الرئيسي في أديس أبابا من مواردها الخاصة. فهل ستكون هناك تغيرات جذرية في سياسة الصين الخارجية تجاه القضايا الهامة التي ستواجه المجتمع الدولي خلال العقد القادم؟ بعبارات عامة، ستستمر سياسة الصين الخارجية في تتبع الخطط التي جرت الإشارة إليها. ومن ثم، فإن هناك احتمالية لاستمرار الأوضاع كما هي فضلا عن حدوث تغيير جذري. ومع ذلك، فإن السؤال يظل مطروحا حول التأثير الذي ستسعى وراءه الصين حتى يتحمله التطور المستقبلي لترتيب الأدوار العالمية. وإذا ما كان ثمة تغيير في ذلك الترتيب، فإنه لا يزال على الصين أن توضح معالمه السياسية ومفاهيمه. وعليه، ستكون هناك فرصة لبقية المجتمع الدولي، بكامل أعضائه من الدول القوية والضعيفة، لكي يساهم في تشكيل طريقة تفكير الصينيين خلال تلك الفترة الهامة. ينبغي أن يكون خلافنا مع أصدقائنا الصينيين مركّزا حول دعم الترتيب الحالي للأدوار وتقويته، بدلا من تركه يزداد إخفاقا.