٫ بعيدا عن الواقع وأزماته، والمرور وازدحامه، والسياسة وألاعيبها، والأسعار وجنونها، جاءت الثورة لتحصد الرؤوس، لا تبقي ولا تذر، بيضاء لا دماء فيها، أبطالها افتراضيون، وسدنتها إلكترونيون، وطغاتها رأسماليون كعادة كل الثورات، ساحتها الإنترنت، وأسلحتها تويتر وفيسبوك، غير مسبوقة في أهدافها، وغير ملحوقة في مطالبها، فكانت ثورة المصريين علي شركات الإنترنت، تدشينا لجيل جديد من الثوارت في القرن الحادي والعشرين. أثار بطء سرعات الإنترنت تنزيلاً للأفلام (download) ورفعاً لها (upload) غضب العديد من الشباب علي مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعهم لاتهام شركات توفير خدمات الإنترنت بالمغالاة في أسعار تقديم الخدمة، نظير سرعات بطيئة، لا تقارن بما هو مدفوع، خاصة إذا ما قورنت تلك الأسعار بأخري أقل يتم تقديمها في عدد من دول المنطقة العربية، فضلاً عن أن بعض السرعات المقدمة من قبل تلك الشركات تخطتها دول عدة في العالم ولم تعد مطروحة أصلاً، ودعا الشباب لرفع راية العصيان في وجه الشركات المتحكمة في دنيا "النت" في مصر. ثورة الإنترنت تلقت دفعة هائلة، عقب سخرية الإعلامي الشهير باسم يوسف، في حلقة الأسبوع الماضي من برنامجه "البرنامج"، من شركات الإنترنت، قائلاً: "كلمة واحدة لشركات الإنترنت، فكروا كويس في العملاء بتوعكم، وياريت بلاش أعذار واهية، وبلاش تعطلوا مصالح الناس"، ليقوم بعدها بأداء فاصل ساخر عن معاناة مشاهدة الفيديوهات علي الإنترنت بمحاكمة أسلوب توقف الفيديو أثناء المشاهدة بسبب بطء الخدمة. "آخر ساعة" تواصلت مع أحمد. ع، صاحب الفكرة ومنسق صفحة "ثورة الإنترنت" علي فيسبوك، الذي روي بداية الفكرة قائلاً: "الفكرة جاءت من خلال مشاهدة فيديو (Hard Mode) علي موقع "يوتيوب"، لشخص يدعي عمر، يوضح الاعيب شركات الإنترنت وكيف تقدم خدمة أقل مما يدفعه العملاء، والفيديو باسم "فضيحة الإنترنت في مصر"، يلخص المشكلة في 8 كلمات هي: غال جداً.. بطيء ببشاعة..خدمة عملاء زي الزفت". ويتابع أحمد: "ثم أنشأت صفحة علي فيسبوك، بعنوان ثورة الإنترنت في مطلع ديسمبر الماضي، تدعو لتغيير قواعد اللعبة علي تلك الشركات التي ترفض مساواة خدماتها بما هو مقدم في بقية دول العالم، وقد تجاوز عدد أعضاء الصفحة حاجز الربع مليون شخص الجمعة الماضية،فيما انتشر هاشتاج ثورة الإنترنت علي صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة، وبدأت مشاركة الكثير من الشباب تعبيراً عن رفضهم الشركات". وأكد منسق صفحة "ثورة الإنترنت" أن مطالب الثورة تتلخص في تقليل الشركات أسعارها لكي تتناسب مع متوسط الأسعار العالمية، وزيادة الحد الأدني للسرعات إلي 8 ميجا، مع توحيد سرعة الدونلود والأبلود، مع تحسين خدمة الدعم الفني ورفع كفاءتها، وإدخال الإنترنت إلي الأماكن المحرومة في بعض المحافظات، فضلاً عن إحلال وتجديد سنترالات الجمهورية، لتستوعب حجم الزيادات المتوقعة مستقبلاً، والأهم إيجاد صيغة ما تمكن الحكومة من الإشراف الكامل علي شركات الإنترنت ومتابعة أدائها، والاستماع لشكاوي المستخدمين من خلال خدمة تتبع الحكومة مباشرة ولا تخضع لسيطرة شركات النت أو هيمنتها. وأشار إلي أن تقديم خدمة إنترنت تليق بالمصريين و بسعر مناسب، ضروري إذا ما كنا نرغب في غد أفضل لمصر، لأن تطور تكنولوجيا المعلومات يكاد يكون السبيل الوحيد لتحقيق طفرة في الاقتصاد، لأنه يساعدنا في إنتاج بكفاءة أعلي وغزو مجال البرمجيات وخلق فرص عمل جديدة وتطوير عالم البيزنس في مصر. وقارن أحمد بين أسعار خدمات الإنترنت في مصر وغيرها من دول العالم، قائلاً: "عرضنا علي الصفحة نماذج لأسعار تقديم خدمة الإنترنت في عدة دول عربية سواء دول الخليج الغنية أو دول شمال أفريقيا التي تمر بنفس ظروفنا الاقتصادية، لتجد أن دولة مثل تونس التي تمر بنفس ظروفنا السياسية، تقدم الشركات هناك مميزات عديدة بأسعار رخيصة لا تقارن بما يحدث في مصر، فمثلا أقل باقة هناك 2 ميجا بت، ب عشرة دنانير تونسية، أي ب44 جنيها مصرياً تقريباً، بما يعني أن 12 شهرا من الاشتراك في سرعة 2 ميجا في تونس أرخص من شهرين في مصر لنفس السرعة"، وهناك كندا 25 ميجا بسعر 30 دولارا والمغرب 14 ميجا بسعر 84 جنيها مصريا. وطبعاً المقارنة تصبح صارخة عند المقارنة بدول مثل أمريكا ودول غرب أوروبا، علي الرغم من أن سعر الخدمة هناك رخيصة عما يقدم في مصر، التي تعد أسعار الخدمة فيها الأغلي رغم تردي الخدمة وتدني السرعات وقلة المميزات الجانبية في العروض المقدمة، خاصة في ظل تدني المرتبات في مصر وارتفاع أسعار الخدمات ما يجعل عملية دفع الاشتراك الشهري عملية مرهقة لميزانية الأسرة. وشدد منسق صفحة "ثورة الإنترنت" علي أن الصفحة لن تنظم أي مظاهرات أو فعاليات في الشارع في الفترة المقبلة، علي الرغم من تحمس عدد كبير من أعضاء الصحفة لهذا الأمر، وأن القائمين علي الصفحة لا انتماءات سياسية أو حزبية لهم، مشيراً إلي أن الصفحة أعطت لشركات تقديم خدمة الإنترنت مهلة حتي نهاية الأسبوع الجاري، إذا ما لم تعدل في أسعار الباقات، "فسنتجه إلي التصعيد ونبحث حالياً طرقا سلمية للتعبير عن احتجاجنا علي أسعار تلك الشركات، سواء بالدعوة لعدم دفع الاشتراكات الشهرية أو التوقف عن استخدام الإنترنت أو غيرها من الوسائل، فالأمر لا يزال خاضعا للبحث والنقاش". وفيما التزمت شركات الإنترنت الصمت تاركة القطار يسير في اتجاه، وجه الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات دعوة إلي شركات مقدمي خدمات الإنترنت لبحث مستوي جودة الخدمات المقدمة للمستخدمين والخطط لرفع كفاءتها علي المدي القصير والمتوسط والطويل لضمان تقديم مستوي خدمة يتميز بالعالمية وبأسعار تنافسية مناسبة، بعدما لاحظ الجهاز زيادة نسبة الشكاوي المقدمة مؤخراً، بالإضافة إلي الشكاوي علي مواقع التواصل الاجتماعي فيما يخص هذه الخدمات، مما يوضح تدنيا في جودة خدمات الإنترنت المقدمة. وأضاف المهندس هشام العلايلي، الرئيس التنفيذي للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، في بيان صحفي حصلت "آخر ساعة" علي نسخة منه، أن الجهاز يهدف في المقام الأول لتقديم خدمات الإنترنت للمستخدمين بسرعات عالية وبأسعار مناسبة، وأن من ضمن الحلول السريعة أن تقوم الشركات بتقديم حلول سريعة في المشاكل الفعلية التي تؤثر علي جودة الخدمات المقدمة وتقديم بدائل لتسمح بتقديم سرعات عالية بجودة مناسبة، أما عن المدي المتوسط والطويل فيؤكد الجهاز أنه بدخول الخطة القومية للإنترنت فائق السرعة حيز التنفيذ وبتطوير البنية التحتية لقطاع الاتصالات سيتأثر مستوي خدمة الانترنت إيجابياً من حيث السرعات والجودة والسعر. وأشار العلايلي إلي أنه سيتم طرح مناقصة الإنترنت فائق السرعة في خلال الأيام المقبلة، بعدما اشتري الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الأجهزة اللازمة لاختبار جودة خدمات الإنترنت، والتي سيتم توريدها قريبا لعمل القياسات وإعلان تقارير عن مستوي وكفاءة الخدمة للشركات المختلفة أسوة بما هو متبع حاليا لخدمات التليفون المحمول.