جانب من المظاهرات الأخيرة رفعت حالة الارتباك السياسي، التي تسبب فيها إقرار الحكومة لقانون تنظيم التظاهر الجديد في 23 نوفمبر الماضي، الغطاء عن حكومة الدكتور حازم الببلاوي، فأظهرت حدة الاختلافات والانقسامات بين أعضاء الحكومة، والتي حاولوا إخفاءها طوال الفترة الماضية عن أعين الإعلام والمواطنين. وإذا كان إقرار القانون، حسبما يري الكثيرون، قد "كشف" الكثير من نوايا أصحاب المعارضة، وعلي رأسهم حركة 6 إبريل، وجبهة الإنقاذ، والاشتراكيين الثوريين، وغيرهم ممن يطلقون علي أنفسهم القوي الثورية، والتي أثبتت للجميع أن هدفهم الأول هو البقاء في الشارع، واستمرار التظاهر ومواصلة حالة الغليان والانقسامات والتشرذم، سعياً لاستمرار حالة الفوضي وإسقاط مؤسسات الدولة، فإن إقرار القانون أيضاً قد "عري" الحكومة وكشف للمواطنين حجم عوراتها بعد أن تباينت تصريحات أعضائها، واختلفت توجهاتهم بشأن إقرار القانون. البداية كانت من داخل مجلس الوزراء، والذي أصدر بياناً رسمياً، أكد خلاله تمسكه بتطبيق قانون تنظيم الحق في التظاهر بكل حسم وقوة ودعمه الكامل لجهاز الشرطة ورجاله ولتضحياتهم من أجل استقرار مصر وأمن شعبها، واحترامه لحرية الرأي والتعبير في إطار من التنظيم حتي لا تتحول الحرية إلي فوضي تعصف بكل إنجازات يمكن أن تقدم للمواطن وتزيد من معاناته. وحذر مجلس الوزراء، القوي الوطنية والثورية من الوقوع في براثن مخططات قوي الإرهاب والتخلف التي تستهدف الجميع دون استثناء، وناشد المصريين جميعاً أن يدركوا أن هذا الوطن ملك لنا جميعاً، وأن المحافظة عليه حراً وقوياً ومستقلاً ليست مسئولية الحكومة وحدها بل مسئولية الجميع. كما ناشد المجلس كل القوي السياسية والوطنية ووسائل الإعلام، إدراك المخاطر التي تهدد الوطن في هذه المرحلة، والمساهمة الفعالة في عملية بناء الوطن واستقراره، مشدداً علي أن حكومة مصر لن تسمح تحت أي ظرف أو بأي حال بتراجع الدولة أمام قوي الإرهاب، فمصر التي يحميها شعبها أقوي من كل عناصر الإرهاب. صفعة زياد ثم جاءت الصفعة، من نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية والتعاون الدولي، الدكتور زياد بهاء الدين، الذي أعلن أنه لم يكن راضياً عن قانون التظاهر منذ البداية، وأنه ما زال لديه تحفظات علي هذا القانون، وأسلوب طرحه ومناقشته وتوقيت صدوره، قائلاً: "ما يهمني هو مصلحة البلد، وكلنا نضع مصلحتها في المقام الأول، والمهم ألا نخرج من هذا الموضوع بمنطق أن هناك طرفاً لابد أن يكسب الطرف الآخر". وفي منتصف الطريق بين تشديدات بيان مجلس رئاسة الوزراء، وتهرب نائب رئيس الوزراء، زياد بهاء الدين، من تحمل مسئولية إقرار قانون التظاهر، خرجت تصريحات المتحدث باسم مجلس الوزراء، السفير هاني صلاح، الذي أكد أن قانون التظاهر، كان لابد من إصداره لضبط النظام في الشارع. وأوضح صلاح، أن وزراء الحكومة الحالية يتعرضون لضغوط كبيرة، وأن القوي السياسية السلمية لن تضار من إقرار قانون التظاهر، وأن المتظاهر السلمي لا يضره أن يصدر مثل هذا القانون، حيث إنه ينظم التظاهر، ويحفظ له حقوقه. حوار المراجعة وتوالت التصريحات المتضاربة لحكومة الببلاوي، فعقد وزير التضامن الاجتماعي، الدكتور أحمد البرعي، اجتماعاً مع شباب الثورة، وجبهة الإنقاذ الوطني، بناء علي تكليفات لمجلس الوزراء، للاستماع إلي رؤيتهم بشأن المواد الخلافية في "قانون التظاهر"، وهو ما اعتبره الكثيرون اجتماعاً ما قبل التراجع عن إقرار قانون التظاهر، فأكد البرعي، إن الحكومة لا تريد مصادرة الحق في التظاهر، لكنها تسعي إلي تنظيمه بعد أن تجاوزت المظاهرات حدود المقبول، لافتاً إلي أن القانون ليس قرآناً، وأنه قابل للمراجعة شرط عدم حدوث تجاوزات علي أرض الواقع. وشدد البرعي، علي أن قانون التظاهر، لا يقيد الحريات العامة، وأنه لو كان يري في هذا القانون تقييداً للحريات لقدم استقالته علي الفور من الحكومة، موضحاً أن القانون ينظم عمليات التظاهر في مرحلة حرجة تمر بها البلاد. وقال: "من غير الجائز ألا تعرف وزارة الداخلية في المرحلة الحالية، ونحن مقبلون علي الاستفتاء علي الدستور بعد أن أنهكتها المظاهرات اليومية، من يتظاهر وأين وسبب التظاهر". وشدد علي أن القانون خرج ليواجه محاولات أنصار النظام السابق لإفساد التصويت علي الدستور، مشيراً إلي أن الحديث عن تقارب بعض القوي الثورية مع جماعة الإخوان بسبب قانون التظاهر لن يؤثر بأي حال من الأحوال، وهناك 30 مليون مصري يحرصون علي تنفيذ خارطة الطريق بكامل بنودها. تلك التصريحات المتضاربة، وغيرها، كشفت عوار الحكومة، وأظهرت حدة الاختلافات في الرؤي والتوجهات السياسية داخلها، بما يؤكد أن ترددها في اتخاذ القرارات الحاسمة للدرجة التي جعلتها تستحق لقب "الحكومة المرتعشة"، كان سببه الرئيسي هو الاختلافات في الفكر والتوجه السياسي والميول لدي أفراد الحكومة. وصاحبت حالة الانقسام الحكومي، حول قانون التظاهر الجديد، حالة مشابهة من الاختلافات بين الخبراء والمحللين السياسيين، فانتقد بعض الخبراء السياسيين توقيت إصدار القانون، مؤكدين أنه سيؤثر بالسلب علي نسبة المشاركة في الاستفتاء علي الدستور، بينما أكد آخرون أن الحكومة بتأكيدها علي عدم التراجع عن تطبيق القانون، لا يمكنها أن تتراجع عن تطبيقه لإن ذلك سيسقط هيبتها، وبالتالي هي ملزمة بتطبيقه ويري هذا الفريق أن الحكومة الحالية تأخرت في إقرارها للقانون، وأنه كان يجب عليها أن تصدره مبكراً لتتصدي لحالة الانفلات والفوضي التي تعم الشارع المصري. من أصحاب الرأي الأخير، الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، الذي يري أن قانون التظاهر الجديد ليس مخالفاً للقانون الدولي، كما يدعي الدكتور زياد بهاء الدين، وأن العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية الصادر في عام 1966 هو المرجعية الدولية في حق الأفراد في التجمع السلمي أو الحق في التظاهر السلمي، وقد أحال هذا الميثاق الدولي للدول ذات السيادة الحرية في تنظيم ممارسة هذا الحق طبقاً لما تراه مناسباً من قوانين. قانون دولي وأشار، إلي أن معظم دول العالم تجيز المظاهرات الشعبية العفوية أي التي تحدث دون سابقة ترتيب، والتي يخرج فيها الشعب غير المنخرط في كيانات أو أحزاب أو حركات سياسية وأبرز مثال علي تلك المظاهرات العفوية هو مظاهرات 18 و19 يناير 1977 اعتراضاً علي القرارات المفاجئة التي اتخذها الرئيس الراحل أنور السادات، ولفت إلي أن ما يحدث في الشارع المصري الآن ليس مظاهرات عفوية أو سلمية مما يستوجب الردع القانوني. وقال، إن هذا القانون مرحلي ووقتي صادر بصفة استثنائية عن السلطة التنفيذية قابل للمراجعة أو الإلغاء مع دورة البرلمان التي ستنعقد عقب الانتخابات النيابية. ويتفق مع الرأي السابق، الكاتب الصحفي، مصطفي بكري، الذي أكد أننا نعيش منذ ثلاث سنوات في حالة فوضي عارمة، وكان يجب النظر إلي الدول الحديثة وكيف تتعامل، فتم الاستقرار علي إصدار قانون ينظم حق التظاهر، مشيراً إلي أن قانون العقوبات لا يوجد به تنظيم التظاهرات. أضاف بكري، إن فرنسا تعطي إنذاراً في البداية عندما تشعر بخطورة المظاهرة، ثم بعد ذلك تطلق النيران، وهذا غير متواجد في القانون المصري الجديد، والذي وضع ضوابط لفض المظاهرات، فمصر تقدم أعظم قانون للتظاهر يشرف به أي مصري. وأشار إلي أن مصلحة الوطن فوق مصلحة الأشخاص، خاصة أن المخاطر التي تواجه مصر مخاطر خارجية، وهناك مؤامرات تحاك ضد مصر، من أجل هدمها، فالإخوان رصدوا ثلاثة مليارات جنيه استعداداً للانتخابات البرلمانية، والرئاسية المقبلة، والمطلوب أن يتم (غربلة) هذه الحكومة خاصة أنها تتحمل مسئولية التراخي في إصدار قانون التظاهر. نهج ديكتاتوري في المقابل، أكد جمال أسعد، الناشط القبطي، أن هذا القانون قديم، وسبق لجماعة الإخوان المسلمين وأرادت إصداره أثناء حكم المعزول، وحكومة الببلاوي تسير علي نفس النهج الديكتاتوري، وتحاول تكميم أفواه القوي المدنية والعمالية، وأشار أسعد إلي أن قانون التظاهر في هذا التوقيت يمكن أن يؤدي لرفض الدستور، وتعطيل خارطة الطريق، وهذا ما لا تقبله القوي الثورية، ولا يرضي عنه الشعب. كما أكد الدكتور عماد أبوغازي، أحد مؤسسي حزب الدستور، إن الاعتصامات والاضرابات حق مشروع للشعب المصري، وأن الثوار استطاعوا انتزاع هذ الحق من خلال ثورة يناير، ولن يستطيع أحد أن يوقفهم عن ممارسة هذا الأمر مرة أخري. كما قال د. جمال زهران، البرلماني السابق، إن قانون التظاهر صدر في وقت غير مناسب رغم أهمية وجوده بسبب وجود من يسعون لنشر الفوضي، مؤكداً أن القانون طالما ظهر فلابد من احترامه وتطبيقه خاصة أنه لا يمنع التظاهر ولكن ينظم كيفية التظاهر فحسب. ووصف زهران، حكومة الببلاوي ب"الضعيفة" لعدم قدرتها علي إقرار القانون علي جموع المصريين، واصفاً إياها ب"الحكومة الفاشلة"، و"مرتعشة الأيدي"، مشدداً علي أن التظاهر وسيلة المصريين للتعبير عن آرائهم وردع الحكومات والأنظمة الفاشية، ولا يمكن التضييق عليه، مؤكداً أن الشعب المصري يرفض إصدار قانون التظاهر وتحويله إلي أداة بديلة يتم تفعيلها مستقبلاً بعد إلغاء العمل بقانون الطوارئ. وواصلت لجنة الحريات بنقابة المحامين، انعقادها الدائم لحين إسقاط قانون التظاهر، ومتابعة ما يستجد علي الساحة من تداعيات، وأكد خالد أبوكريشة، مقرر لجنة الحريات، وعضو مجلس النقابة العامة للمحامين، أن اللجنة عقدت اجتماعاً مغلقاً، مع عدد من شباب مصر الثوريين، وانتهت لعدة توصيات كان علي رأسها ضرورة إقالة حكومة الدكتور حازم الببلاوي، ومطالبة رئيس الجمهورية المؤقت بسحب وإلغاء قانون التظاهر، ودعوة القوي الثورية لتنظيم مسيرات سلمية حاشدة من أمام نقابة المحامين لحين إسقاط قانون التظاهر. وأعلن أبوكريشة، عن إعداد لجنة الحريات بنقابة المحامين لمذكرة قانونية بمساوئ قانون التظاهر، وطرحها علي الرأي العام، وتوجيه اللوم للنظام الحالي المؤقت بما مفاده أن هذا النظام لا يهتم بتحقيق العدالة الاجتماعية للمصريين، ولا يعمل لصالح الفقراء والمطحونين، ولا يعبأ بحرياتهم أو كرامتهم في هذا الوطن.