ربما سيأتي اليوم الذي سنكتشف فيه سبب تراجع القصص الدرامية وسيناريوهات الأعمال السنيمائية والتليفزيونية والإذاعية.. إن الدراما بشكل عام هي في أسوأ حالاتها هذه السنوات ويستحيل ألا يكون السبب مرتبطا بانتشار سوق السوشيال ميديا محرقة الأفكار والأحاسيس والتوقعات المقبلة.. إن أي عمل فني وأدبي يقوم بالأساس علي فكرة.. تجربة ..خيال...إلخ، وكان الكتّاب، قبل انهيار عصر الدهشة، يحوِّطون علي أفكارهم ورؤاهم - مثل الكنز الذي يجب أن يظل مخبأ - لحين موعد الإعلان عنها عبر كتاب أو فيلم..كانوا يعتقدون جدا بسرقة الخيال والوحي من قبل قوي سوداوية ترمي بالأفكار في ثقب عميق لا نهاية له، لذا كان من ضمن أدوات عملهم إجادة فن الكتمان حتي حين، فيكون حجم المفاجأة كبيرا.. في السابق كانت تكفي فكرة لتمتد بعدها التوقعات والتفاصيل والحكايات وتداخل الأحداث والنهايات المتوقعة وغير المتوقعة.. وكانت القصة التي تروي علي عجل أو الجملة المسروقة في مقهي صغير أو حتي رسالة في بريد القراء كافية جدا لصناعة قصيدة من مائة بيت ومسلسل من ثلاث عشرة حلقة.. اليوم ومع تسابق صفحات المنشورات والتعليقات المتعاقبة والصور الملحقة بالموضوع وتشابك القصص من شتي أنحاء العالم وإصرار كل من هب ودب علي المشاركة برأيه أو حكايته المتقاطعة مع المنشور، صار من الصعب جدا الاحتفاظ بالفكرة والإحاطة علي المفاجأة المخبأة أكثر من نصف نهار.. وهذا الأمر صعب علي المؤلفين استدراج التفاصيل من وراء شاشات القراءة لتقديم أي جديد لم نقرأه أو نصادفه ونعلق عليه بدل المرة عشرة وقصص الناس التي كانت في الماضي غريبة بالنسبة لمجتمعاتنا صارت مستهلكة ولا تشكل دهشة صغيرة علي تعابير وجوهنا لأن أصحابها لم يوفروا دقيقة للكشف عنها بالصوت والصور والكتابة التي لا تكون صالحة للقراءة في غالب الأحيان.. لذلك يبدو منطقيا جدا التنبؤ بما ستحمله سيناريوهات الأعمال الدرامية طالما لم تخرج من دائرة البوح المفتوحة علي مصراعيها هذه الأيام.. تراجع الفكرة وجمود الخيال له أسباب كثيرة بالتأكيد، لكن أيضا استسهال كشف الأوراق بشكل يومي ولحوح من قبل الكتاب عبر "بوستات" محصورة في عدد محدود من الكلمات ضيّع عليهم وعلينا متعة التوقع ودهشة الدراما وزفير الأنفاس المحتبسة..