برع المؤلف عبد الرحيم كمال في اجتذاب مشاهديه بلذة متابعة علقتهم بأعماله ، لينفض بتجديده عن القصص تراب القديم والمعتاد حتى إن كانت معروفة أو مقتبسة ، فيطليها بريقا ذو بصمة خاصة ويكسيها ثوب الجديد بإعادة إبصار لا تبهر النفوس ، إبهار الضوء الذي يغلق العيون ، بل إبهار العقل الذي رأى جديدا والقلب إن مسه شيء من نور. في أعماله يبدو النضج الفني وعمق الخبرة وفهم الدراما وإن كان ما زال شابا ، فلم يكن عمره وخبرته سببا لذلك النضج الملموس ، تميزت أعماله بالبيئة الصعيدية بتناول جديد غير تقليدي وإطلالة رائحة الأسطورة، وإن كان الموضوع واقعيا ليستغرق معها المشاهد كأنه يرى نفسه وتاريخه ومحيطه في لوحة درامية مرسومة كالحكاية بمهارة يغوص فيها بدهشة،هو نجم الدراما في الأعوام الأخيرة بجدارة . عبد الرحيم كمال من مواليد العيساوية بشرق الصعيد عام 1971 ، تخرج في المعهد العالي للسينما قسم السيناريو، وله مجموعتان قصصيتان وعدد من الروايات منها " رحلة إلى الدنمارك وبلاد اخرى " و " عذاب فاخر " ، كتب عدة أعمال فنية كان لمعظمها صدى واسعا تنوعت ما بين المسلسل الإذاعي ،قدم له في 2008 مسلسل " ميمي عربيات " ، وفيلم " على جنب يا اسطى " في عام 2006 وهو عمل اجتماعي ذو طابع كوميدي لكنه عميق حول سائق تاكسي وحكاياته مع من يصادفهم من الناس وحديثه معهم الذي يرصد خلاله أحوال المجتمع ، الفيلم من إخراج سعيد حامد وبطولة أشرف عبد الباقي وروجينا وآسر ياسين ، أما أعماله الدرامية للتليفزيون فهي أربعة أعمال عرضت جميعها بشهر رمضان أولها مسلسل " الرحايا "الذي قدم عام 2009 وحصد نجاحا كبيرا وهو من إخراج حسني صالح وبطولة نور الشريف وأشرف عبد الغفور وسوسن بدرومديحة حمدي وبهاء ثروت ،و يدور حول " محمد أبو دياب " كبير عائلة صعيدية من سوهاج، متعدد الزوجات ، يمتلك القرية التي يعيش بها ويمتلك حكمة كبيرة ،ويدور حول مشاعر الحقد والغيرة التي تحيط به وتتسبب في مؤامرات وموت وأذى سواء من زوجة أخيه أو بين أبنائه تجاه أخيهم المفضل لأبيهم حتى يدبرون مؤامرة تؤدي لقتله . ثم تأتي الثلاثة أعمال الأشبه بالثلاثية لتتاليها وإحداث كل منها صدى كبيرا وتفرد كل منها مع تلاقي بعض الخطوط بين ثلاثتهم وهم بالترتيب مسلسل "شيخ العرب همام "في 2010 ( آخر ملوك الصعيد ) وهو من إخراج حسني صالح وبطولة يحي الفخراني وصابرين وعبد العزيز مخيون وسميرة عبد العزيز، وقصته تاريخية مستقاة من تاريخ الجبرتي حول شخصية الأمير همام بن يوسف والذي عرف بشيخ العرب همام ( 1709- 1769 ) زعيم قبائل الهوارة التي امتدت ملكيتها لمعظم الصعيد من المنيا حتى أسوان وكانت تحت سلطتها لسنوات طويلة ، هذا الرجل الذي كان يعرف بالحكمة وقاد المقاومة ضد جيش المماليك الذي قاده علي بك الكبير ساعيا لبسط نفوذه على الصعيد ثم تعرض للخيانة وهزم ومات كمدا ، أما ثالث أعماله التليفزيونية فكان مسلسل " الخواجة عبد القادر " عام 2012 من إخراج شادي الفخراني وبطولة يحي الفخراني وفؤاد سليم وسوسن بدر، و حقق نجاحا كبيرا ولقي إشادة واسعة ،و يدور حول الخواجة المهندس الألماني " هربرت " الذي جاء إلى مصر في الخمسينيات واعتنق الإسلام ليصبح اسمه عبد القادر فيلقب بالخواجة عبد القادر الذي يعرف الإسلام ويعرف الله بقلبه أولا بعيدا عن المظاهر الجافة التي تبعد عن الجوهر وقد تختلف عن داخل الإنسان وذلك في جو صوفي فلسفي عذب إلى أن يتعرض للأذى ، فيحرق ويبنى له ضريح بعد ذلك بينما روحه تبقى حرة تروى عنها الحكايات المختلفة . وأخيرا لهذا العام 2014 مسلسل " دهشة " من إخراج شادي الفخراني وبطولة يحي الفخراني ونبيل الحلفاوي وحنان ومطاوع ويسرا اللوزي وسماح السعيد وعايدة عبد العزيز، وهو مقتبس عن مسرحية " الملك لير " للكاتب الإنجليزي الكبير ويليام شكسبيروالذي أخذ منها خطها الأساسي وبنى عليها عمقا مختلفا وأحداثا بل نهاية أخرى، ويدور العمل حول شخصية " الباسل " الشخص القوي الثري في الصعيد والذي له ثلاث بنات يقرر أن يوزع إرثهم عليهن في حياته بقدر حبهن له لترفض " نعمه " أحبهن إلى قلبه المشاركة في ذلك أو التعبير لفظيا عن حبها له من أجل المال فيغضب عليها ويحرمها نصيبها من ثروته حتى يذق على يد بنتيه الهوان بعد ذلك ويعلم أن نعمة كانت أكثرهن حبا له . وإن حاولنا الوصول لسمات مميزة لكتابة عبد الرحيم كمال أو لروح أعماله فإننا يمكننا استشفافها من تتبع أعماله الثلاثة الأخيرة على وجه الخصوص" شيخ العرب همام " و " الخواجة عبد القادر " و " دهشة " لوجود خيوط رفيعة أكثر وضوحا بينها وإن اشتركت معهم في "الرحايا " بالتأكيد في بعض هذه السمات . فإن تتبعنا الأعمال الثلاثة بدقة نجد أن المسلسل الأول مستقى من التاريخ وتحديدا تاريخ الجبرتي وإن بنى عليها دراميا من خياله وإبداعه وجاء " الخواجة " لنعرف أنه كان شخصية حقيقية سمع عنها من والده وتأثر بها وبنى خياله عليها لتجيء " دهشة " مقتبسة من عمل أدبي أصبح تاريخيا لعراقته ،هذا العمل الكلاسيكي لشكسبير ، لكن عبد الرحيم كمال يرى الواقع منبع الخيال بل صديقه ربما ، فبينما يقتبس أو يستمد من الواقع الومضة الأولى يبني خيوطا جديدة قد يسير بها في طريق آخر،وربما أوضح ما يكون ذلك في " دهشة " التي صاغ لها نهاية مختلفة غير متوقعة كانت صادمة للكثيرين فقد اختار في عمله التركيز على شخصية " الباسل " الموازية للملك " لير " ومن فهمه العميق لها ودراستها سار بها دراميا نحو النهاية ، ذلك الرجل القوي المادي المهتم كثيرا بالمظاهر كطقس يدخل حتى في مشاعره وأبوته ويحكم بها أيضا على بنوة بناته له ، هذا الرجل المتسرع سريع الغضب الذي تنقصه الحكمة بدءا من تقييم حب بناته لتوزيع إرثهن عليهن ،فكان لابد أن ينتهي بما يبرز عيوب شخصيته التي لم تتغير حين أصر على إشهاد الناس على حبه لابنته وتقييمه المادي لها بإعطائها الكنز المخبأ فماتت تحت أقدام الناس وبقي معذبا ينتظر الموت على حصيرة بجوار قبرها بعد أن فهم، فخرج عبد الرحيم كمال بخطه الأساسي المقتبس من شكسبير لمسار آخر ورؤية أخرى ، هذا بالإضافة للبيئة الصعيدية في كل أعماله للدراما التليفزيونية وهي في الحقيقة منبع حكايات متفردة من عمق وجدان قديم .. العنصر الآخر الواضح في أعماله هي الأسطورة فإما تضمنها العمل أو صيغ كالأسطورة كما في الخواجة هذه الشخصية الجميلة التي تلبس روح الأسطورة وكرامات العارف المتصل بالله ،وكذلك دهشة بحد ذاتها صارت كالأسطورة الشهيرة من شكسبير، بل أدخل فيها ما يغذي ذلك بقصة الكنز المخبأ ،وفي الشيخ همام كان هذا الرجل شديد الحكمة والدهاء بلذة متابعة حياته وأحكامه على الناس هي الأسطورة مع وجود ثيمة الأحلام المنبئة أحيانا خاصة من خلال شخصية " سلام " المبروك، ولم تخل " الرحايا" من ذلك ففي تحول الشخصية التي أدتها سوسن بدر صارت كالوحش الأسطوري الذي لا يدري الناس متى يظهر ويفزع الجميع ويأتي بالشر ، ونصل لعنصر آخر هو الجزء الصوفي وقد بدا في الشيخ همام من خلال شخصية " سلام " وكان "عبد القادر"نفسه ربما معادلا للمعنى الصوفي في حب الله والدخول لجوهر الإيمان والبعد عن المظاهر فيعد عملا دراميا صوفيا احتوى على جو الحضرة والأغاني الصوفية التي غذته، أما في "دهشة" فكانت تجلياتها تبدو في الحوار في أجزاء كثيرة منه وفي هذا الحب العميق الإلهي بين الابنة وأبيها ، هذا مع وجود خط قيمي في معظم أعماله يحرص على وجوده وإبقائه سواء كانت تبثه الشخصية الرئيسية للبطل أو تعتبر النقيض له كشخصية الباسل في دهشة .. هذه كانت سمات أولية لأعمال عبد الرحيم كمال لكنها تظل قادرة على مفاجأتنا وإدهاشنا وتتسع لمزيد من التحليل والحديث ، فلننتظر متابعة أعمال قادمة له قيد الإعداد منها فيلمي " صلاح جاهين" و " يا قاتل يا مقتول " ومسلسليه " شفيقة ومتولي " و" بين الشوطين " الذي يجري إنتاجه.