بدا مشهد العزاء خاليا من الدفء والمودة.. سرادق عزاء الفنان جميل راتب بمسجد الحامدية الشاذلية، تماما كمشهد الجنازة، خال تماما من الزملاء والرفاق من الفنانين والفنانات، إلا القليلين الأوفياء، القليلين الصادقين المحبين بالفعل، يعدون علي أصابع اليد الواحدة!... بدا حضور أحفاده الصغار في مسلسل ونيس (ريم أحمد وهادي خفاجة) جميلا ورقيقا وحقيقيا كجميل راتب نفسه، أحاط دائما زملاءه من الفنانين بالحب والتقدير والمشاعر الراقية... قليلون هم من في السرادق.. غالبية الفنانين يشهدون احتفالات مهرجان الجونة السينمائي، والبعض الآخر يحضرون ختام مهرجان المسرح التجريبي في نفس التوقيت.. وآخرون تكاسلوا!!....صحيح أن جميل راتب أوصي بعدم إقامة مراسم العزاء، والاكتفاء فقط بمراسم الجنازة.. وأن نقابة المهن التمثيلية هي من كسرت الوصية، بالإصرارعلي إقامة العزاء.. لكنها الشكليات والمظاهر، لم تشغل يوما جميل راتب، عاش دائما بسيطا وهادئا، وأراد أن يكون رحيله بنفس البساطة والهدوء.. يكفيه فقط أن يتذكر الجميع أنه طوال مشواره الفني (150 عملا فنيا) أعطي وأخلص، وأنه طوال مشوار حياته كان ذلك الإنسان الحر، يفعل ما يحب وما يريد.. ورغم عائلته الإرستقراطية الثرية، فقد عاش حياة قاسية في بداياته بباريس، لم يرغب في دراسة للحقوق، فلم يكمل فيها وخرج من السنة الثانية، ليلتحق بمعهد التمثيل، وهو ما أدي إلي مقاطعة الأهل له، فقرر الإعتماد علي نفسه، وعمل بائعا للخضراوات وجرسونا في مطعم ومترجما، حتي تخرج من معهد التمثيل!.. بدا جميل راتب أقرب لتولستوي في الأدب، فحين صودرت ممتلكات أسرته بعد ثورة 52، لم يغضب، بل قال إنها حقوق الفقراء ردت إليهم.. وفي يناير 2011 قطع زيارته العلاجية لفرنسا، للحضور إلي مصر والمشاركة في التظاهرات، فقد عاش طوال 92 عاما حالما بالثورة والتغيير.