بعد أن انتهت الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي تنافس فيها نحو 11 مرشحا وتبين أن الجولة الثانية سوف يخوضها كل من مرشح الوسط ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف لوبان وقف مرشح الحزب الاشتراكي بين حشد من مؤيديه ليدعوهم لأن يصوتوا لمرشح الوسط ماكرون لأنه كما قال يجب التفرقة بين الخصم السياسي »أي ماكرون» وبين عدو الجمهورية »يقصد لوبان»!.. ومن بعده اتصل الرئيس الفرنسي هولاند الذي ينتمي أيضا للحزب الاشتراكي بماكرون معربا عن تأييده ودعمه له في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية حتي يقطع الطريق إلي قصر الاليزيه علي مرشحة اليمين المتطرف لوبان التي يري فيها هو وكثيرون في فرنسا تمثل خطرا علي الهوية الفرنسية. وذات الشيء فعله رئيس الوزراء الفرنسي أيضا ثم مرشح اليمين فيون.. كلهم حثوا الفرنسيين علي التصويت لمرشح الوسط ماكرون.. تناسي الجميع خلافاتهم معه من أجل حماية فرنسا من الوقوع تحت سيطرة اليمين المتطرف.. تناسي هولاند استقالة ماكرون من حكومته قبل عام مضي.. وتناس فيون السياسي المخضرم أن ذلك الشاب قد سبقه في التنافس الانتخابي للوصول إلي القصر الرئاسي الفرنسي »الاليزيه».. كما تناسي مرشح الحزب الاشتراكي الخلافات الايديولوجية مع ماكرون من أجل منع ممثلة اليمين المتطرف من الحصول علي المقعد الرئاسي في فرنسا.. وهكذا تحتشد أطياف سياسية مختلفة ومتنافسة لمناصرة ماكرون ليس حبا فيه وإنما خوفا من لوبان وما تمثله، خاصة وأنها كشفت بوضوح أنها لن تغير فقط السياسات الفرنسية داخلية وخارجية، وإنما سوف تغير أيضا من الهوية الفرنسية وستخرج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، سوف تطرد المهاجرين إليها وستتخذ إجراءات ضد المسلمين في فرنسا. وبذلك يقدم الساسة الفرنسيون لنا في مصر درسا بليغا، خاصة لهؤلاء الساسة الذين سبق ان غامروا قبل خمسة أعوام مضت في دعم ومساندة مرشح الإخوان في الانتخابات الرئاسية المصرية، بالتالي مكنوا جماعة فاشية متطرفة من الوصول إلي حكم البلاد بل والسيطرة عليها. وشتان بالطبع ما بين الموقفين.. موقف ساسة فرنسا مسئول وفاهم وواع، تجاوز المصالح الحزبية والأيديولوجية الضيقة واهتم أساسا بالمصلحة الوطنية الفرنسية، واهتم بحماية فرنسا من خطر كبير إذا ما تمكن اليمين المتطرف من حكم بلادهم.. وموقف ساسة مصر غير فاهم وينقصه الوعي وقصير النظر لا يراعي إلا المصالح الذاتية الضيقة جدا، ولا يهتم بالمصلحة الوطنية العامة.. الفارق شاسع وكبير جدا بين الموقفين.. ولعل ذلك ينبه بعض الساسة في مصر إلي أنهم يرتكبون خطأ فادحا بالاصطفاف حتي الآن مع الإخوان في بعض المواقف، لان هناك ما يجمعهم بالإخوان وهو رفضهم للحكم الراهن.. فرغم الهزيمة القاسية التي مني بها الحزب الاشتراكي الفرنسي، والتي لم يتعرض لها من قبل، حيث حصل مرشحه علي نحو 6 في المائة فقط من أصوات الناخبين، إلا أنه كان لديه الشجاعة والأهم الوعي الذي جعله -كما قال لناخبيه- القدرة علي التفرقة بين الخصم السياسي والعدو السياسي. أيها الساسة في مصر عارضوا كما تشاءون سياسات ومواقف وقرارات الحكم الحالي.. ولكن حذار أن تكرروا ذات الخطأ -أو بالأصح الخطيئة- الذي ارتكبه بعض منكم في عام 2012 حينما مكنوا جماعة الإخوان الفاشية المتطرفة من رقابنا ودفعنا ومازلنا ندفع ثمنا باهظا لذلك.