المدن كالناس، حين تولد يختار لها الأهل الأسماء، إلا عاصمتنا الجديدة، فمنذ بدأ التفكير فيها حتي الآن لم نختر لها اسماً، واكتفينا بأن نشير إليها ب » العاصمة الإدارية الجديدة »، وفي رأيي أن هذا لا يليق بعاصمة مصر المستقبلية. لذلك رأيت أن أقترح عدة أسماء لنختار منها اسماً لعاصمتنا الجديدة، والباب مفتوح لمزيد من الاقتراحات. أول الأسماء المقترحة هو : منف، فهذا اسم أول عاصمة لمصر الموحدة بعد أن وحد مينا القطرين. وكان بناؤها منذ ثلاثة آلاف ومائتي عام قبل الميلاد، أي أن عمرها الآن أكثر من خمسة آلاف ومائتي عام، وهي بذلك أقدم عاصمة في أفريقيا، وواحدة من أقدم عواصم العالم. وحين انتقلت العاصمة بعد ذلك إلي الأقصر ظلت منف هي العاصمة الإدارية للبلاد. والمعروف أن مدينة البدرشين الحالية قامت مكان هذه المدينة، لكن اسم منف بقي باعتباره علامة من علامات الوحدة والرقي في التاريخ المصري. الاسم الثاني الذي أقترحه هو : طيبة. وطيبة هو الاسم القديم للأقصر، وجدير بالذكر أن هذه المدينة لم تكن عاصمة مصر وحدها، بل كانت عاصمة الدنيا، إذ حكمت مصر من خلالها بلاداً مترامية، حتي إن جمال حمدان يعتبر أن الأقصر في عصور ازدهارها كانت مثل واشنطن حالياً، من حيث نفوذها وقوتها. ومن هذه المدينة انطلقت أول حرب تحرير في التاريخ، حيث خرجت أسرة أحمس لطرد الهكسوس من مصر واستعادة الأرض والعرض واسترداد الكرامة. ومن المصادفات ذات الدلالة ان اسم » طيبة » يتطابق مع اسم المدينةالمنورة أيضاً، فمن أسماء مدينة رسول الله صلي الله عليه وسلم : طيبة. أي أن هذا الاسم ستكون له دلالة مزدوجة ( فرعونية / إسلامية ). أما ثالث الأسماء التي أقترحها للعاصمة الجديدة فهو : الفسطاط الجديدة، فالفسطاط هي أول عاصمة لمصر الإسلامية، بل هي أول عاصمة إسلامية في أفريقيا كلها، ومنها انطلق موكب النور إلي بقية بلاد القارة لينشر دين الله في شمال أفريقيا وغيرها من بلاد القارة السمراء. ومما يزكي هذا الاسم أن هذه المدينة شهدت أول مسجد في مصر، وفي أفريقيا، كما شهدت تجاور المسجد والكنيسة والمعبد اليهودي، مؤكدة روح التسامح الديني. بل إننا حين نقرأ ما كتبه المقريزي في كتابه الرائع » الخطط المقريزية » لنعرف أن عدد الكنائس في هذه المدينة عند نشأتها كان يزيد عن عدد المساجد رغم أنها كانت أول عاصمة إسلامية للبلاد. وفي مسجد هذه المدينة » جامع عمرو » قام بالتدريس عدد من الصحابة الأعلام، أهمهم : عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وهما من هما في مجال الحديث النبوي. كما قام بالتدريس فيه الإمام الشافعي عند مجيئه إلي مصر، وبين جنباته ظهر مذهب الشافعي الجديد في الفقه. ومن المؤكد أن هذا المسجد كان أول جامعة مصرية في العصر الإسلامي. ورغم أن مصر عرفت عواصم أخري بعد الفسطاط إلا أن هذه العواصم لم يصمد منها سوي القاهرة، ورغم ظهور القاهرة لم تتراجع مكانة الفسطاط، بل إن الناس كانت تسميها »مصر»، وظل ارتباط العاصمة في ذهن الناس باسم مصر باقياً حتي الآن. إنني أقترح تشكيل لجنة لاختيار اسم عاصمتنا الجديدة لأنه لا يليق أن يكون اسم عاصمة مصر الجديدة » العاصمة الإدارية ». علي أن تختار هذه اللجنة أسماء الأحياء في المدينة، وأسماء الشوارع، حتي لا نكرر المهزلة الموجودة في مدننا الجديدة، حيث تأخذ الأحياء أرقاماً بدلاً من الأسماء، ثم تقسم الأحياء لمجاورات، ولا تجد أسماء للشوارع وكأن مصر خلت من العظماء. إن هذه اللجنة ضرورة وأرجو ألا نتأخر في تكوينها لأن الأسماء في عاصمتنا الجديدة يجب أن تكون ذات دلالة.