منذ فجر التاريخ وجيش مصر مثار احترام وتقدير جميع أفراد الشعب،فهو منهم ولهم، ولذا فإن الآلاف من الشباب يتسابقون كل عام للالتحاق بالكليات العسكرية فضلا عمن يتطلعون لدخول الجيش تطوعا في مدارس ضباط الصف،غير عابئين بمايحدث علي أرض سيناء من عمليات إرهابية خسيسة، فعلي الجيش تقوي البلاد كما قال أمير الشعراء شوقي،وفي نفوس المصريين مكانة خاصة للجيش بدأت منذ تكوينه الأول في العصر الفرعوني واستمرت مع تكوينه الثاني في عهد محمد علي،ويذكر التاريخ أنه في سنة 1788قبل الميلاد اشتعلت في مصر الفرعونية ثورة عارمة سقطت علي أثرها الأسرة الثانية عشرة،وكان سبب هذه الثورة الفساد الذي انتشر آنذاك واحتكار السلع من قبل الأغنياء وفرض الرسوم الباهظة علي التجار والصيادين،وبدأت أحداث الثورة بصياد شاب رفض دفع الخراج للجابي فوقعت معركة بينهما انتهت بمقتل الشاب،وتحولت مراسم دفنه إلي مظاهرة للمطالبة بالقصاص،وتحولت المظاهرة فجأة إلي أعمال عنف وتخريب وسلب ونهب استمرت عدة أيام متتالية،فانتشرت الفوضي في كافة الربوع وغاب الأمن وهاجم اللصوص وقطاع الطرق البيوت والمحال وصوامع الغلال،وسقط النظام وتنازع علي الحكم أكثر من ملك في وقت واحد وقد أدي ذلك إلي إهمال الزراعة والتجارة مما ترتب عليه تدهور اقتصادي عظيم وانقسمت البلاد إلي دويلات صغيرة وأقاليم عديدة وانتشرت الجريمة لدرجة أن الرجل كان لا يأمن الخروج من داره - وهذه هي نتيجة مايسمي بالثورة - ولما علم ملك الهكسوس بما آلت إليه الأوضاع في مصر قرر استغلال الموقف ليحقق أمله في نهب خيرات مصر بالإغارة عليها واحتلالها،والهكسوس هم خليط من عدة قبائل بدوية استقرت في فلسطين حقبة من الزمان،وبالفعل تمكن الهكسوس من دخول مصر دون مقاومة تذكر حيث لم تكن مصر قد عرفت بعد أنظمة الدفاع والقتال المنظم أوالجيش النظامي،وكان في الهكسوس قسوة قلب وغلاظة، فقد حرقوا المدن والقري وذبحوا المئات من المصريين ومثلوا بالجثث واتخذوا النساء جواري والأطفال عبيداً ولكنهم لم يتمكنوا من احتلال مصر العليا (الصعيد) حيث أعلن أحد الأمراء هناك نفسه ملكاً علي الوجه القبلي واستمر خلفاؤه من بعده وهم ينتظرون ذلك اليوم الذي تتحرر فيه مصر من الاحتلال الذي أفقدها مكانتها التي كانت عليها منذ أعلنها (مينا) دولة واحدة متماسكة،وحاول سقنن رع أن يقود حملة من الجنوب ضد الهكسوس لكنه لقي حتفه،وهنا قامت زوجته إياح حتب بدور مهم وهي تربية ابنهما الصغير(أحمس) علي ضرورة الثأر لأبيه وتحرير مصر من هؤلاء،وكان أحمس في السادسة عشرة من عمره حين أظهر قدرة عجيبة علي ترويض الخيول وهذا الأمر كان غائباً عن المصريين،وكون أحمس نواة الجيش المصري من أفراد وعتاد،وقام بتدريبهم بنفسه علي استخدام الأسلحة التي صنعها مجموعة من الحدادين،وطلب أحمس من شقيقه الأكبر الملك كاموس - والذي تولي الحكم عقب مقتل والدهما الملك سقنن رع - أن يعطه صلاحيات واسعة تمكنه من تكوين الجيش لطرد الهكسوس،ومن هذه الصلاحيات تعيينه لعدد من النجارين والحدادين برواتب عالية لضمان ولائهم ولضمان سرية ما يفعلون، وعين أحمس أيضاً جواسيس له كانوا يتسللون إلي الدلتا ويقومون بسرقة الأسلحة من الهكسوس لتقليدها، وتفرغ أحمس مدة ثلاث سنوات كاملة لتجهيز الجيش المصري واختيار عناصره من الشباب الأقوياء الذين وضعهم في معسكرات خاصة للتدريب علي استخدام السلاح وركوب العربات الحربية التي صنعها النجارون، وهكذا تكون جيش مصر العظيم وهو من اللحظة الأولي لتكوينه يخضع لنظام مالي خاص يتسم بالسرية،فقد جهز أحمس هذا الجيش في سرية بالغة ولو علم الهكسوس بما يعد لهم لهجموا عليه وأنهوا الأمر،وخلال سنوات الإعداد والتدريب مات كاموس وتولي أحمس حكم مصر العليا متطلعا إلي ذلك اليوم الذي سيعيد فيه الشمال إلي الجنوب،وبالفعل تحرك أحمس بالجيش فالتف حوله الشعب وهتف باسمه وسانده حتي نجح في تحرير مصر بعد مائة عام من الاحتلال محققا الانتصار الأول لجيشنا العظيم،ولما اطمأن علي حدود مصر الشرقية عاد ليهتم بالشئون الداخلية وإصلاح ما أفسده الاحتلال لكنه قرر الحفاظ علي النظام الخاص للجيش وسرية مصروفاته،وتدعيمه وتطويره فعمل علي امتلاك الجيش للمراكب والسفن البحرية لسهولة التنقل من مكان لآخر،وهكذا ولد جيش مصر عملاقا ومنتصرا وسيظل هكذا إلي الأبد،أقول هذا لمن يريدون النيل من جيشنا بفيلم ساذج في قناة مشبوهة وأيضا للذين يتحدثون عن ميزانية الجيش وينتقدون امتلاكه للمصانع المختلفة وإدارته لبعض المشروعات،فعلي هؤلاء أن يقرأوا التاريخ قبل الفتيا بآراء هدامة.