الحوار مع مفكر تركي بحجم الدكتور محمد العادل أستاذ العلاقات السياسية والدولية بأكاديمية العلوم بأنقرة يعد مكسبا صحفيا وسياسيا الآن في ظل أزمة طارئة بين مصر وتركيا ... في هذا الحوار وضعت أسئلتي واضحة ومباشرة.. هل تحلمون بعودة الخلافة الإسلامية .. القصر العثماني.. وهل حكومتكم لاتعرف إلا فصيل الإخوان في مصر وغزة؟ وقد بدا لشعبنا أنكم تضحون بمصلحتكم ومصالحه بهذه التصريحات النارية للسيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء ومواقفه المرفوضة التي تبناها ضد مصر!.. وأسئلة أخري لاحقته بها.. فاعتدل محدثي يتهيأ للإجابة مؤكدا صراحته ووضوحه مبدئيا ثم قال: عودة الخلافة الإسلامية حلم وردي في ليلة صيف.. لايقول به إلا مخبول.. والأزمة بيننا وبين مصر خطأ مشترك في قراءة واقعنا المشترك علي النخب أن تعيد قراءته. .. مصر كبيرة ومهمة والعرب قبلتنا بعد أن حددنا خياراتنا وتجاوزنا فكرة التوجه نحو الاتحاد الأوروبي.. الخطأ ثابت في الجانبين وإن كنت أشعر أن تركيا تسعي لتصحيح موقفها الآن وتبحث في أنقرة عن آليات مشتركة لعودة العلاقات علي أسس جديدة راسخة.. أمامنا فرص حضارية وثقافية وفنية قادرة علي ضمان قوتنا وتأثيرنا في المنطقة. عودة الخلافة الإسلامية حلم مستحيل! أنقرة تسعي لاحتواء الأزمة مع مصر الآن باهتمام قراءة واقعنا بعين واحدة أضرت بالمصالح المشتركة بيننا النخب العربية أخطأت عندما أهملت اتصالها بالأحزاب الليبرالية التركية والقومية أدعو الإعلام لتبني ثقافة التقارب والتصالح بين العرب والأتراك التقارب المصري الروسي مناورة عمرها قصير جدا تدريس العربية رسميا في بلادنا رسالة مهمة للعرب أعرف أن القارئ العزيز ينتظر إجابة سريعة من ضيفنا المفكر التركي الدكتور محمد العادل عن تصوره للأزمة المصرية التركية أسبابها ومتي تنتهي وعن رأيه في انحياز الحكومة التركية إلي جانب جماعة الإخوان المسلمين في تحد سافر للشعب وإرادته وهل هي شهوة العودة إلي مجد غابر عبر الخلافة الإسلامية المزعومة.. بالفعل حصلنا علي إجابات شافية لكن لأن الرجل صاحب مشروع حضاري إنساني يسعي لتحقيقه من خلال الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون التي يرأسها مؤمنا بأن الشعوب تصنع السياسة بشرف وتمارسها بشرف وأن الشعوب دائما هي حارسة العلاقات ورادعة الحكومات عندما تحتدم الأزمات فضلا عن إيمانه بأن تركيا أولي بميحطها الإسلامي والعربي وأن التقارب العربي التركي قوة توازن في المنطقة لا يستهان بها.. ومن هنا بادرته بهذا السؤال: الجمعية التركية العربية لماذا.. وماذا أنجزت؟ أجيبك بصراحة ووضوح أخ تهامي.. برغم المشتركات المؤكدة بين العرب والأتراك ومنها مشترك ديني وحضاري وجغرافي إلا أننا نعيش قطيعة حقيقية علي مستويات عدة وقد يستغرب البعض أن القطيعة لم تكن سياسية واقتصادية بل ثقافية بامتياز رشحها أعداء الأمة الذين رأوا أن هذين العمادين الأساسيين لأمة العرب والأتراك.. هذا إذا عرفنا أن النهضة الإسلامية التي يشهدها الزمان ويفخر بها حققها العرب أولا وأنجزوها بامتياز ثم أخذها الأتراك ونقلوها إلي مستوي عالمي آخر.. أعداء الأمة أدركوا خطورة هذا التقارب العربي التركي عن مخططاتهم التي تهدف إلي تقسيم الأمة وإضعافها فعملوا علي إقامة جدار وهمي من القطيعة بيننا وهذا الجدار حولته النعرات القومية التركية والعربية إلي جدار حقيقي كان سببا مباشرا في تعميق القطيعة الثقافية في غياب أي شكل من أشكال الحوار بين العقل العربي والتركي تمثل في غياب التعاون بين الجامعات التركية والعربية وعدم وجود فضاءات وفعاليات ثقافية وفنية تجمع النخب العربية والتركية للتبادل العلمي والثقافي وهذا يضمن استمرار قوة العلاقات.. ولو أضفت متألما القطيعة السياسية والاقتصادية أحيانا ستري العلاقات متشنجة أحيانا وبلا مبرر.. ومن هنا.. كانت فكرة الجمعية التركية العربية للعوم والثقافة والتي بدأت فكرتها ونشاطها عام 0991 وقد رأت هذا الواقع وأدركت خطورته فرسمت لنفسها رؤية تعمل بها وتساهم في بناء جسر جديد بين العرب والأتراك يقوم علي مبدأ الشراكة في كل شيء.. كما أن كل عملنا ينطلق من شعار أساسي »بعيدا عن الخلافات السياسية والأيديولوجية« نحن نعمل بين الشعبين العربي التركي وهو عمل مدني بامتياز وغايتنا أن نجمع الشعبين علي أرضية واحدة هي أرضية المشترك الحضاري والثقافي والديني والمصالح المشتركة. الشراكة العلمية إذن ماهي أدواتكم ومن يساندكم دعما لتحقيق هذه الأمنيات الغالية؟ أولا: قلت أهم أدواتنا هي الشراكة العلمية وهي تسعي وتحقق بناء جسور بين الجامعات ومراكز البحث والدراسات العربية والتركية وبناء حوار حقيقي ومباشر بين النخب كما ذكرت. ثانيا: نعتقد جازمين بأهمية دور الإعلام في تصحيح صورة كل طرف لدي الآخر لذا نولي الإعلام أهمية كبيرة ونعمل بهمة لبناء جسر التعاون بين الإعلاميين والصحفيين العرب والأتراك من خلال منتديات وملتقيات كثيرة أبرزها منتدي الإعلام التركي العربي الأول وقد عقد باسطنبول منذ عامين وجمع نخبا متميزة من الصحفيين والإعلاميين وكان ناجحا بامتياز في رسالته.. إننا بالفعل نسعي لصياغة خطاب إعلامي مشترك أو علي الأقل متقارب يخدم المصالح المشتركة. ثالثا: أدواتنا التي تفضلت بالسؤال عنها.. المجتمع المدني ونحن ندرك حجم المنظمات الأهلية في الجانبين وهي بالفعل كثيرة جدا وكلاهما له تجربة بل تجاربه الثرية في العمل المدني ولكن بكل أسف لايوجد أي شكل من التعاون بينهم ولهذا.. والكلام للدكتور محمد العادل نطرح كثيرا من برامج العمل المشترك لتفعيل التعاون وتنشيطه بيننا لتبادل الخبرات والاستفادة من إمكانيات الطرفين. رابعا: اللغة العربية والتركية.. نحن ندرك أن اللغة واحدة من أهم أدواتنا الأساسية في تحقيق التقارب بين الشعبين.. لذا فإن عدم إجادة الأتراك للغة العربية أو العرب للغة التركية يشكل عائقا كبيرا وسدا منيعا أمام التقارب ومن هنا فالجمعية تشرف علي دورات لتعليم اللغتين ودعم مؤسسات تعليم اللغة العربية في تركيا وأقسامها بالجامعات كما تتيح المجال للطلبة الأتراك لمواصلة دراساتهم العليا في بعض الجامعات العربية خاصة في الآداب واللغة كما نعمل علي دعم حضور اللغة التركية في البلاد العربية بنفس الأسلوب. عودة العربية لتركيا إذن أنت توجه دعوة إلي النخب العربية والمصرية؟ يقول المفكر السياسي د.محمد العادل: بالفعل أنا أدعو هذه النخب لقراءة الواقع الآن.. قد لايصدق أحد ولا يعلم أن القرار السياسي التركي يدعم الآن وبشكل واضح وعظيم تعليم العربية في الجامعات والمعاهد والمدارس الثانوية وحتي الأكاديميات العسكرية ومعني ذلك أن الفرصة مواتية تماما ومفتوحة أمام اللغة العربية في تركيا وحتي تستعيد مكانتها العالمية.. لذا فأنا أدعو النخب العربية والمصرية علي وجه الخصوص وكل الغيورين علي اللغة العربية ودعني أخصص أكثر الأزهر الشريف قلعة الإسلام وحصن اللغة وحارسها القوي الأمين أدعو الجميع أن يستثمروا هذا الظرف التاريخي الذي تعيشه تركيا من أجل خدمة اللغة العربية لغة القرآن الكريم.. ويبدو أهمية ما أقول وأدعو إليه أن نعرف جميعا أن اللغة العربية صدمها قرار يحرم ويجرم تدريسها وتعليمها في تركيا عشرات العقود. الخلافة أضغاث أحلام دكتور محمد.. كيف نقرأ بوضوح محاولات الحضور السياسي التركي بقوة في الشرق الأوسط وهل هي أحلام عودة الخلافة الإسلامية إلي القصر العثماني؟ يضحك د.محمد من قلبه ويقلب كفيه عجبا من سؤالي.. ثم تستقر ضحكته ويقول: أولا: كل النخب العربية وأنا منهم باعتبار أنني من أصل تونسي كنا نلوم تركيا علي لهثها وراء الاتحاد الأوروبي وإدارة ظهرها للأمة العربية.. اليوم وبعد أن راجعت تركيا خياراتها السياسية والاستراتيجية والثقافية وبدأت تتوجه إلي سياسة التوازن بين الشرق والغرب وبدأت مصالحة حقيقية مع محيطها العربي والإسلامي وحتي الأفريقي وفعلا بدأت تتوجه إلي إقامة تعاون حقيقي مع الشعوب العربية والإسلامية في هذا المنعطف التاريخي المهم بدأنا نسمع من النخب العربية سؤالا مختلفا عن سؤالك وهو: لماذا تأتي تركيا إلينا؟ وأنا إذا سمحت لي أطرح سؤالا ثالثا: كيف نستثمر هذا التوجه التركي نحو المحيطين العربي والإسلامي بما يخدم قضايانا ويحقق المصالح المشتركة. ثانيا: إن مسألة الترويج للبعد العثماني (العثمانيون الجدد) في التوجه التركي نحو البلاد العربية لا يخرج عن كونه دعاية غربية لعرقلة التقارب بيننا ثم لتخويف العرب من التوجه التركي كما يخوفونهم من التوجه الإيراني.. وهنا أقول بضمير مستريح ينبغي لأمتنا ألا تتخوف أبدا من التوجه التركي نحو العرب والمسلمين.. بل ينبغي علينا أن نقرأ هذا التوجه بشكل عقلاني وفي ضوء المصالح المشتركة بعيدا عن المزاجية والعاطفية والقراءات الخاطئة لهذه الحالة في هذا الظرف المهم.. ومن هنا أقول للإخوة العرب في مصر وتونس والجزائر والسعودية وسائر بلاد الأمة من خلالك ياأخ تهامي وأنت إعلامي أمين وقدير كما عرفناك.. أقول لهم: عودة الخلافة الإسلامية إلي القصر العثماني أضغاث أحلام في ليلة صيف..!! فلا هي مطروحة أصلا في الذهن التركي خاصة الذهن السياسي ولاهي ممكنة في الواقع الآن وأزيدك صراحة لأني أحبك نعم أعرف أن المجتمع التركي بداخله حنين إلي الماضي وأمجاد الأجداد وهذه نتيجة الرغبة في العودة إلي الهوية التركية المسلمة بعد أن مسخها التوجه العلماني وهذا شعور يفرح كل عربي ومسلم أو هكذا ينبغي.. فالمأمول والمطروح أن يعود الشعب التركي إلي هويته المسلمة.. ولم يخطر ببال أحد عودة الخلافة الإسلامية إلي القصر السلطاني.. كلام لا يتصوره عاقل ولايقول به إلا مخبول!! تركيا والإخوان د.محمد العادل: لماذا إذن ينصب الدعم التركي إلي فصيل الإخوان المسلمين متجاهلا التيارات الشعبية والسياسية في الساحة العربية.. لماذا؟ يقول: أنا كباحث معني بالشئون العربية التركية أدرك تماما أن ثمة خللا لايزال هناك في نظرة كل طرف للآخر.. وأقول ليس الخطأ في الجانب التركي فقط.. وإنما الخطأ شائع في الجانب العربي أيضا.. وأقصد أن الأتراك في الحكومة التي تدير الدولة الآن بين قوسين (العدالة والتنمية) مازالوا ينظرون إلي العرب بعين واحدة وهي أن كل العرب مسلمون أو إسلاميون بالضرورة.. بنفس النظرة الجانب العربي يري الأتراك بعين واحدة ويعتقدون أن تركيا إسلامية بالضرورة متجاهلين بقية الأطراف السياسية والأيدلوجية علي الساحة التركية وقل لي ياأخ تهامي بصراحة: من هم النخب والأحزاب العربية التي سعت للتواصل والتعاون مع الأحزاب العلمانية والليبرالية والقومية التركية وغيرها.. لقد ركزوا جميعا عند الدخول إلي تركيا علي بوابة التيارات الإسلامية فقط بألوانها المختلفة.. لذا ينبغي علينا في العروبة وتركيا أن نتدارك هذا الخطأ ونصححه بأن ننظر إلي بعضنا بعينين اثنتين وليس بعين واحدة ويكون المعيار أن النخب العربية تحتاج تركيا كل تركيا وليس الإسلاميين فقط والنخب التركية تحتاج كل العرب وليس الفصائل الإسلامية فقط.. والآن أنصح الجميع أن يبحثوا عن المشتركات والمصالح بعيدا عن الحسابات الصغيرة. وكيف تقرأ الأزمة المصرية التركية الآن وكيف لنخبكم وجمعيتكم أن تعملوا في عودة الدفء للعلاقات بينهما؟ يقول د.العادل: الأزمة هذه تعكس بوضوح جلي أن مستوي التعاون بين الطرفين والحوار مازال سطحيا وقاصرا.. بمعني أن الطرف التركي لم يقرأ باهتمام وعمق التحولات الجارية في مصر كما أن النخب المصرية لم تقرأ الذهنية السياسية التركية بعمق.. إذن نظرة الطرفين سطحية جدا وهذا تسبب مباشرة في أخطاء بارزة في المواقف السياسية وعلي هذا أنا كرئيس للجمعية التركية العربية وكمفكر عربي تركي أدرك خطورة هذه الأزمة وأنبه الجميع أن مصر وتركيا بمثابة القاطرة الكبيرة التي تجر المنطقة وبدونهما يصعب تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة لهذا لابد أن تأخذ الفعاليات الفكرية الثقافية والمدنية والإعلامية دورها الحقيقي وتتحمل مسئولياتها في رأب الصدع والتوجه نحو خطاب إعلامي وسياسي إيجابي يراعي مصلحة الطرفين وأنا علي ثقة بأن النخب التركية في كل مستوياتها لديها رغبة شديدة بألا نخسر مصر وأصارحك أري وأشعر هنا بأن ثمة توجها في أنقره لاحتواء الأزمة والبحث عن آلية مشتركة لعودة العلاقات إلي أعلي مستوياتها وأكثر مما سبق. مصر حرة كبيرة هل أنتم منزعجون من توجه مصر نحو روسيا؟ لا.. بالمرة مصر حرة وأبية وعزيزة وكبيرة ومهمة وأكبر من أن ترجع إلي بيت الطاعة الروسي.. لقد حسمها الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله.. الأمر لايعدو مناورة سياسية سرعان ماتنتهي.. وهل تظن أن أمريكا ستقف متفرجة.. لا أظن!!