البورصات الخليجية تغلق على تباين مع تصعيد ترامب حربه التجارية    إسرائيل تهاجم 150 هدفا في غزة.. وسقوط مئات القتلى والجرحى    السيسي يبحث تعزيز التكامل القاري مع عدد من القادة الأفارقة    الثالث من سيراميكا.. الاتحاد السكندري يتعاقد مع عبد الرحمن بودي    تقرير: يوفنتوس يتفق مع سانشو على بنود عقده    وزير العمل يُسلم عقود جديدة لذوي همم بالقاهرة    تشميع أكاديمية تمريض وضبط لحوم فاسدة ومحال مخالفة في حملة رقابية ببني سويف    مدحت صالح يحيي حفلًا غنائيًا بمكتبة الإسكندرية ضمن مهرجان الصيف الدولي    الجَدّ    «الصحة» تعلن الانتهاء من تنفيذ المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سي لطلاب المدارس    اجتماع تمهيدي في مدينة حلايب لمناقشة المخطط الاستراتيجي الجديد    الإحصاء: 9.1% زيادة في قيمة رأس المال المدفوع للهيئات الاقتصادية عام 2023 - 2024    مصدر يكشف لمصراوي سبب تأخر بيراميدز في ملف التعاقدات الصيفية    مايا مرسى تكرم «روزاليوسف» لجهودها فى تغطية ملفات الحماية الاجتماعية    مشروع قبريط ابتلع أحمد وعبدالحميد.. غرق شقيقين في ترعة بكفر الشيخ    إحالة أوراق صاحب محل وسائق للمفتى بالقليوبية    تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. تفاصيل الدراسة في برنامج طب وجراحة حلوان    توافد ممثلي الأحزاب على مقر حزب الجبهة الوطنية    هنو يلتقي عددًا من السفراء المرشحين لتولي مهام التمثيل الدبلوماسي لمصر    الرئيس التركي يبحث مع نظيره الإماراتي تخليص المنطقة من الإرهاب    4 أشقاء راحوا في غمضة عين.. التحقيق مع والدي الأطفال المتوفين في المنيا    الأكثر فاعلية، علاج القولون العصبي بالأنظمة الغذائية الصحية    نقيب الصحفيين: علينا العمل معًا لضمان إعلام حر ومسؤول    أخبار السعودية اليوم.. مطار الملك خالد يحقق يقتنص مؤتمر الأطعمة والضيافة في برشلونة    أحدهما يحمل الجنسية الأمريكية.. تشييع فلسطينيين استشهدا جراء هجمات مستوطنين بالضفة    وزير قطاع الأعمال العام: انفتاح كامل على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص    التعليم العالي: احتفالية بمناسبة مرور 50 عامًا على التعاون العلمي بين مصر وإيطاليا    وزراء العدل والتخطيط والتنمية المحلية يفتتحون فرع توثيق محكمة جنوب الجيزة الابتدائية | صور    عرض جديد من أرسنال لخطف نجم الدوري البرتغالي    وكيل الأزهر يدعو الشباب للأمل والحذر من الفكر الهدام    نجم مودرن سبورت.. صفقة جديدة على رادار الزمالك    وزير الأوقاف: شراكة الإعلام والمؤسسات الدينية خطوة تاريخية لمواجهة تحديات العصر الرقمي    خبراء: قرار تثبيت أسعار الفائدة جاء لتقييم الآثار المحتملة للتعديلات التشريعية لضريبة القيمة المضافة    علامات تشير إلى وجود دهون حول قلبك.. تعرف على المخاطر المحتملة    تامر حسني يعلن عن مسابقة بالتزامن مع طرح ألبومه "لينا معاد"    4 أبراج تقول «نعم» دائما حتى على حساب نفسها (هل أنت منهم؟)    الأحوال المدنية تواصل خدماتها المتنقلة لتيسير استخراج المستندات للمواطنين    مساعدات أممية طارئة لدعم الاستجابة لحرائق الغابات في سوريا    مكافحة الحرائق.. مشروع تخرج بهندسة المطرية -تفاصيل    محافظ أسوان: دخول 24 مدرسة جديدة للعام الدراسي القادم    بعد قبول الاستئناف.. أحكام بالمؤبد والمشدد ل 5 متهمين ب«خلية الإسماعيلية الإرهابية»    الكشف على 31 ألف مواطن بالمبادرات الصحية بشمال سيناء خلال 2025    ربيع ياسين: الأهلي اتخذ القرار الصحيح برحيل أحمد عبدالقادر    هل يجوز إجبار الفتاة على الزواج من شخص معين وهل رفضها عقوق؟.. أمين الفتوى يجيب    الوطني الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي بإقامة"المدينة الإنسانية" لا يمت بأي صلة للقيم الإنسانية    حالة الطقس في الإمارات اليوم.. صحو إلى غائم جزئياً    القديس يعقوب بن زبدي.. أول الشهداء بين الرسل    لاعب الأهلي السابق يكشف عن أمنيته الأخيرة قبل اعتزال الكرة    الشيخ أحمد البهي: لا تكن إمّعة.. كن عبدًا لله ثابتًا على الحق ولو خالفك الناس    النسوية الإسلامية.. (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ): خاتم الأنبياء.. وهجرة الرجال والنساء! "131"    عبد الحليم حافظ يرفض العالمية بسبب إسرائيل    هل يحق للعمال مطالبة المؤسسة بالتدريب والتطوير؟    مستوطنون يحرقون بركسا زراعيا في دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة    في شهادة البكالوريا .. اختيار الطالب للنظام من أولى ثانوى وممنوع التحويل    أفضل أدعية الفجر.. 10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    وكالة فارس: الرئيس الإيراني أُصيب في هجوم إسرائيلي استهدف اجتماعا سريا للأمن القومي في 16 يونيو    للمرة الثانية.. سيدة تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بقنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تركيا والعرب.. من العثمانية إلى العلمانية / مصطفى الفقي
نشر في محيط يوم 15 - 07 - 2008


تركيا والعرب.. من العثمانية إلى العلمانية
مصطفى الفقي
دولة ذات طابع خاص فهي دولة عضو في الحلف الأطلسي كما أنها تلهث وراء عضوية الاتحاد الأوروبي، وتاريخها "البيزنطي" بحر متوسطي وتاريخها "الإسلامي" شرق أوسطي. إنها تركيا تلك الدولة التي لم نُحسن نحن العرب استخدام دورها وتوظيف وضعها من أجل دعم موقفنا في الصراع العربي - الإسرائيلي أو في القضية العراقية أو حتى المسألة الإيرانية، وظلت تركيا في الذهن العربي حبيسة الصورة التقليدية للسلاطين والقصور والغزوات والفتوحات وترسبت حساسيات تاريخية وضعت حاجزاً بين بعض العرب والدولة التركية الحديثة. ولقد كتبت شخصياً منذ فترة دراسة تحت عنوان "هل نحن في حاجة إلى أتاتورك عربي؟!"
وكنت أعني بذلك السعي نحو فك الاشتباك بين الدين والسياسة في العالمين العربي والإسلامي، وأنا ممّن يظنون أن ميلاد تركيا الحديثة بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد الغازي مصطفى كمال (أب الأتراك) القادم من إقليم سالونيك والذي تحيط بأصوله العائلية وبدوره السياسي بعض علامات الاستفهام، حقق لتلك الدولة انجازاً انتزعها من قلب الامبراطورية الإسلامية إلى الإمساك بتلابيب الثوب الأوروبي.
وعندما استبدل الأبجدية اللاتينية بالعربية ورفع الطربوش من فوق الرؤوس التركية وجعل القبعة الأوروبية بديلاً لغطاء الرأس "العثمانلي" فإن مصطفى كمال لم يكن يغير فقط شخصية تركيا الدولة ولكنه كان يعبث في الوقت ذاته بآخر خلافة إسلامية عرفها المسلمون في غرب آسيا وشمال أفريقيا والبلقان وغيرها من أصقاع الدولة الإسلامية الكبرى. ولعلي هنا أوجز رؤيتي للمشروع التركي الحديث وعلاقته بالعرب من خلال الملاحظات التالية:
1- فوجئنا أخيراً بعدد من الكتابات الغربية في أوروبا وغيرها تتباكى على السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية، ووجهة نظر أصحابها أن تلك الدولة العثمانية - برغم كل ما عليها وآلام "رجل أوروبا المريض" في آخر قرن له - كانت بمثابة مظلة للإسلام والمسلمين بينما أدى سقوطها إلى ظهور النزعات القومية والنعرات العرقية بل وميلاد الظاهرة الإرهابية ذاتها، ويضيفون إلى ذلك أن وجود الخلافة الإسلامية العثمانية حتى في سنوات ضعفها كان بمثابة وجود كبير العائلة الإسلامية الذي يمكن الرجوع إليه وتأديب الدول بل والشعوب من خلاله، وهذا منطق غريب، فالغرب الذي صفق لسقوط الخلافة ورحب بتركيا العلمانية هو الذي يبدي أسفه الآن لأن تلك الخلافة كانت غطاءً يخفي تحته مآسي العالم الإسلامي ومشكلاته وصراعاته، كما أنها كانت مظلة تحجب عن الغرب التوجهات المتطرفة والسياسات المتشددة والمعادية للأفكار الغربية والحضارة الأوروبية.
2- يرى كثير من المؤرخين وعلماء السياسة أنه ليس من قبيل المصادفة أن تظهر نداءات قوية في العالم الإسلامي مطالبة بإحياء الخلافة فور سقوطها بدءاً من اجتهادات الشريف حسين الذي كان يريد أن يكون "ملك العرب" مروراً بالعرش العلوي في مصر خصوصاً في عهد الملك فؤاد الأول وصولاً إلى انجازات الملك الموحد عبدالعزيز بن سعود. كما عقدت المؤتمرات المتباكية على الخلافة والداعية إلى عودتها في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه بدءاً من الهند وصولاً إلى القاهرة مروراً بالعاصمة البريطانية. كما أنه لم يكن من قبيل المصادفة أبداً أن يُعلن الإمام الشهيد حسن البنا ميلاد جماعة "الإخوان المسلمين" من مدينة الإسماعيلية - التي كان يتواجد فيها عدد لا بأس به من الأجانب عام 1928 - بعد سنوات قليلة من سقوط الخلافة وتأسيس أتاتورك للجمهورية الحديثة وعاصمتها أنقرة وسط الجبال الحصينة لكي يقول للعالم كله إن الإرث العثماني انتهى، حتى عاصمته تغيرت. ولا شك أن قيام جماعة "الإخوان المسلمين" في ذلك التوقيت كان تعويضاً شعبياً ونفسياً عن انهيار دولة الخلافة وسقوط المظلة التي عاش تحتها المسلمون لقرون عدة.
3- إن العلمانية التركية والتي نص عليها الدستور ويحميها الجيش التركي بكل تشدد ويقظة هي الأخرى ظاهرة تستحق التأمل خصوصاً أنها تحاول تقديم نموذج جديد للدولة العصرية التي لا تتنكر لإسلامها ولكنها ترفض تدخله في المسار اليومي لحياتها. ولقد عدتُ من زيارة أخيرة إلى اسطنبول حيث ألقيت محاضرة تدور حول أفكار هذا المقال - وذلك في المركز الثقافي المصري - ولقد راعني وجود حقيقة لا تخلو من غرابة وهي أن الدولة علمانية ولكن الشعب ما زال يعيش روح الدولة الإسلامية وما يرتبط بها وما ينطلق عنها.
4- إن غلاة خصوم الدولة العثمانية لا يستطيعون المكابرة بالقول إن تاريخ تلك الدولة كان فقط متمثلاً في سلبيات ذلك العصر وجرائمه، بينما الحقيقة غير ذلك، فإذا كنا نعيب على الأتراك مثلاً أنهم لا يعترفون بالقادم الجديد إلا إذا تأكدوا أن لهم مصلحة مباشرة فيه، إلا أن ذلك لا يعني أنهم ينفردون بهذه الصفة، فالمصلحة وحدها هي الفيصل في تحديد مستقبل الشعوب. ولقد رأى الأتراك - وربما كان معهم بعض الحق - أن الدولة التركية الحديثة إذا جاءت في مؤخرة أوروبا فذلك أفضل لهم من أن يكونوا في مقدمة الشرق الأوسط! وتلك قضية نسبية لا يحكم عليها إلا الأتراك أنفسهم وهم الذين يعانون حالياً من صراع مكتوم بين بقايا الإرث العثماني وتركة "الرجل المريض" في جانب، وبين الدولة الحديثة ومبادئ العلمانية في جانب آخر.
5- دعنا نعترف بشجاعة أننا لم نتعامل مع الأتراك في العقود الأخيرة على النحو المطلوب، فتارة هم حلفاء إسرائيل استراتيجياً وشركاء في التصنيع العسكري معها، وتارة أخرى هم رأس جسر الأطلسي والسياسة الأميركية وأحلافها في المنطقة، حتى أن الرئيس الراحل عبدالناصر طرد السفير التركي من دار الأوبرا المصرية أثناء حفل رسمي لأنه انتقد قانون "الإصلاح الزراعي" في السنوات الأولى لثورة تموز (يوليو) 1952 بينما كان يجب تناول الجوار التركي بشكل مختلف تماماً بحيث يمكن توظيف دور تركيا في تسوية الصراعات العربية - الأجنبية وفي مقدمها الصراع التاريخي مع إسرائيل، خصوصاً أن تركيا دولة ذات بأس تتصرف دائماً بقدر من الاستقلالية ورشد القرار. ولعلنا لا نزال نتذكر عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية العراق واتخذت تركيا موقفا ذكياً تحصد به من كل الأطراف ولا تخسر واحداً منها، وإذا كنا فطنا أخيراً إلى أهمية دور تركيا والتفكير في إعطائه صفة مراقب ومعها إيران أيضاً في الجامعة العربية، فإن ذلك وإن كان تفكيراً حكيماً إلا أنه جاء متأخراً وهنا لا ينبغي أن ننسى أن رفض تركيا قيام "دولة كردية" يسهم تلقائياً في وحدة العراق ولو في ظل "فيديرالية" مقبولة.
6- لعلنا لا نزال نتذكر ما حدث عام 1998 عندما احتشدت فرق الجيش التركي على الحدود السورية في محاولة للاعتداء عليها وتصفية حسابات تاريخية معها كان آخرها اتهام دمشق بدعم متمردي "حزب العمال الكردستاني" بقيادة عبدالله أوجلان، في ذلك الوقت تدخل الرئيس المصري حسني مبارك بين الرئيس التركي سليمان ديميريل وحكومة بلاده في جانب وبين الرئيس الراحل حافظ الأسد - رفيق السلاح - في جانب آخر، حتى تراجع الأتراك عن التفكير في مغامرة غير محسوبة كان يمكن أن تؤدي إلى صراع عربي - تركي مواز للصراع العربي - الإسرائيلي، خصوصاً إذا تم ذلك في ظل العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين تركيا وإسرائيل.
7- إن الحوار غير المباشر الذي بدأ أخيراً بين سورية وإسرائيل من خلال وساطة تركية هو في ظني استدراك رشيد لإمكانية توظيف الديبلوماسية التركية لخدمة أهداف الأطراف كافة في معادلة الشرق الأوسط الصعبة والمعقدة، ومهما كان مصير هذه المفاوضات غير المباشرة والتي قد تتحول يوماً ما إلى مفاوضات مباشرة، إلا أنها تأكيد على ايجابية الدور التركي خصوصاً أن العلاقات بين دمشق وأنقرة قطعت شوطاً بعيداً على طريق التحسن والتقدم والازدهار، وهو أمر يحسب لصالح الأمة العربية عندما تكون دول التخوم المجاورة ذات ارتباط طيب بالشعوب العربية ونظمها السياسية، ولقد بح صوتنا ونحن نطالب بمزيد من الانفتاح على الدولة التركية، بل وإيران أيضاً، خصوصاً أن ذلك سيفتح أمام الدول العربية طريقاً جديداً قد يكون من صالحها ولو بعد حين.
هذه ملاحظات سبع استقيناها من الخواطر التي عبرت في ذهننا ونحن في مدينة اسطنبول نشعر بالتقدم الصناعي ورقي المدينة التي ظللنا نستنشق من رحيقها عطر السنين الخوالي. ألم أقل لكم من البداية أننا يجب أن نتعامل مع الجانب التركي باعتزاز وتقارب بدلاً من الشك والتنافر؟ وتلك حقيقة يجب أن نتحلى بها لأن فيها تعظيماً لعلاقات قوية وقديمة بين الدول العربية والإسلامية في جانب وتركيا وريثة الخلافة المفقودة في جانب آخر، كما أن التعددية في آفاق السياسة الخارجية التركية تبدو هي الأخرى ميزة نسبية يمكن أن نستفيد بها في مستقبل العلاقات مع أنقرة خصوصاً أن قطاعات كبيرة من الشعب التركي لا تزال على ولائها لدينها الحنيف وتراثه الضخم وتنظر إلى ماضيها بكثير من الاعتزاز، كما أن صيغة الحكم قد تكون هي الأخرى صيغة توفيقية بين العثمانية والعلمانية. ولكن يبقى السؤال المطروح هو: أين نحن العرب من كل هذا؟
عن صحيفة الحياة
15/7/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.