لازلت أذكر ما كنت أشعر به عندما وقفت أمام قبر الرسول الكريم([) وصاحبيه أبي بكر وعمر. إن الإنسان يعجز عن وصف هذه المشاعر والأحاسيس.. فالرسول الكريم([) هو آخر رسل الله، وكان قرآنا يمشي علي الأرض كما وصفته السيدة عائشة (رضي الله عنها). وأبو بكر الصديق هو أول من أسلم من الرجال، وخليفة الرسول العظيم([) الذي قضي علي الردة والخارجين عن الإسلام، ووحد الأمة الإسلامية تحت راية واحدة. وعمر بن الخطاب الذي دعم الحكم الإسلامي، واستطاع أن يقضي علي إمبراطورية الفرس، ويحطم الإمبراطورية الرومانية، وبعدله وبحكمته وقوة شخصيته جعل الحضارة الإسلامية تغزو العقول والقلوب، وتمد ضوء حضارة الإسلام إلي أماكن لم تكن تخطر علي بال. وما أعظمه عليه الصلاة والسلام بين أصحابه.. وهو ينصحهم حتي يكونوا علي بينة من أمور دينهم، ثم يشعر عليه الصلاة والسلام بقرب أجله، وقرب مفارقة الدنيا فحين بعث »معاذ بن جبل« إلي اليمن خرج معه إلي ظاهر المدينة وهو يوصيه: »يا معاذ .. إنك عسي ألا تلقاني بعد عامي هذا.. ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري! وبكي معاذ مخافة فراق أعظم رسل الله.. والتفت النبي ([) نحو المدينة وقال: »إن أولي الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا«. لم تزد المدة التي عاشها الرسول الكريم([) بعد حجة الوداع عن واحد وثمانين يوما. وذهب مرة إلي البقيع، وأخذ معه خادمه (أبي مويهبة).. وأبو مويهبة يحدثنا عن ذلك فيقول: »بعثني رسول الله([) في جوف الليل، فقال لي: إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي. فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولي. ثم أخذ يستغفر لأهل البقيع ويمرض الرسول([) بعدها، ثم تعرج روحه إلي الملأ الأعلي، ثم دفن حيث قبض في حجرة عائشة. قال أنس بن مالك يصف هذا المشهد الحزين: »لما كان اليوم الذي دخل فيه النبي([) المدينة أضاء منها كل شيء. فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا أيدينا من دفنه حتي أنكرنا قلوبنا«.. صلي الله عليه وسلم..