أحس الرسول الكريم باقتراب أجله في أيامه الأخيرة، وخرج مع معاذ بن جبل إلي خارج المدينة وهو يودعه عند ذهابه إلي اليمن، وكان ذلك قبل حجة الوداع، فكان مما قال له: يامعاذ.. إنك عسي ألا تلقاني بعد عامي هذا! ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري. وبكي معاذ خشية فراق أعظم رسل الله، ثم التفت النبي ( صلي الله عليه وسلم ) نحو المدينة وقال: »إن أولي الناس بي المتقون، من كانوا وحيث كانوا وذهب الرسول الكريم ذات يوم بعد عودته من حجة الوداع ليزور أصحابه بالبقيع الذين رحلوا عن دنيانا، وأخذ معه خادمه (أبامويهبة)«.. قال أبومويهبة: بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم من جوف الليل فقال لي: إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي. فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: السلام عليكم أهل المقابر ليهن ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه.. أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولي.. ثم أخذ يستغفر لأهل البقيع وانصرفنا وعاد الرسول الكريم إلي بيته وبدأ يعتريه المرض.. وفي أثناء مرضه كان يتحامل علي نفسه، ويخطب الناس ويوصيهم وصاياه الأخيرة. قال ابن مسعود: ولما دنا الفراق جمعنا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم) في بيت أمنا عائشة فكان مما قال لنا ومما وصانا به لا تؤذوني بعد وفاتي بتزكية، ولا برنة (صرخة) ولا بصيحة، وليبدأ بالصلاة عليٌ رجال أهل بيتي، ثم نساؤهم، ثم سائر الناس، أقرئوا أنفسكم مني السلام، فإني أشهدكم أني قد سلمت علي من بايعني علي ديني من اليوم إلي يوم القيامة. ويشتد المرض علي النبي الخاتم، ويودع الحياة بعد أن أدي الأمانة علي أكمل وجه. وما كاد الناس يعلمون بالخبر حتي أذهلهم ذلك.. وقد أفاق الناس عندما خطبهم أبوبكر الصديق وقال: أيها الناس.. من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وكانت »فاطمة« رضي الله عنها قد قالت لأنس بن مالك بعد عودته من دفن الرسول.. ياأنس: كيف طابت أنفسكم أن تنثروا التراب علي رسول الله؟ وأجابها أنس بدموع تتساقط من عينيه.