حتي كتابة هذه السطور.. لم تحسم لجنة الحقوق والحريات، المشكلة داخل لجنة الخمسين لتعديل الدستور، الجدل الدائر حول إطلاق حق التصويت بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وغيرها، بما يسمح لمؤسستي القوات المسلحة، والشرطة بالتصويت فيها. الجدل لا يزال دائراً، ولم تستقر اللجنة علي رأي واضح، إلا أن بعض المصادر داخل اللجنة، تؤكد أن هناك اتجاهاً لعدم فتح المجال للمؤسستين بالتصويت، مشيرة إلي أن اجتماع هيئة مكتب لجنة الخمسين بممثلي الجيش اللواءين محمد العصار، وممدوح شاهين، لمناقشة مواد القوات المسلحة، انتهي دون الوصول لصيغة نهائية حول وضع الجيش بالدستور، وخاصة فيما يتعلق بتصويت العسكريين في الانتخابات، والمحاكمة العسكرية للمدنيين، وموافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي تعيين وزير الدفاع. وتنوي لجنة الخمسين، في غضون الأيام القليلة المقبلة، ترتيب لقاء يجمع رئيسها عمرو موسي، مع وزير الدفاع، الفريق أول عبدالفتاح السيسي، لحسم المواد الخلافية المتعلقة بوضع الجيش في الدستور. كان المتحدث باسم لجنة الخمسين لتعديل الدستور، محمد سلماوي، وخلال مؤتمر صحفي، قد أكد أنه تم الاتفاق بين ممثلي القوات المسلحة، ولجنة الخمسين، علي تشكيل لجنة مصغرة يرأسها رئيس لجنة الصياغة، الدكتور عبدالجليل مصطفي، وتضم ممثلي القوات المسلحة، وعضوين أو ثلاثة من أعضاء اللجنة، لمناقشة المواد الخلافية التي ظهرت خلال اجتماع اللواءين نائب وزير الدفاع، محمد العصار، ومساعد الوزير للشؤون القانونية، ممدوح شاهين، وذلك بهدف اختصار الوقت، وحتي لا تستغرق المناقشات وقتاً طويلاً بلجنة نظام الحكم. نقيب الصحفيين الأسبق، الكاتب مكرم محمد أحمد، يري أن مناقشة مواد الجيش في الدستور لن يخلق أزمة سياسية، في ظل رغبة القوات المسلحة ولجنة الخمسين إيجاد حل تتوافق عليه جميع الأطراف، لافتاً لأهمية أن يتضمن الدستور الجديد مادة دستورية، تعطي الحق لمن أنهي صفته العسكرية المشاركة في التصويت بالانتخابات، مثل أي مواطن عادي له كافة الحقوق السياسية، ومؤكداً أهمية الوصول لقرار توافقي عن طريق الحوار الجاد والصادق. ويري مكرم، أنه في الأمور الطبيعية يسمح للعسكريين بالمشاركة والتصويت في الانتخابات، إلا أن هذا الأمر لا يصلح للتطبيق في مصر في الوقت الحالي، وأن السماح بتصويت العسكريين سيؤدي لفتح معسكرات تدريب الجيش والشرطة من أجل الدعاية الانتخابية، وهو ما سيسبب إضراراً بالمؤسسات الأمنية. أضاف قائلاً: "كما عانينا في الفترة السابقة بسبب خلط الدين بالسياسة فإن فتح الباب أمام العسكريين للانتخابات سيؤدي للتداخل بين السياسة والمؤسسات الأمنية الكبري، التي يلجأ إليها في الأوقات الصعبة، وهو ما يعني أن هذا الأمر أضراره أكثر من مميزاته". حل وسط وأوضح نقيب الصحفيين الأسبق، أن هناك حلاً وسطاً قد يكون مقبولاً، وهو أن ينص الدستور أو قانون الانتخابات علي حظر العسكريين أثناء فترات اشتغالهم من المشاركة في العملية الانتخابية، في حين يسمح لمن أنهي صفته العسكرية، حتي لا يؤدي الأمر إلي النيل من وحدة أو حيادية الشرطة والقوات المسلحة. وأكد الكاتب الصحفي صلاح عيسي، أن تصويت العسكريين في الانتخابات ألغي خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي خوفاً من التزوير، وأنه في هذه الفترة كانت تفتح الوحدات العسكرية للمرشحين من أجل تقديم برامجهم الانتخابية، وهو الأمر الذي كان له تأثير واضح علي نتائج التصويت، مما أدي لتعالي الأصوات المطالبة بإلغاء تصويت العسكريين، مشيراً إلي أن إعادة السماح لهم الآن يؤدي لتكرار ما حدث سابقاً. ولفت عيسي، إلي أنه إذا تم التوصل لصيغة معينة في الدستور تحل هذه الإشكاليات فلا مانع من إعادة السماح للعسكريين بالمشاركة في الانتخابات باعتبار أنهم مواطنون لهم الحق في المساواة بغيرهم. بينما يري نائب رئيس حزب المؤتمر، الدكتور صلاح حسب الله، أن هناك من يحاول إثارة الموضوع لأسباب سياسية، لافتاً إلي أنه لا يري خلافاً بين ممثلي الجيش، ولجنة الخمسين، وأن الاختلافات في وجهات النظر أمر طبيعي، في ظل ما خلفه الدستور المعطل من مواد عديدة مثيرة للجدل. أضاف، أن جميع النظم البرلمانية في العالم، تساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وبالتالي فإن رغبة القوات المسلحة في المشاركة في الانتخابات أمر مستحق، خاصة أن منعهم سيكون بمثابة أن أداء الخدمة العسكرية يعني العقاب بالحرمان من الحقوق. ذلك الأمر كان رائقاً للواء عبدالرافع درويش، الخبير العسكري والإستراتيجي، والذي طالب بوجود نص دستوري يسمح لرجال القوات المسلحة والشرطة الإدلاء بأصواتهم في العملية الانتخابية، مؤكداً أنهم مواطنون عاديون لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات. وشدد اللواء درويش، علي أن رجال القوات المسلحة والشرطة مواطنون عاديون والسماح لهم بالتصويت في العملية الانتخابية حق طبيعي لا يستطيع أحد أن ينكره عليهم، لافتاً إلي أن القانون أعطي للعسكريين حق التصويت في الانتخابات، ولكن قيادات المؤسسة العسكرية، رأت أنه للحفاظ علي الأمن القومي للبلاد يتم تأجيله حتي عام 2020. ويوضح عضو لجنة الخمسين لتعديل الدستور، الناشط الحقوقي، ناصر أمين، أن هناك اتجاهين باللجنة أحدهما مع والآخر ضد السماح للعسكريين والشرطة بالتصويت في الانتخابات، وكل منهما له أسانيده التي يدافع عنها، مشيراً إلي أن المبدأ العام هو أن التصويت حق لكل مصري، بما فيهم أعضاء القوات المسلحة والشرطة، شريطة أن يكون مرهوناً بعدة ضمانات شأن معظم دول العالم المتحضر. ميراث سيئ وأشار، إلي أن هناك ميراثاً سيئاً من الأنظمة السابقة، لطرق استغلال هذه الفئات لصالح الحزب الحاكم، مما يولد تخوفات لدي بعض أعضاء اللجنة، بالتأثير عليهم وتجييشهم عند التصويت. وأوضح أمين، أن لديه تصورا كاملا لحل أزمة تصويت أفراد الجيش والشرطة، سيقدمه للجنة، مشيراً إلي أن الجيش كان يشارك في عملية التصويت داخل وحداتهم في الماضي، ولكن في غياب الرقابة والإشراف، موضحاً أن التحدي هو كيفية منح هؤلاء المواطنين الحق في التصويت مع ضمان عملية تصويتية نزيهة وشفافة أمام الجميع. واتفق مع أمين في الرأي، المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار، شهاب وجيه، والذي طالب بالسماح لكل المواطنين المصريين، سواء مدنيين أو عسكريين بالتصويت في الانتخابات، مع التشديد علي حظر العمل السياسي للعسكريين. وقال وجيه: "رغم مطالبتنا بالسماح للعسكريين في التصويت، فإننا نقرن هذه المطالبة بأن يتم ذلك في إطار تشريع ضمانات تسمح بعدم التأثير عليهم في آرائهم أو اتجاهاتهم أو حريتهم في التصويت"، أضاف، أن العسكريين يأتي عليهم الوقت الذي تنتهي فيه خدمتهم العسكرية، ويعودون آنذاك للانغماس في المجتمع المدني بزوال صفتهم العسكرية، ويكون لتصويتهم تأثير علي حياتهم، لذلك فمن حقهم أن يصوتوا. وأكد المتحدث باسم حزب التجمع، نبيل زكي، أنه لا بد من تأجيل التصويت للعسكرين لفترة انتقالية، حتي لا يتم تشتيت المجتمع في أمور فرعية، مشيراً إلي أن الأولي في المرحلة الراهنة هو الاهتمام بالقضايا الجوهرية المتمثلة في حظر الأحزاب القائمة علي مرجعية دينية، حتي لا يتم إقحام الدين في السياسة أو العكس، فضلاً عن الفصل بين السلطات، وإقرار الحقوق والحريات الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، بدلاً من الحديث في مسألة تصويت العسكريين والشرطة في الانتخابات من عدمه. ووافقه الرأي السكرتير العام المساعد لحزب الوفد، حسام الخولي، مشدداً علي أنه لا بد من تأجيل السماح لأفراد القوات المسلحة والشرطة بالتصويت في الانتخابات، لافتاً إلي أن الأمر مرتبط بالناحية الأمنية والإشراف القضائي، حتي لا يتم الطعن عليها، خاصة أن التصويت في الوحدات العسكرية سيتطلب تجهيزات كبيرة من قبل تلك المؤسسات. منعاً للتسييس علي الجانب الآخر، رفض الدكتور محمد محيي الدين، نائب رئيس حزب غد الثورة، الموافقة علي تصويت رجال الجيش والشرطة في الانتخابات، مؤكداً أن القوات المسلحة والشرطة الظهير الوحيد الذي يلجأ إليه المواطن وقت الأزمات، وتلجأ إليه الدولة عند ظهور بوادر الانهيار، ومن ثم فلا يمكن القبول تحت أي دعوي بتسييس رجال القوات المسلحة أو الشرطة من خلال تصويت أفرادها، مشيراً إلي أن الادعاء بالديمقراطية وحرية التعبير لا يتعارض مع الحفاظ علي المؤسسة التي تحمل ديمقراطية من المذهبية الحزبية. وأوضح أن الدول الديمقراطية الكبري التي تسمح بالتصويت للعسكريين، لا يحمي الجيش فيها صناديق الاقتراع، ولا يوجد بها إخوان، وسلفيين، وجبهة إنقاذ، ومن ثم فالخصوصية المصرية تقتضي التعامل وفق الحالة المصرية دون المقارنة بغيرها، فاختلاف الظروف يفرض اختلاف الممارسة والتطبيق. كما رفض المتحدث باسم حزب الوطن، الدكتور أحمد بديع، تعديل المادة 63 بالدستور، بما يسمح بتصويت العسكريين في الانتخابات، واصفاً تصويتهم بالخطر الكبير لأنه سيقحم الجيش في السياسة ويشق صفوفه ويدخل الجيش بقوة في الصراع الانتخابي والنزاع السياسي، مشيراً إلي أن إقحام الجيش والشرطة في التصويت لن يأتي بالفائدة، كما أننا ما زلنا في بدايات الديمقراطية، مطالباً بضرورة التوقف عن إقحام بعض القوي السياسية للجيش في الحياة السياسية حتي لا يتأثر بالسلب. ووصف عضو الهيئة العليا لحزب النور، الدكتور شعبان عبدالعليم، تعديل المادة 63 من الدستور بما يسمح للجيش والشرطة بالتصويت في انتخابات الرئاسة بال"خطير جداً"، مؤكداً أنه سيؤثر بالسلب علي القوات المسلحة والشرطة، بما يجعلهم مؤسسات سياسية من الداخل ويشق الصفوف بها. أضاف قائلاً: "سبق وأن تمت مناقشة هذه المواد في دستور 2012 ورفضت القوات المسلحة وأغلبية القوي السياسية تصويت العسكريين لما تمثله من خطورة علي استقرار المؤسسة العسكرية، ولا أجد مبرراً لإثارة مثل هذه النقاط الخلافية التي تسبب أزمات بالمجتمع". ولفت، إلي أننا في المراحل الأولي للديمقراطية وأن هناك بلادا كبيرة تطبق تصويت العسكريين، لكن حالتنا خاصة ووضعنا الحالي يقف عائقاً أمام إمكانية إقرار هذا النظام، ونحن لم نصل إلي الديمقراطية الكاملة التي لن تؤثر بالسلب علينا.