في مفاجأة من العيار الثقيل, خرجت المحكمة الدستورية تطالب بحق العسكريين من رجال الشرطة والقوات المسلحة بالترشح والانتخابات وفقا للمادة55 من الدستور. مياه كثيرة جرت منذ أن أرسلت المحكمة الدستورية ملاحظتها للمرة الثانية الي مجلس الشوري, علي قانوني مباشرة الحقوق السياسية والدوائر, إلا أن أكثر ما وقفت أمامه هي تصريحات محمد طوسون رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشوري لجريدة الأخبار يوم الاثنين الماضي علي صفحتها الثالثة, التي أشار فيها الي أن اللجنة تقوم بإعداد الصياغة الخاصة بتصويت العسكريين وصياغة النصوص المتعلقة بهذا الأمر, بما لا يمس الأمن القومي أو يكشف عن المواقع العسكرية أو الكيانات الوظيفية للضباط والقادة العسكريين, مشيرا الي أن اللجنة ستقرر أن تكون أسماء العسكريين في الكشوف الانتخابية مجردة من أي معلومات تفيد الرتب أو الوظائف أو الأماكن المتعلقة بعملهم, بحيث تبينهم الكشوف كأشخاص ومواطنين عاديين, وسيتم النص علي أن تصويتهم في دوائرهم الانتخابية بعيدا عن الثكنات والمناطق العسكرية, مع حظر الدعاية الانتخابية داخل المنشآت والثكنات العسكرية. معني هذا الكلام, أن الاتجاه يسير نحو إقرار مبدأ تصويت العسكريين وترشحهم في الانتخابات, وهو اتجاه خطير جدا, خاصة في هذه الأيام الصعبة التي تمر بها مصر, وما تشهده من توترات واستقطابات حادة, ومن الضروري أن تظل الشرطة والقوات المسلحة بمنأي عنها حتي تنتهي تلك المرحلة الانتقالية, وتستقر الأمور وساعتها يمكن السماح لهم بالتصويت والترشح, وأعتقد أن ذلك الأمر يحتاج علي الأقل01 سنوات كمرحلة انتقالية حتي تستقر الأوضاع الداخلية, وتنضج العملية الديمقراطية بما فيه الكفاية. إدخال الشرطة والجيش في التصويت والترشح هذه الأيام خطير جدا ويدخلهم ساحة الاستقطاب السياسي في تلك المرحلة الخطيرة والمعقدة من تاريخ مصر. لا يكفي أن تكون الأسماء مجردة أو أن يكون التصويت في الدائرة الانتخابية لكل منهم, لأن معني ذلك أن يترك رجال الشرطة والجيش تأمين العملية الانتخابية, ويذهبوا للإدلاء بأصواتهم الانتخابية, ويقفوا في الطوابير ساعات طويلة ثم يعودوا إلي أماكن تأمين اللجان بعد أن تنتهي من أعمالها.. فهل هذا معقول؟! لايجوز معالجة كارثة التسرع في صياغة بعض مواد الدستور بخطأ أكثر فداحة, مما يفتح الباب واسعا لفتنة واسعة داخل المؤسسة العسكرية ومؤسسة الشرطة. القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة القوية المتماسكة الباقية التي نعتز بها ونفخر, وهي عامود الخيمة الباقي كما يقولون, ولو تزعزع أو اهتز لا قدر الله فإن الوطن كله سيكون معرضا للانهيار والتفكك, ولذلك فلابد أن تظل تلك المؤسسة بعيدة عن الصراع السياسي ومحاولات الاستقطاب من هنا أو هناك حتي تستقر الأمور وتهدأ الأوضاع وترسو سفينة الوطن علي بر الأمان, وساعتها يمكن أن نفتح الباب أمام الجيش والشرطة للتصويت فقط, أما الترشح فلابد له من الاستقالة أولا كشرط أساسي, لأنه لا يصح أن يتقدم وزير الدفاع أو رئيس الأركان أو قائد أي فرع من أفرع القوات المسلحة وهو في منصبه للترشح للانتخابات, لكن علي هؤلاء وغيرهم أن يتقدموا أولا باستقالاتهم ثم يكون لهم الحق بعد ذلك في الترشح. نفس الموقف ينطبق علي رجال الشرطة لنضمن حيادية تلك الأجهزة, كما نضمن المساواة بينهم وبين المرشحين الآخرين. معالجة تصويت العسكريين وترشحهم تحتاج رؤية سريعة وعاجلة حتي لو اقتضي الأمر إجراء حزمة من التعديلات الدستورية حول المواد المختلف عليها والتي تتراوح بين21 و02 مادة, وإجراء استفتاء علي تلك المواد ومن بينها المادة55, لتجعل تصويت العسكريين وترشحهم طبقا لنصوص قانون مباشرة الحقوق السياسية كما كان في دستور.17 أما في حالة عدم إجراء التعديلات الدستورية الآن, فإنني أقترح وضع الضوابط الصارمة لحظر الدعاية من أي نوع داخل المؤسسة العسكرية, أو الداخلية, وفيما يتعلق بالتصويت فإنه من الضروري أن يكون تصويت العسكريين قبل التصويت العادي مثلما يحدث مع المصريين في الخارج, علي أن يتم اقامة لجان مجمعة لهم داخل محافظاتهم بحيث يكون هناك عدة لجان فرعية موزعة في كل محافظة حسب التوزيع الجغرافي, ويتم الإدلاء بالأصوات في نفس توقيت إدلاء المصريين بالخارج, وهذا هو أقل الضرر, وربنا يستر. لمزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة