هو واحد من أبناء المؤسسة العسكرية المصرية العريقة، وفقيه قانوني بارز، سطع وجهه إعلاميًا مع ثورة 25 يناير، كان رئيسًا لهيئة القضاء العسكري، واليوم اللواء الدكتور عادل المرسي هو عضو لامع بمجلس الشورى، له موقف لافت من قرار المحكمة الدستورية العليا يمنح رجال القوات المسلحة والشرطة حق التصويت في الانتخابات والاستفتاءات. أجرينا معه هذا الحوار للتعرف على حيثيات موقفه المعارض للقرار، وللاطلاع على مخاوفه كواحد ممن خدموا في صفوف القوات المسلحة، وعلى علم بها. إلى نص الحوار: لا بد من عقد جلسات استماع بمجلس الشورى يحضرها مسئولون بالجيش والشرطة.. وعرض الأمر على مجلس الدفاع الوطني ■ ما هو رأيكم في قرار المحكمة الدستورية العليا منح العسكريين والشرطة حق التصويت في الانتخابات؟ - في البداية هناك قصور، المادة 177 من الدستور تقول: يعرض رئيس الجمهورية أو مجلس النواب مشروعات القوانين المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية وللانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية على المحكمة الدستورية العليا قبل إصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور، وتصدر قرارها في هذا الشأن خلال خمسة وأربعين يومًا من تاريخ عرض الأمر عليها، وإلا عدم إصدارها القرار إجازة للنصوص المقترحة، فإذا قررت المحكمة عدم مطابقة نص أو أكثر لأحكام الدستور وجب إعمال مقتضى قرارها. وعلى مجلس الشورى العمل بمقتضى القرار الصادر من المحكمة الدستورية بالملاحظات الواردة على قانون مباشرة الحقوق السياسية. وحين صدر القانون سنة 1966 كان يتيح لرجال القوات المسلحة الإدلاء بأصواتهم إلى أن عدل سنة 1976 وحظرت مشاركتهم. بالنسبة لي، أهم ملحوظة في هذا القانون هي القرار بتعديل المادة الخاصة بإعفاء أفراد القوات المسلحة وضباطها والشرطة من الإدلاء بأصواتهم في كافة الانتخابات وفي الاستفتاء، وهي وفقا للدستور تتضمن المواد: 5، 6، 33، 55، 64. المواطنون في القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ولا تمييز بينهم في ذلك والمادة 55 تقول: مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجب وطني، ولكل مواطن حق الانتخاب، والترشح، وإبداء الرأي في الاستفتاء، وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق، وتلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب، متى توافرت فيه شروط الناخب. وتكفل الدولة سلامة الاستفتاءات والانتخابات وحيدتها ونزاهتها. وتدخُّل أجهزتها بالتأثير في شىء من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون». لا تعليق على القرار الصادر من المحكمة الدستورية مع الإحاطة فقط أن لدي ملاحظة: في ديباجة وثيقة الدستور لدينا 11 مادة حاكمة تتكلم عن مواد الدستور، لاحظ المادة الثامنة التي تقول: الدفاع عن الوطن شرف وواجب، وقواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل في الشأن السياسى، وهي درع البلاد الواقي. ولاحظ أن ديباجة الدستور هي الأساس الذي يبنى عليه الدستور كله، وهذه المادة تشير إلى عدم تدخل الجيش في السياسة. ما أراه من مقتضى القرار الصادر من المحكمة الدستورية، فيما يتعلق بالسماح للضباط وأفراد القوات المسلحة بالإدلاء بأصواتهم في الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية، إنه أمر يصطدم بالواقع، إذا رغبوا في المشاركة في الانتخابات، فهناك أمرين: الأمر الأول: أنهم يدلون بأصواتهم في الدوائر الانتخابية، وهذا سيؤدي لنزولهم الشارع، ولاحظ أن الامتناع عن الإدلاء بالصوت يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، والمفروض أنهم سيصوتون داخل الدوائر الانتخابية، وقبل ذلك لابد من تسجيل أسمائهم في قائمة البيانات، وفقًا للقانون، وأعطي لكل مرشح قرص مدمج (CD) مسجل عليه أسماء الناخبين، ووسائل الاتصال بهم، بمن فيهم رجال القوات المسلحة، يضاف إلى ذلك أنه يجب أن يغادروا وحداتهم العسكرية إلى محال إقامتهم حتى يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم. الأمر الثاني: أن نجعل الانتخابات بالنسبة لرجال القوات المسلحة داخل الواحدات، أيًا كانت تلك الوحدات، وفي هذه الحالة لابد من وجود قاضٍ للإشراف على اللجنة الانتخابية داخل كل وحدة، وسيشترط بالضرورة أيضًا تمكين منظمات المجتمع المدني من التواجد في وحدات الجيش، وكذلك، المرشحين، والموظفين، والصحفيين الأجانب، وكل من يأخذ تصريحًا من اللجنة العليا للانتخابات بلا تمييز. أيضا لا يمكن أن ينتخب الضابط أو الصف أو الجندي بصورة عشوائية، فهي ليست مجرد ورقة يضعها في الصندوق، لا بد أن يكون عنده وسائل الاختيار،فقد يستحسن «الحرية والعدالة»، أو «النور»، أو «المصريين الأحرار»، وهذا سيصطدم بالمادة الثامنة من ديباجة الدستور، فهذا سيجعل الجيش يتدخل بالشأن السياسي، وانشغاله قد يؤدي، إلى مناخٍ لا أتصوره. قوانين الخدمة في القوات المسلحة، سواء القانون 232 لسنة 1959 والقانون 123 لسنة 1981، يحظر على الضابط، أو الصف، أو الجنود، مجرد إبداء الرأي السياسي، والانضمام للأحزاب والجمعيات.. إلخ، وهناك محظورات كثيرة جدًا. في رأيي هذه مخاطرة شديدة، لهذا يجب التوافق علي نص جديد، ولا بد أن يكون بقرار، ويكون تحت مظلة المحكمة الدستورية العليا، أسوة بما تم في قرارها السابق المتعلق بالاستثناء من الخدمة العسكرية. كان هناك قانون لمجلس النواب في من يترشح لعضوية المجلس أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية، أو أعفي أو استثني منها، وحينها رفضت المحكمة الدستورية كلمة الاستثناء، واشترطت أن يكون أدى الخدمة أو أعفي منها، وفي وقتها عدل مجلس الشوري النص، وقال: كل من أدى الخدمة العسكرية أو أعفي، أو استثني منها، ما لم يكن استثناؤه راجعًٍا لحكم قضائي بات في جريمة مضرة بالمصلحة العامة، أو أمن الدولة، وأخذت المحكمة الدستورية بهذا النص. ■ هل تتوقع أن يلجأ مجلس الشورى لهذا الحل لتجاوز الأزمة الراهنة؟ - بالتأكيد نعم، لكن دعني أحدثك عن نقطة مهمة جدًا، لو راجعت المادة 197 من الدستور التي تتحدث عن إنشاء مجلس للدفاع الوطني، تقول في فقرتها الثانية: يختص (المجلس) بالنظر في الشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها، ومناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة؛ ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى. ونحن هنا نتكلم عن القوانين، في رأيي، سنجد بمشروعات القوانين جزءًا يتعلق بالقوات المسلحة، ويجب أن يؤخذ رأي مجلس الدفاع الوطني في هذه المادة، لأن هذه المادة (197) فيها رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، ووزراء الدفاع والخارجية والمالية والداخلية، ومدير المخابرات العامة، ورئيس أركان القوات المسلحة، وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي، ورئيس عمليات القوات المسلحة، ومدير المخابرات الحربية والاستطلاع، ففي رأيي أخذ رأي هذا المجلس أمر واجب، لأن الأمر يتعلق بقانون، يتناول مسألة هامة للغاية بالنسبة للقوات المسلحة. ■ كنت رئيس هيئة القضاء العسكري، وعلى دراية جيدة بالقوات المسلحة، ما هو الوضع الآن داخل المؤسسة العسكرية بعد صدور قرار المحكمة؟ - سأتحدث عن وجهة نظري فقط، أعتقد أن الوضع مقلق، لأن القوات المسلحة مع المادة الثامنة في ديباجة الدستور، وفي توقعي أن يعقد مجلس الشورى جلسات استماع مع مسئولين من القوات المسلحة، ومسئولين من هيئة الشرطة، ولكن قبل كل هذا يجب تفعيل الفقرة الثانية من المادة 197 من الدستور بضرورة الرجوع لمجلس الدفاع الوطني. ■ في العالم حولنا نرى رجال القوات المسلحة والشرطة يتمتعون بحق التصويت في الانتخابات، لماذا نحظره هنا في مصر؟ - في سنة 1959 كان لدى رجال القوات المسلحة المصرية حق الإدلاء بأصواتهم، ولم تكن هناك مشكلة، لكن لا تنس أنه في الثورة الفرنسية سنة 1789 لم يصرح للعسكريين بالتصويت والمشاركة في الانتخابات، واستمر ذلك حتي عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، إذن نحن نتحدث عن استقرار البلاد أولا، والوضع الراهن في مصر غير مستقر، وأظن أن المناخ قد يكون مناسبًا بعد خمسة أو عشرة سنوات، ويمكن حينها تعديل النص. ■ نقلت إحدى الصحف تصريحات عن مصادر عسكرية تقول إن الجيش سيؤجل العمل بقرار المحكمة لحين استقرار البلاد؟ هل هذا مؤشر ايجابي كافٍ؟ أم يجب عقد جلسات استماع بمجلس الشوري وأخذ رأي مجلس الدفاع الوطني؟ - أنا لا أحب الأخبار المجهولة، المنسوبة لمصدر عسكري غير معلن، من هو هذا المصدر العسكري؟! المصدر العسكري المخول له بنشر الأخبار عن القوات المسلحة هو مدير إدارة الشئون المعنوية، ومع هذا فأنا أؤيد هذا القرار حال كونه صحيحًا. فالشرطة والجيش يأمنون الانتخابات ويتم نشر أكثر من 30 ألف جندي في كل أنحاء الجمهورية، لو أنت جمعت هذا العدد، مع المتواجدين بالوحدات، ومن يقضون الإجازات، ستكون هناك مشاكل جمة، والشرطة أيضًا تشرف على النظام داخل اللجان، وتراقب الدعاية الانتخابية، كيف سيتمكنون وسط كل هذه الأجواء من الإدلاء بأصواتهم؟!