نسمع تحريضا من البعض للرئيس مرسى بأن يضرب بيد من حديد. يضرب مَن؟ هذا هو السؤال. هل يضرب شعبه..؟ الشعب كله فى حالة فوران وغضب وعنف، والسلطات كلها فى حالة تفكك وتهور وتدهور وارتباك وغشم! من المفيد هنا تأكيد أن ثورة يناير لم تنجح فى تحقيق أىٍّ من أهدافها حتى الآن، ولكنها نجحت، من حيث أرادت ومن حيث لم تنتبه، فى شىء واحد واضح، أنها سحبت من الدولة حق استخدام العنف وحدها أو احتكار استخدام العنف. فى العصور السابقة كانت الدولة هى الوحيدة القادرة على تخويف الناس بالضرب والعنف المستند إلى سلطاتها وقوانينها، بعد ثمانية وعشرين يناير سقط هذا الاحتكار. الغريب أن مئات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا من ميادين القاهرة إلى التحرير كانوا سلميين تماما ورافعى الشعار الأنبل فى مواجهة عنف الشرطة «سلمية.. سلمية»، لكن الإخوان الذين شاركوا فى حصار أقسام الشرطة (كما تتهم وتؤكد التهمة كل حكومات ما بعد الثورة وكذلك أعضاء حماس وحزب الله الذين ساهموا فى اقتحام السجون وإخراج رجالهم)، وضعوا أول خطوة لإسقاط احتكار الدولة للعنف. بعدها ومع هروب المساجين وانفلات المسجلين خطرا، ثم ظهور أسوأ ما جرى فى الثورة وهى اللجان الشعبية (رغم كل المديح الساذج والذكريات الطفولية والمغامرات الطريفة التى تحيط بالكلام عن هذه الظاهرة المقيتة)، اللجان الشعبية (وكانت الدعوة الأولى لها قد صدرت من النظام السابق وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة!) منحت لمواطنين عاديين حق حمل السلاح واستخدام العنف.. تحول الشعب إلى ما نراه اليوم وهو أنه ولا أى قوة مسلحة تستطيع إجهاض الغضب أو إيقاف العنف، ولم يحدث أن نجحت أى محاولة لاستخدام القوة من الشرطة أو الجيش فى إنهاء أى نزاع أو فك أى اعتصام أو فض أى احتجاج، فعنف الدولة صار يواجهه فورا عنف الشارع، والقوة بالقوة والسلاح بالسلاح وعمليات إطلاق النار المتبادَلة صارت قاعدة أى منازعة فى البلد الآن من الخلاف على قطعة أرض إلى حادثة السيارة! لقد قطعت الثورة اليد الحديد التى يتوهمها وينشدها قادة الإخوان وبعض منافقيهم هذه الأيام (طبعا ما دامت اليد الحديدية هى يدهم فإن الإخوان يدعون لاستخدامها ولو هى ليست ملكهم كانوا استخدموا ميليشياتهم فى مواجهتها) ودعنا نذكر أن بعض ممالئى ومنافقى المجلس العسكرى حين كان يحكم البلاد كانوا يدعونه كذلك إلى الضرب بيد من حديد، وكل محاولات اليد الحديدية وما جرى بعنف السلطة وتوترها وغشمها فى محمد محمود المجلس العسكرى ها هو يتكرر بحذافيره فى محمد محمود حكومة محمد مرسى! نظرية «اليد من حديد» انتهت تماما مع الشعب المصرى بكل قطاعاته وشرائحه، فالناس لم يعودوا يخشون العنف ولا يرهبهم ولا يتهيبونه، بل العنف المضاد صار طبيعيا وعاديا. الجيش يضرب الأهالى فالأهالى يردون.. الداخلية تعتدى على المتظاهرين فالمتظاهرون يواجهون ويردون.. الشرطة العسكرية تحاصر كتيبة المشاة فترد بالضرب والشرطة تتبادل الرصاص مع أفراد الجيش الذين يحاصرون قسم الشرطة، والأهالى يطاردون اللصوص ويقطعون أياديهم ويعلقون جثثهم. البلد كلها لم تعد تخشى اليد الحديدية، وكل طرف صارت له يده الحديدية ولا يمكن أن يتخيل أى مسؤول مهما بلغ به غروره بالسلطة أنه قادر على احتواء أى أزمة والانتصار فى أى مواجهة باستخدام العنف. لم تعد الدولة تحتكر العنف ولم تستطع أن تمنح استخدامه شرعية ومصداقية أو حتى نجاحا. مشكلة الإخوان فعلا فى هذا المشهد أنهم يتمنون سلطة مبارك ويسعون لها، فهم مرضى سجانهم ووقعوا فى غرام معذّبيهم، وربنا يشفى!