لا ترفع يدك بالأذى، ولو فعلوا فيك البدع. سلمية الثورة المصرية هى سر نجاحها ومصدر قوتها. ثمانية عشر يوما من الاحتجاجات السلمية فى ميدان التحرير أجبرت مبارك على التنحى وحققت ما عجزت عن تحقيقه تنظيمات مسلحة شتى عبر ثمانية عشر عاما من استخدام العنف. سلمية المحتجين هى التى تجعل استخدام الهراوات ضدهم فضيحة، ومدنيتهم هى التى تجعل استخدام السلاح ضدهم جريمة. أما لو سددت هراوتك إلى الجندى الذى يضربك، أو ألقيت بزجاجة المولوتوف أو حتى بالحجارة على مركزه، فسيتحول احتجاجك إلى هجوم، وقمعه لك إلى دفاع عن النفس. ولا تفكر مجرد التفكير فى حمل السلاح، وإلا صرت مثل الذى يوجه السلاح إلى صدرك، وأعطيته الذريعة والمبرر، فلا تأخذ ذلك الطريق. يغريك المتحمسون باللجوء إلى العنف، يخاطبون النخوة فيك، والغضب. ومشاهد القتل من حولك تستفزك وتخرجك عن شعورك، وتجعلك تكاد تُجَنّ وتريد لو استطعت أن تنفجر فى قتلتك ومعذبيك. تنظر إلى ليبيا وسوريا وتحدثك نفسك بأن الثورة المسلحة هى السبيل الأسرع إلى التغيير الشامل. تستمع إلى تصريحات المسؤولين الأمنيين فيزداد حنقك. أنت بالذات، أنت الواقف فى الميدان تعرف الأكاذيب من الحق ولا تحتاج إلى إثبات. رأيت رَأىَ العين وسمعت بنفسك وشعرت بالضربات فى جسمك وعلى رأسك. تزيدك التصريحات يأسا من التفاهم، وتوافق المتحمسين الرأى على وجوب انتزاع الحق بالقوة، لكن تمهّل، فكّر مرة أخرى. ليست القوة مرادفا للعنف. والحديث الشريف يقول «ليس الشديد بالصُّرْعةِ، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب» (متفق عليه). القوى هو من يملك المبادأة، ويتحكم فى قراره كى يحسن استخدام عناصر قوته، ويسير الأمر وفق إرادته. فدع الغضب جانبا. اركب غضبك وسر به ولا تدعه يركبك ويسيّرك. حين أطلقت قوات الاحتلال البريطانية النار على المتظاهرين السلميين فى أمريتسار، ألحقت بنفسها عارا ظل يلاحقها. استمرت فى غيها واستمر الهنود فى سلمية احتجاجاتهم حتى اضطرت الإمبراطورية إلى الرضوخ والخروج. حين أمر شاه إيران جيشه بإطلاق النار على المتظاهرين ووقف أمامهم المتظاهرون بصدورهم العارية انهارت قدرة الجيش على قمع المتظاهرين. حين أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية النار على أطفال الحجارة فى 1987 ألحقت بنفسها عارا غيّر صورتها فى العالم كله بل وخلخل إسرائيل من الداخل (ولم ينقذها سوى سوء تصرف القيادة الفلسطينية). لا أعرف حالة واحدة فى التاريخ انتصر فيها الطغاة باستخدام السلاح ضد متظاهرين عزل مصممين على الحصول على حقوقهم سلميا. لكنى أعرف حالات كثيرة انتصر فيها الطغاة على محتجين حاولوا الحصول على حقهم باستخدام السلاح. الحفاظ على سلمية الثورة أصعب بكثير من الانزلاق نحو العنف، لكنه هو مفتاح النجاح. ولا تنس أن حامل السلاح إنسان مثلك تماما، مهما بلغ تبلده لن يستطيع المضى فى القتل بلا توقف، ولن يستطيع قتل المحتجين أجمعين. وسينكسر إن حاول، سينكسر من تلقاء نفسه، وستكون أنت من يضمه ويضمد جراحه. هل هذا عدل؟ لا أدرى، لكن هكذا تسير الأمور. أنت، الذى تدفع من دمك ثمن المطالبة بالحرية، وهو قاتلك، وأنت منقذه. قد لا يكون ذلك عدلا، لكنه أكثر إنسانية. لو صحت التقديرات الأسوأ، فإن القمع سيزداد فى الأيام والأسابيع القادمة، سيكون اختبارا قاسيا لمدى تصميم هذا الشعب على نيل حريته. ولن ننجح فى هذا الاختبار إن فقدنا أعصابنا وانزلقنا للعنف، أيا كانت صورة هذا العنف. لن ننجح فى هذا الاختبار إلا إذا عرفنا أن المشوار سيطول، وعقدنا العزم على الحفاظ على سلميتنا ونصاعة مطالبنا بحقوقنا. أبقها سلمية: أيها الثائر الغاضب، أقول لك عكس ما قاله كُلَيب لأخيه فى بداية حرب البسوس: لا تحارب، ولو منحوك الذهب.