متى يصبح الخطاب الرسمى أو حتى غير الرسمى مطابقا للواقع على الأرض أو حتى قريبا منه؟ تذكرت هذا السؤال أمس وأمس الأول وأنا داخل القاعة الرئيسية الكبرى بقصر بيان فى مدينة الكويت استمع إلى كلمات القادة والرؤساء العرب فى القمة العربية الدورية رقم 25. البعض يقول إن العقل العربى عاطفى بطبعه ويميل إلى الانفعال، ولا يؤمن كثيرا بالحقائق خلافا لنظيره الغربى الذى لا يؤمن إلا بما هو واقعى وعملى وكل ما يمكن إخضاعه للتجريب. فى غالبية كلمات القادة وكبار المسئولين العرب أمام القمة يمكن بسهولة اكتشاف أنه يغلب عليها لغة التمنى والخيال والغرق فى عالم افتراضى بعد أن عجزنا عن حل المشاكل المتراكمة فقررنا حلها بالكلمات والتعبيرات الفخمة، لكنها خالية تماما من أى مضمون. ما المانع إذا كانت هناك خلافات حادة بين قطر والبحرين مثلا أن يعكس الخطاب السياسى المتداول هذا الواقع ليس بهدف تأجيجه ولكن من أجل سهولة تشخيصه، وبالتالى سرعة حله. ما المانع من أن يكون الخطاب الخليجى واقعيا بصفة عامة، وهو يتحدث عن علاقته بالولايات المتحدةالأمريكية. ما المانع من أن يعكس الإعلام الخليجى أن العلاقات مع أمريكا ليست سمنا على عسل على طول الخط وأن اختلاف وجهات النظر بينهما شىء طبيعى جدا؟ وما المانع من أن يتعامل هذا الإعلام مع المشاكل الخليجية الخليجية باعتبارها شيئا عاديا فإذا كان الأخوة يختلفون أحيانا فى البيت الواحد، فما المانع أن يختلفوا وهم يقودون دولا وإمارات ومشايخ؟ نعلم جميعا الخلافات بيت غالبية دول الخليج وبين قطر، ورغم ذلك فمن يطالع معظم الخطاب الخليجى الرسمى يجده منفصلا تماما عن الواقع الحقيقى. كلمات بعض القادة أمام القمة تجعلك تتخيل أنهم يبحثون عن فنلندا أو الدنمارك وليس عن بلدان علاقتها تشبه علاقة داحس والغبراء. ربما كانت الحرية النسبية التى يتمتع بها الإعلام المصرى تجعل خطابه يتخطى الواقعية بمراحل ليصبح عبثيا أو تدميريا. لا نريد الخطاب الغارق فى الأوهام أو المفرط فى الواقعية. نريد أن تتغير الذهنية العربية لتقترب أكثر فاكثر من الواقع. على الأرض. من حق الشعوب أن تسمع من قادتها حقيقة الأوضاع، ولماذا هذه الدولة مختلفة مع تلك. من حق الشعب القطرى مثلا أن يعرف لماذا اختارت قيادته السياسية أن تنحاز إلى جماعة الإخوان، وتوفر لها كل شىء لمهاجمة مصر والخليج. من حق قطر أن تنحاز للإخوان شرط أن تعلن ذلك على الملأ وتصارح شعبها بأسباب ذلك. لو أن كل الحكومات تصارح شعوبها بالحقائق لتغيرت كل حياتنا العربية إلى الأفضل. لكن يبدو أن الحكومات القمعية تدرك القاعدة الذهبية، وهى أن مصارحة شعوبها بالحقائق يعنى نهاية دور معظم هذه الحكومات، التى تقوم أصلا على قاعدة إرضاء شخص واحد هو الحاكم، الذى يعينها وإلهاء الشعب بقصص وروايات ومؤامرات خيالية حتى لا يفيق من غفوته ليكتشف أن المشكلة الأكبر موجودة فى الداخل وليس الخارج حتى لو كان هذا الخارج يتآمر فعلا.