فى اللحظة التى تم فيها الإعلان عن خريطة الطريق يوم الثالث من يوليو الماضى، رفع الإخوان سقف مطالبهم بصورة كبيرة. وبعد فض اعتصام رابعة العدوية المأساوى فى 14 أغسطس الماضى صعد الإخوان إلى أعلى الشجرة حينما قالوا إنهم لن يقبلوا بأقل من عودة محمد مرسى للحكم، ودستور2012، ومجلس الشورى، والإفراج عن كل المعتقلين، بل ومحاكمة ما سموه بقادة الانقلاب. ووصل الخيال ببعضهم إلى مناقشة هل يحاكمون الفريق أول عبدالفتاح السيسى أم يكونون أكثر رحمة ويتركونه يغادر البلاد إلى المنفى. اليوم يبدو أن جزءا كبيرا وفاعلا فى قيادة الإخوان قد بدأ ينزل من أعلى الشجرة ويرى المشهد السياسى على حقيقته. كثير من القوى الليبرالية انتقدت مبادرة الإخوان يوم السبت الماضى التى طرحتها للخروج من الأزمة السياسية الراهنة، ورفضتها على الفور باعتبارها مناورة إخوانية جديدة تستهدف إجهاض ثورة 30 يونيو بكل الطرق الممكنة. قد يكون هذا الاتهام صحيحا لكن السياسة لا ينبغى أن تدار بهذة الطريقة. الذى ينبغى أن يلفت نظر المراقبين فى مبادرة ما يسمى بتحالف الشرعية ليس ما جاء فى المبادرة بل ما لم يأت فيها. لتوضيح ذلك فإن أهم تطور سياسى حدث يوم السبت هو أن جماعة الإخوان وللمرة الأولى تتخلى عن الإصرار على عودة محمد مرسى للسلطة، وإعادة مجلس الشورى، ودستور الجماعة. لو أن هذه القراءة صحيحة وأن ما أعلنه الإخوان ظهر السبت الماضى هو كلام حقيقى وليس مجرد مناورات فربما نشهد تطورا سياسيا لافتا للنظر فى المستقبل القريب. أحد الأخطاء الإخوانية الكبرى فى مرحلة ما بعد الثلاثين من يونيو هو جمود المطالب والشعارات لتحقيق هدف وحيد هو استمرار الحشد والتعبئة للأهل والعشيرة والأنصار والمؤيدين. جزء كبير من قيادات الجماعة كان يدرك أن محمد مرسى صار جزءا من التاريخ وليس له صلة بالمستقبل. لكن كانت المشكلة هى كيف يمكن نقل هذه الحقيقة المرة والأليمة إلى الجماهير التى جرى شحنها وتعبئتها بصورة يصعب معها إعادتها مرة أخرى إلى أرض الواقع. ولأن السياسة لا تعرف مجرد النوايا الطيبة فقط، فإنه ينبغى أن تقرأ جماعة الإخوان ومن يقوم على قيادتها الآن المبادرة التى طرحها الكاتب والروائى عز الدين شكرى فشير، صباح السبت الماضى. فشير الذى يتولى الآن مهمة المتحدث باسم لجنة المسار الديمقراطى طرح مبادرة من ثمانى نقاط أهمها أن يعلن مرسى تنحيه عن الرئاسة، ويعلن المرشد محمد بديع حل الجماعة، وتقديم بيان بمصادر تمويلها، وأن يستمر حزب الحرية والعدالة، شرط أن يلتزم بمبدأ أنه حزب سياسى يلتزم بالمساواة بين المواطنين، والأهم أن تتقدم الجماعة باعتذار واضح للشعب المصرى عما بدر منها طوال السنوات الثلاث السابقة، وأن تعترف بالإرادة الشعبية الجارفة فى 30 يونيو. الخلاصة.. قد لا نعلم النوايا الحقيقية لجماعة الإخوان، ولكن فى تقديرى المتواضع، هناك تطور بطىء بعد أن بدأت الجماعة تشعر بزلزال يونيو. من مصلحة مصر أن تعمل كل القوى السياسية فى النور بدلا من نزولها تحت الأرض لكن شرط أن تقبل بقواعد المجتمع وقوانينه وهويته وأن تؤمن بأنها جزء من هذا الشعب وليست المبعوثة الإلهية للتحدث باسمه.