فى المناظرة الكبرى التى أدارها الإعلامى المخضرم حمدى رزق تحت عنوان «الحضارة المصرية.. بين العلم والخيال» التى نظمتها مؤسسة زاهى حواس للآثار والتراث بدا المشهد أبعد كثيرا من مجرد نقاش أكاديمى، فقد كشفت المناظرة ما هو مخفى، وحرّكت الأسئلة النائمة، وأظهرت انقساما غير مسبوق فى الرأى العام؛ أصوات تستند إلى كتب مجهولة، وأخرى تنفى دون أدلة كافية، وجمهور يتأرجح بين تصديق وسيم السيسى أو منح ثقته لزاهى حواس.. وما بدا واضحا أن الناس خرجوا بانطباع واحد، هناك ما يخفى، شىء يتصل بعلوم متقدمة يقال إن الفراعنة امتلكوها، وأسرار ما زالت خلف ستار محكم. وجاءت المفاجأة من د. وسيم السيسى حين قال صراحة إنه «جرّاح وليس عالم آثار»، وإن كثيرا مما قاله عبر الإعلام اعتمده من كتب أو حكايات، ثم تراجع عن أبرز أفكاره، وهى «لا وجود لوادى ملوك أو بلا دليل» ولا طاقة خارقة للأهرام، ولا فضائيين، ولا شعائر دينية للفراعنة تشبه الصوم والزكاة والحج. ورغم ذلك ظل تأثيره واضحا على الجمهور، حتى أن كثيرين أعلنوا أنهم يصدقونه أكثر من زاهى حواس، وكأن الغموض أكثر جاذبية من الحقيقة. ورغم ذلك فتح كلامه بابا واسعا لخيال الجمهور، الذى بدا متعطشا لأى رواية تحمل غموضا، البعض اعتبر المناظرة «قرصة ودن» موجهة له بسبب حديثه عن «الوادى»، ذلك المصطلح الذى يرى كثيرون أنه يحمل وراءه أسرارا لا يريد أحد أن تُفتح أبوابها. زاهي حواس دافع عن علمه ليبطل خيال وسيم فوقع فى خطأ عندما قال إن جهاز الأشعة يروى حياة المومياء، أحد المتخصصين سأل: كيف يمكن لجهاز أشعة مقطعية أن يحدد كيف عاشت المومياء وكيف ماتت؟ الأجهزة تكشف أمراضا وكسورا وإصابات، لكنها لا تروى حياة كاملة ولا تعطى سيرة ذاتية من صورة! سؤال مثل هذا جعل البعض يتوقف أمام مدى دقة ما يُطرح باسم العلم. ولكن يبقى زاهى حواس رغم كل الجدل أحد أكثر الوجوه تأثيرا فى علم المصريات، ورجلا أعاد للآثار المصرية حضورها وهيبتها. لكن ما حدث فى تلك المناظرة لم يكن مجرد اختلاف بين باحثين، بل لحظة انكشاف فارقة، لحظة اصطدم فيها العلم برغبة الناس فى الحكايات، واصطدمت الحقيقة بما يراد لها أن تبقى خلف الأبواب المغلقة، هكذا خرج الجميع بسؤال واحد أين يقف العلم .. وأين يبدأ الخيال؟