بين ثنايا التاريخ، لا تبقى الروائح، لكن تبقى شواهدها، وفي قلب المتحف المصري بالتحرير تقف مجموعة نادرة من الأوراق النباتية المجففة، شاهدة على عالم من الطقوس والعطور والبلاسم التي ازدهرت في عصر الملك أمنحتب الثالث، حيث كانت الرائحة لغة مقدسة ووسيلة للتطهير والتجميل والطقس الديني. اقرأ أيضا| النعناع المجفف.. رائحة ذكية للمنزل وطارد للحشرات تعود هذه المجموعة الفريدة من الأوراق النباتية المجففة إلى الأسرة الثامنة عشرة في عصر الدولة الحديثة وتحديدًا إلى زمن الملك أمنحتب الثالث أحد أكثر عصور مصر القديمة ثراءً وازدهارًا. واستخدمت هذه الأوراق في صناعة البلاسم والزيوت العطرية التي اشتهرت بها مصر القديمة وكانت تصدر إلى الممالك المجاورة لما عُرف عن المصريين من مهارة عالية في تحضير الروائح المركبة. تكشف هذه الأوراق عن جانب مهم من الحياة اليومية والدينية في ذلك العصر فالعطور لم تكن مجرد رفاهية بل كانت جزء أساسيًا من الطقوس الجنائزية ومن عمليات التحنيط ومن الممارسات الطبية بالإضافة إلى استخدامها في الزينة والاحتفالات الملكية. كما تُظهر هذه القطع الدقيقة تقدير المصريين العميق للنباتات العطرية إذ كانوا يزرعونها بعناية في الحدائق الملكية والمعابد وكان للكهنة صيغ خاصة لتحضير الزيوت المقدسة التي تُستخدم في الطقوس الدينية. اليوم تعرض هذه المجموعة داخل المتحف المصري بالقاهرة ليس باعتبارها مجرد بقايا نباتية بل بوصفها رسالة عابرة للزمن تخبرنا كيف استخدم المصري القديم الطبيعة في صناعة الجمال والقداسة وكيف استطاعت الرائحة أن تتحول إلى جزء من هوية الحضارة.