في قلب المتحف المصري بالتحرير، تقف قطعة فنية فريدة تُجسد مزيجًا آسرًا من الجمال والقدسية، قناع ذهبي بديع، خرج من أعماق موقع مير الأثري قبل أكثر من قرن، ليحمل معه حكايات زمنٍ شهد تداخلًا حضاريًا ثريًا بين مصر القديمة وروما. هذا الأثر ليس مجرد وجه مذهب يعلو مومياء، بل هو شهادة خالدة على إبداع الإنسان ورغبته في تخليد ملامحه وطريقه نحو العالم الآخر. يُعرض اليوم في المتحف المصري بالقاهرة، قناع ذهبي مدهش لمومياء اكتُشف في موقع مير الأثري خلال أواخر القرن التاسع عشر، ينتمي هذا القناع إلى العصر الروماني، وهو زمن ازدهرت فيه صناعة الأقنعة الجنائزية وأصبحت عنصرًا أساسيًا في تقاليد الدفن. اعتمد صانعو تلك الأقنعة على مواد متنوعة مثل الكارتوناج المذهب والجص، وصُمّمت لتُوضع فوق وجه المتوفى كتمثيل رمزي لشخصه، وكدرعٍ يحميه في رحلته الأبدية نحو الحياة الأخرى. كان الهدف منها الحفاظ على هوية المتوفى ومنحه حضورًا مهيبًا في العالم السفلي. يبرز هذا القناع تحديدًا كأحد أروع الأمثلة على الازدواج الثقافي والفني الذي ميّز مصر في ظل الحكم الروماني، فقد جمع الحرفيون بين الرموز المصرية العريقة والمفاهيم الفنية الرومانية، سواء في أسلوب التشكيل أو في اختيار الألوان والمواد، ليخرجوا بعمل يعكس تلاقي حضارتين دون أن يطغى أحدهما على الآخر، إنه قطعة تُظهر بوضوح براعة صنّاع تلك الحقبة، وتعكس عمق المعتقدات الجنائزية المشتركة التي شكلت جانبًا مهمًا من الحياة الروحية للمجتمعين المصري والروماني. أقرأ أيضا| حكاية أثر| «رؤوس الملك أمنمحات الثالث» رمز العظمة المصرية في المملكة الوسطى