فى مشهد يعكس عمق الانهيار الأخلاقى داخل جماعة الإخوان المسلمين واستغلالها الممنهج للقضايا الإنسانية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فَجَّر أعضاء من حركة حماس فضيحة مدوية تتعلق بسرقة تبرعات تجاوزت نصف مليار دولار جمعتها جمعية «وقف الأمة» التى يشرف عليها قيادات إخوانية من دول عدة بزعم دعم سكان غزة. وإنقاذهم من مآسى العدوان الإسرائيلى.. هذه الأموال التى تدفقت من قلوب المتعاطفين حول العالم لم تجد طريقها إلى المحاصرين فى القطاع بل تبخرت فى حسابات خاصة يديرها قيادات إخوانية بالخارج تحت غطاء العمل الخيرى. اقرأ أيضًا | شاهد زور |الإخوان زيفوا التاريخ وكتاباتهم خطر على الأجيال القادمة الفضيحة التى فجرتها حركة حماس كشفت عن صراع مكتوم بين جناحين أحدهما يواصل المتاجرة بالقضية، والآخر بدأ يدرك حجم الكارثة الأخلاقية التى تهدد مصداقية المقاومة وتضرب ثقة الناس فى العمل الانساني.. حماس التى التزمت الصمت أمام تجاوزات الإخوان لسنوات طويلة، خرجت هذه المرة عن تحفظها واتهمت الجمعية علنًا بالفساد والنهب فى خطوة غير مسبوقة تعكس حجم الغضب والانقسام داخل المعسكر الواحد. هذه القضية ليست الأولى فى سجل الجماعة الحافل بفضائح جمع التبرعات باِسم الأقصى وغزة والثورات العربية، لكنها الأخطر من حيث حجم الأموال المسروقة وتوقيتها الحرج فى ظل العدوان المتواصل على غزة، الأخبار تفتح ملف تبرعات الجماعة وكيف تحولت إلى مصدر ثراء فاحش لقلة من المنتفعين، وكيف أصبح شعار نصرة غزة ستارًا لنهب الملايين دون حسيب أو رقيب فى وقت يموت فيه الأطفال جوعًا تحت القصف فى القطاع المُحاصر من الاحتلال الإسرائيلي. فى البداية يقول ماهر فرغلى الخبير فى شئون الجماعات الإرهابية، إن الإخوان كعادتهم التاريخية يستغلون غزة والأقصى وفلسطين لجمع الأموال، لكن هذه المرة الأمر مختلف تمامًا لأن حركة حماس نفسها خرجت ببيان رسمى وقالت إن الإخوان فى تركيا سرقوا نصف مليار دولار من أموال التبرعات باِسم غزة، وهذا ليس مجرد اتهام بل فضيحة موثقة. وأضاف: القصة بدأت بشاب حمساوى اسمه خالد حسن كشف فساد جمعية وقف الأمة وهى جمعية أسسها إخوان الأردن، ويشرف عليها سعيد أبو العبد ويزيد نوفل وفؤاد الزبيدى وعبد الله سمير وخلدون حجازى وأحمد العمرى وزيد العيص، وبعدما بدأ الشاب الحمساوى خالد حسن فى فضحهم، تدخل الإخوانى محمد مختار الشنقيطى للرد عليه، لكن ردوده لم تصمد أمام الحقائق، فاضطرت حماس للتدخل وأصدرت بيانًا واضحًا قالت فيه إن جمعية «وقف الأمة» والإخوان فى تركيا، سرقوا نصف مليار دولار من أموال التبرعات لغزة. مُوضحًا أن وقف الأمة ليست جمعية صغيرة، بل شبكة ضخمة تعمل من إسطنبول منذ عام 2013 وأطلقت أكثر من 2000 حملة تبرع خلال السنوات الماضية والحملة الأخيرة اللى جمعت فيها نصف مليار دولار كانت حملة تسويق ضخمة شارك فيها إعلاميون من قناة الجزيرة ومشايخ وعلماء تابعون للجماعة من عدة دول، واستخدموا كل وسائل الإعلام الفضائية والمكتوبة والإلكترونية ونظموا مؤتمرات فى تركيا لحشد الناس للتبرع. مشيرًا إلى أن الناس كانت تتبرع لغزة، لكن أموالهم ذهبت إلى جيوب الإخوان، وهذا ليس جديدًا على الجماعة لكنه نمط متكرر من المتاجرة بالقضية الفلسطينية وتحويلها إلى مشروع تمويل بغطاء المقاومة. ولفت فرغلى إلى أن الموضوع ليس مجرد فساد مالي، بينما كشف لطبيعة الجماعة التى تستخدم الدين والسياسة والدم الفلسطينى كوسيلة للتمويل والتربح، مما يؤكد أن الإخوان ما زالوا يعملون بنفس العقلية القديمة القائمة على الاستغلال والتوظيف السياسى حتى لو على حساب دماء الأبرياء. مختار نوح الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية وأحد المنشقين عن جماعة الإخوان فقد أشار إلى شهادات صادمة حول غياب الضوابط المالية داخل التنظيم، مؤكدًا أن الفوضى فى إدارة التبرعات ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود. يقول نوح: «منذ خمسين عامًا، لم تكن هناك أى ضوابط حقيقية فى قضايا التبرعات داخل الجماعة، ففى أيام الجامعة كنت ألاحظ هذه السمة بوضوح، وعندما التحقت بهم تأكد لى أن غياب الرقابة كان أمرًا مُمنهجًا، ويُثير خلافات داخلية كثيرة». وأوضح نوح، أنه فى المؤتمرات الدولية، خاصة فى أمريكاوألمانيا، كان هناك تزاحم وخلافات حول الأموال التى يتم جمعها فكانوا يطلبون من الحضور التبرع، فيضع الناس ذهبًا ونقودًا دون أى إيصال أو توثيق، ولا أحد يعرف أين ذهبت هذه الأموال أو كيف استخدمت».. ويشير إلى أن ما حدث فى غزة من اختفاء مئات الملايين من الدولارات لم يكن مفاجئًا، فالقاعدة عند الاخوان أن التبرعات تجمع من «الإخوة»، وهذه الكلمة وحدها تسقط أى إجراء قانونى أو رقابي، حتى فى رابعة خلال شهر رمضان، كانت تدخل آلاف الجنيهات يوميًا لتوفير وجبات الإفطار، لكن لم يكن هناك أى إشراف على كيفية صرفها». كما كشف نوح عن حالات تبرع للزواج من فتيات البوسنة المُشردات، قائلًا: «كان هناك تنافس على الزواج منهن، بينما لا أحد يهتم بفتيات الصومال، وبعض المتبرعين كانوا يدفعون مبالغ مثل 5000 جنيه لدعم زواج غير القادرين، لكن لا أحد يضمن أن هذه الأموال تصل لمَن يستحقها حتى المؤسسات التابعة للجماعة، مثل دار الطباعة والنشر، لا تمتلك أوراقًا رسمية أو نظامًا ماليًا واضحًا.. وأعرب نوح عن واقعة حول واقعة سرقة نصف مليار دولار كانت مخصصة لغزة، لا تقتصر على هذا المبلغ المُعلن، فالحقيقة قد تكون أضعافه، وأحد قيادات حماس نفسه، صرح بأنهم تعرضوا للنصب من قبل الإخوان، مما يكشف عن صراعات داخلية وفضائح متبادلة». ويختم نوح شهادته بالقول: «الإخوان يتعاملون فى المال وكأنهم فى عائلة، بلا أوراق أو شفافية. أما عمرو فاروق الباحث فى شئون الجماعات الأصولية وقضايا الأمن الإقليمى فقال إن قيام عناصر تابعة لجماعة الإخوان بسرقة أموال الصدقات والتبرعات المخصصة لمناصرة القضية الفلسطينية ليست بجديدة على الجماعة، خاصة أن ثمة وقائع مُماثلة لهذه الحالة ابتداءً من النزاع الذى حدث بين حسن البنا وأحمد السكرى «وكيل الجماعة حينها»، حول مصير أموال التبرعات التى يتم جمعها لصالح القضية الفلسطينية. وأكد فاروق، أن عدد مَن كتب القيادات التى ساهمت فى تأسيس التنظيم الخاص كشفت عن اختلاس أموال التبرعات والصدقات سواء التى تم جمعها لصالح القضية الفلسطينية أو التى تم جمعها من أجل الأعمال الخيرية والإنسانية على مستوى الداخل المصري، إن الجماعة استحوذت على أموال الصدقات والتبرعات وتم إنفاقها لصالح النشاط التنظيمي، من خلال إعادة تدويرها فى المشاريع الاقتصادية التى تضمن استمرار تدفق الأموال، خاصة أن الجماعة اعتمدت استراتيجية الدولة البديلة أو الموازية فى السيطرة على المجتمع واختراق مؤسسات الدولة فى الهيمنة على الطبقات الفقيرة والمُهمشة، فى ظل غياب الدور المنوط بمؤسسات الدولة حينها، لاسيما فى عهد مرحلة الرئيس السادات والرئيس مبارك. وأوضح فاروق، أن النظام السياسى الحالى انتبه جيدًا لهذا المشروع، فاتخذ إجراءات فاعلة من خلال توحيد عمل مؤسسات العمل الخيرى من خلال «التحالف الوطنى للمؤسسات الخيرية»، مع إيجاد رقابة صارمة حول طرق جمع التبرعات والأموال لصالح القضية الفلسطينية، بما يحقق حالة الممانعة تجاه استخدام أو توظيف هذه الأموال لصالح الجماعة ومشروعها التخريب فى الداخل المصري. وأشار فاروق إلى أن «منظمة الإغاثة الإسلامية» كانت أول منظمة «إسلامية» غير حكومية تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية عام 1994، حيث تلقت 180٫000 إسترلينى لتمويل مركز التدريب المجتمعى فى شمال كردفان بالسودان، وبعدها بثلاثة أعوام، فى 1997 أسست شركة تيك الدولية لإدارة إعادة تدوير الملابس الممنوحة للمنظمة بالمملكة المتحدة.. وأوضح أن الإخوان جمعوا أموالًا ضخمة عبر المنظمة خلال حروب البوسنة والهرسك وأفغانستان والشيشان والعراق، كما استفادوا من حالات المجاعة التى ضرت الصومال وجنوب أفريقيا وبعض المناطق المنكوبة، بهدف التوغل داخلها وإنشاء كيانات مُوالية للتنظيم الدولي. ثروت الخرباوى الخبير فى شئون حركات الاسلام السياسى، فأكد وجود صراع مالى بين جماعة الإخوان وحركة حماس تتجلى مقولة: «إذا اختلف اللصان ظهر المسروق» فى سياق أزمة تبرعات مُوجهة لغزة، حيث تتورط جمعية «وقف الأمة» الإخوانية التى تأسست عام 2013 فى إسطنبول ولها فروع فى أوروبا أبرزها فى ألمانيا، فى جمع تبرعات ضخمة بحجة دعم ضحايا القصف الإسرائيلى وإعادة إعمار القطاع، وكانت الجمعية فى السابق تقتسم هذه التبرعات مع حركة حماس أو تمنحها جزءًا منها، لكن مع تفاقم أزمات حماس وسعيها لتهدئة الوضع فى غزة، قررت الجمعية حجب الأموال عنها والاستئثار بها ما آثار غضب الحركة التى اعتبرت نفسها شريكًا فى هذه التبرعات، ويبدو أن انقطاع التمويل دفع أحد الشباب العاملين فى الجمعية والمقرب من حماس إلى تسريب أدلة تثبت أن الجمعية حصلت على نحو نصف مليار دولار من التبرعات جُمعت من تركيا وأوروبا وأمريكا لكنها لم تصل إلى غزة بل تم تحويلها إلى قادة الإخوان فى التنظيم الدولي. مشيرًا إلى أن المسئول الأول عن حملات جمع التبرعات إبراهيم الزيات أحد أبرز قيادات الإخوان فى أوروبا والذى نسق هذه الحملات بالتعاون مع جمعيات إخوانية أخرى فى ألمانيا، وتم توزيع الأموال بين قيادات التنظيم فى تركياوألمانيا وإنجلترا إلى جانب مسئولين آخرين من جنسيات أردنية ومصرية. وأضاف الخرباوى، أنه عام 1948 تم اتهام حسن البنا مؤسس الجماعة بالاستيلاء على تبرعات المصريين لفلسطين، مما دفع وكيل الجماعة الشيخ أحمد السكرى إلى الاستقالة ونشر الأدلة فى جريدة حزب الوفد. أما الحادثة الثانية، وقعت عام 2000، حين جمعت الجماعة تبرعات ومصاغ ذهبية من نسائها بزعم دعم فلسطين لكنها لم تصل إلى هناك، ما أدى إلى استقالات داخل التنظيم احتجاجًا على الاستيلاء. وأكد الخرباوى، أن الحادثة الثالثة فكانت فى تركيا، حيث أنشأ الإخوان، جمعية رابعة الخيرية لجمع تبرعات للشباب المهاجرين وأسر أعضاء الجماعة، لكن محمود حسين استولى على الأموال بالكامل، وكشف أحد قيادات الإخوان بتركيا هذه السرقات فى فيديو علني. الخرباوى أكد أن هذه الحوادث ليست استثناءً بل متجذرة فى تاريخ الجماعة، وأن واقعة نصف مليار دولار امتداد لهذا السلوك المنهجى فى استغلال التبرعات وتحويلها لخدمة مصالح التنظيم الدولى لا ضحاياه.