لعل من أعجب المشاهد فى التاريخ، أن يقف زعيم يحمل حاضر أمة كاملة، أمام قناعٍ لملك مات منذ آلاف السنين، فلا يملك إلا أن يسكن فى صمته، وتلمع فى عينيه دهشة أقرب إلى الخشوع منها إلى الإعجاب. هكذا بدا المشهد فى قلب المتحف المصرى الكبير، عند لحظة الافتتاح، رأيت الوجوه، وجوه أولئك الذين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها، يملؤها الذهول لحظة الوقوف أمام «قناع توت عنخ آمون». وقف القادة والزعماء والملوك والرؤساء على أعتاب الحضارة، كما لم يفعل أحد قبلهم، وقفوا أمام القناع، لم يجذبهم الذهب، ولا الدقة وحدها، بل كانت العظمة.. العظمة التى لا تفسر بالكلمات. ذلك القناع الذى لم يكمن سره فى أنه مصنوع من ذهب، ولا تحفة من مجوهرات، بل فى إنه الحقيقة ذاتها، وقد تجسدت فى وجه طفل صار ملكًا، ثم مات فصار خالدًا، إن الذهب لم يكن إلا المادة، أما الروح، فهى التى جعلت الملوك يحنون رؤسهم أمام قطعة صغيرة من حضارة أبدية.. ذلك القناع الذى ظل حيًا، وتحول إلى مرآة تظهر لكل من يقف أمامه وجهه الحقيقى، مبهورًا وخاشعًا، أو ربما صغيرًا أمام تاريخ لا يقارن. لقد رأى العالم بأسره، عبر الكاميرات وجوه الملوك والرؤساء وقد اختلطت فيها الدهشة بالفخر، والهيبة بالتواضع، رأوا مصر لا كأرض فقط، بل كزمن ممتد، ورحلة كتب لها أن تبدأ من الأهرامات ولا تنتهى. لعل أهم ما ظهر فى عيون الزائرين هو ما لم ينطق به، بأن مصر قادرة على أن تكون حديثة وقوية دون أن تتخلى عن إنسانيتها. لقد شعرت وأنا أرى ذلك المشهد، بأن مصر لا تروى تاريخها للناس، بل تملى عليهم درسًا جديدًا فى معنى الدولة، فالدولة ليست جغرافيا، ولا اقتصادًا، ولا حتى سياسة، الدولة روح، وإذا افتقدت الروح باتت جسدًا ميتًا، مهما امتلكت من مال وسلاح. المتحف الكبير ليس مبنى فخمًا فقط، بل سردية جديدة، تعيد كتابة الحاضر بلغة التاريخ، وتمنح المصريين فرصة أن يؤمنوا بأن ما كانوا عليه، هو ما يستطيعون أن يكونوه مرة أخرى. أرى أن الحفل رسالة إلى الداخل قبل الخارج، بأن عظمة الأجداد ليست للتباهى بل للبناء، وأن «توت عنخ آمون»، الصبى الذى مات صغيرًا، مازال يعلم الكبار معنى الخلود .