افتتح المتحف المصري الكبير أبوابه بالكامل وبصورة نهائية السبت الماضي، في حفل رسمي، وبحسب موقع كلوب اينوفاسيون الثقافي الفرنسي جاء افتتاح المتحف في حفل كبير شهده الرئيس عبدالفتاح السيسي في حضور عدد من ضيوف مصر، والذي جاء بعد افتتاح تدريجي بدأ عام 2024. يتخذ المتحف موقعا مميزا بالقرب من أهرامات الجيزة، ويُعدّ أحد أضخم المشاريع الثقافية في العالم، إذ يطمح لأن يكون أكبر متحف مخصص لحضارة واحدة على مستوى العالم. يضم المتحف المصري الكبير أكثر من 50 ألف قطعة أثرية تجسد الحياة في مصر القديمة، ويمثل بداية حقبة جديدة يلتقي فيها الماضي العريق لمصر مع أحدث الابتكارات التكنولوجية. يقدم المتحف لزواره تجربة غنية تعيد تعريف طريقة اكتشاف وفهم التاريخ المصري القديم، وذلك بفضل تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي والعروض التفاعلية المقدمة. يساوي مدينة الفاتيكان يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة تقارب 48 هكتاراً، أي ما يعادل تقريباً مساحة مدينة الفاتيكان. ويضم الموقع تمثالاً ضخماً يبلغ وزنه 83 طناً للملك رمسيس الثاني، عمره نحو 3200 عام، بالإضافة إلى سفينة ملكية عمرها 4500 عام تعود إلى الملك خوفو، باني الأهرامات. 23 عاما من الجهد استغرق العمل على المتحف 23 عاماً لبناءه، إذ بدأ العمل في 2003، بعد أن فاز المكتب المعماري الإيرلندي "هينيجان بنج" بعقد التصميم، إلا أن المشروع توقف لمدة خمس سنوات بسبب الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة عام 2011، ثم جائحة كوفيد-19. تضاعفت ميزانية المشروع تقريباً، من 500 مليون إلى مليار دولار (860 مليون يورو)، بتمويل كبير من القروض التنموية اليابانية. ويتميز المتحف بواجهة زجاجية ضخمة على شكل مثلث تحاكي تصميم الأهرامات المجاورة. يضم المتحف مساحة عرض دائمة تبلغ 24 ألف متر مربع، ومتحفاً للأطفال، وقاعات للمؤتمرات والتعليم، ومنطقة تجارية، ومركزاً كبيراً للترميم والحفاظ على الآثار. أما القاعات الاثنتا عشرة الرئيسية التي افتُتحت عام 2024، فتضم 50 ألف قطعة تغطي فترات ما قبل التاريخ حتى العصر الروماني، مرتبة حسب الحقبة والموضوع. وقد نُقلت العديد من القطع الأثرية من المتحف المصري القديم في ميدان التحرير، كما تم جلب قطع أخرى من متاحف إقليمية. أضيفت مكتشفات حديثة من مواقع أثرية مثل مقبرة سقارة، الواقعة على بعد نحو 22 كيلومتراً جنوب المتحف. كنوز توت عنخ آمون شهد الحفل السبت الماضي، افتتاح قاعتين لعرض مجموعة الملك توت عنخ آمون المكونة من 5000 قطعة، تعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته على يد هوارد كارتر عام 1922. صرّح حسن علام، الرئيس التنفيذي لشركة «حسن علام القابضة» المشغلة للمتحف، أنهم يتوقعون استقبال ما بين 15 ألفاً و20 ألف زائر يومياً، أي أكثر من 5 ملايين سنوياً. من جهة أخرى، قال أحمد غنيم، المدير التنفيذي للمتحف، إن القاعات مجهزة بأحدث التقنيات وتوفر عروضاً متعددة الوسائط تشمل تجارب تفاعلية بالواقعين الافتراضي والمختلط، بهدف الجمع بين التراث والابتكار في القرن الحادي والعشرين. تبدأ الرحلة قبل دخول المتحف في قلب التاريخ المصري قبل دخول الزائر إلى المتحف، إذ يمكنه من خلال تطبيق الهاتف المحمول التعرف على تفاصيل المعروضات، وتخطيط زيارته، وشراء التذاكر مسبقاً. وعند الوصول، يتحول المتحف إلى فضاء رقمي، فكل قاعة تقدم تجربة تمزج بين الصور المذهلة والدقة العلمية الفائقة. فبدلاً من مجرد مشاهدة التاريخ، يعيش الزائر تفاصيله. زيارات مخصصة بفضل الذكاء الاصطناعي يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تجربة الزائر. من خلال تطبيق المتحف أو الأجهزة اللوحية المتاحة في الموقع، يقوم النظام القائم على الذكاء الاصطناعي بتحديد نوع الزائر (باحث، طالب، أو سائح) ويصمم له مساراً شخصياً يناسب اهتماماته. فمحبو العمارة يتجهون إلى المعارض التي تبرز تقنيات البناء والهندسة في العصور القديمة، بينما يستمتع عشاق الأساطير بقاعات مليئة بالتماثيل والتحف وإعادات التمثيل ثلاثية الأبعاد للأساطير المصرية القديمة. «كل زائر يعيش تجربة فريدة في قلب التراث المصري». الواقعان المعزز والافتراضي يعيدان إحياء التاريخ تأخذ تجارب الواقع المعزز والافتراضي الزائر إلى مستوى غير مسبوق من التفاعل. فعند توجيه الجهاز نحو قطعة أثرية، يمكنه رؤية شكلها ووظيفتها قبل آلاف السنين. يمكن للزوار مثلاً مشاهدة عملية بناء الأهرامات حجراً بعد حجر، أو رؤية عرش توت عنخ آمون في كامل مجده بعد ترميمه. وفي بعض القاعات، تتيح الوسائط الرقمية استكشاف مقابر كاملة افتراضياً مع شروحات بعدة لغات، ما يمنح الزوار نظرة لم تكن متاحة إلا للعلماء وعلماء الآثار سابقاً. وفي الوقت ذاته، تُستخدم التكنولوجيا لحماية التراث إذ تراقب أجهزة استشعار ذكية تعمل بالذكاء الاصطناعي درجة الحرارة والرطوبة والإضاءة باستمرار لضمان سلامة القطع الأثرية الحساسة. كما تُسجَّل حالة كل قطعة في قاعدة بيانات رقمية شاملة توثق تاريخها وصيانتها. وتضمن أنظمة المراقبة الذكية أيضاً أمن الزوار وسلامة المعروضات، لتضع المتحف في طليعة المؤسسات العالمية في مجال إدارة المتاحف الحديثة. كما يولي المتحف اهتماماً كبيراً بالتعليم والإبداع، فيسرد مساحات تعليمية تفاعلية، يمكن للأطفال استخدام الشاشات اللمسية لبناء نماذج مصغرة للأهرامات، أو تصميم رموز هيروغليفية رقمية، أو محاكاة الحفريات الأثرية، مما يجعل تاريخ مصر القديمة في متناول الأجيال الجديدة، وتغذي فضولهم وخيالهم.