هناك لصوص ظرفاء، وآخرون يتّسمون بالسخافة، ويفتقدون أى قدرٍ ولو ضئيلاً من الإبداع. إلى النمط الأخير ينتمى ذلك الصهيونى، الذى اعتاد التغريد باللغة العربية، وترويج أكاذيب تتعلق بحضارتنا وحاضرنا. بالتزامن مع افتتاح المتحف الكبير، كتب منشوراً مستفزاً، قال فيه: «دعونى أعود بالزمن آلاف السنين قبل الميلاد، أنا الآن مع النبى موسى وبنى إسرائيل أمام الملك رمسيس الثانى، بعد أن فرغنا لتونا من بناء الأهرامات»! ثم يواصل ببجاحة منقطعة النظير: «نعم نحن من بنى الأهرامات»!!، يتجاهل هذا الصهيونى حقائق تاريخية أثبتها العلم، ومن بينها معلومة يعرفها أى تلميذ فى المرحلة الابتدائية، وهى وجود فاصل زمنى طويل، بين بناء الهرم الأكبر ورمسيس الثانى، يتجاوز 1400 عام. ورغم ذلك يسعى المنشور المخادع للمزج بين أكذوبتين: الإسهام فى تشييد إحدى عجائب الدنيا، ولصق تهمة فرعون الخروج بواحد من أعظم ملوكنا، فى محاولة لضرب عصفورين بحجر طائش، الأول تشويه تاريخنا، والثانى الزعم بوجود إسهام حضارى لفئة أجمعت الكتب المقدسة أن أبناءها كانوا مستعبدين فى مصر. بعيداً عن ردودٍ علمية تحتاج لمساحات أكبر من الكتابة، أعتقد أن ما أزعج الصهيونى وعصابته، هو ذلك الشعور الجارف بالفخر، الذى سيطر على الملايين بمختلف أعمارهم وطبقاتهم، وجعلهم يستعيدون روح الأجداد، بنشر صورهم وهم يرتدون ملابس قدماء المصريين، فى ظاهرة وطنية أصابت البعض بالقلق، لأن رهانهم على غياب الوعى بالتاريخ والأصول، ينكسر بجدارة أمام كل حدثٍ وطنى كبير، حيث ينسى المصريون معاناتهم الشخصية، ويجتمعون على قلب وطن واحد، باستثناءات قليلة. من بين هذه الاستثناءات، سارقو الفرحة الذين خرجوا بانتقادات ترتدى عباءة الدين، مستنكرين طوفان الصور التى تألقت بملابس قدماء المصريين، وأعتقد أن ردود آلاف الشباب على هذه الأقاويل كافية لردعها. الإنجازات الكبرى تدافع عن نفسها، وحضارتنا ستظل صامدة أمام حجارة متهافتة، ومع ذلك ينبغى عدم تجاهلها على المستوى الدولى، واستغلال الانبهار العالمى بالمتحف الكبير فى تسويق الحقيقة، فكما يقول المثل الشعبى المصرى: «الزن ع الودان أمرّ من السحر»!