بعد أكثر من عقدين من التخطيط والبناء، تفتتح مصر متحفها الكبير، الذي يُعد أكبر متحف أثري في العالم، في احتفالية عالمية، بمشاركة عدد من رؤساء الدول والحكومات وشخصيات دولية بارزة. يمثل هذا الحدث علامة فارقة في جهود الدولة المصرية لترسيخ مكانتها كعاصمة عالمية للتراث والحضارة العريقة. يقع المتحف المصري الكبير على هضبة الجيزة عند سفح الأهرامات، ويُعد أحد أهم المشاريع الثقافية في تاريخ مصر الحديث. يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع، ويضم قاعات عرض واسعة وأكبر مركز ترميم في الشرق الأوسط، وبلغت تكلفة إنشائه أكثر من مليار دولار. أندر الكنوز يضم المتحف بعضًا من أهم وأندر كنوز الأرض، راوياً قصة مصر في تحفة معمارية تمزج بين الإبداع الهندسي والعظمة التاريخية. يرتكز تصميمه على مفهوم الانتقال من العالم الحديث إلى عالم الفراعنة، مصطحبًا الزوار في رحلة عبر تاريخ مصر العريق، مقدمًا تجربة معمارية تفاعلية تبرز تميز وأصالة الهوية المصرية وروعتها. ويحتوي المتحف على أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي جميع عصور التاريخ المصري القديم، من عصر ما قبل الأسرات إلى العصر اليوناني الروماني. ومن أبرز معالمه المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، التي تُعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، والتي تضم أكثر من 5000 قطعة أثرية، إلى جانب متعلقات الملكة حتب حرس، والدة الملك خوفو، ومراكب الشمس التي أُعيد بناؤها لخوفو نفسه، بالإضافة إلى العديد من التماثيل والأعمدة الضخمة. ووفقًا لموقع Arabia Business، فإن حجوزات الفنادق في منطقة غرب القاهرة ممتلئة بالكامل لثلاثة أيام متتالية، في حين يستعد قطاع المطاعم والضيافة لزيادة كبيرة في الطلب تزامنًا مع قرب ليلة الافتتاح المنتظرة. وأوضح المسؤولون أن افتتاح المتحف سيرفع معدلات إشغال الفنادق بنسبة تتراوح بين 85 و90%، مع توقعات بأن يصل عدد السياح إلى مصر إلى 18 مليون سائح بحلول نهاية عام 2025، مقارنة ب15.3 مليون سائح خلال العام الماضي، وهو ما يؤكد أن المتحف لن يكون موقعًا أثريًا جديدًا فحسب، بل منصة عالمية تعيد رسم خريطة السياحة الثقافية في مصر. وفي السياق نفسه، تجري استعدادات مكثفة في منطقة الأهرامات والمتحف، حيث أفادت غرفة المنشآت السياحية والمطاعم بأن أكثر من 90% من المنشآت جاهزة لاستقبال الزوار. افتتاح عالمي خلال حفل الافتتاح، بقيادة المايسترو ناير ناجي وألحان الموسيقار هشام نزيه، تعزف أوركسترا تضم ما يقرب من 200 موسيقي مصري وعالمي المقطوعة السيمفونية Isis، في حدث من المتوقع أن يكون له تأثير إعلامي ورمزي كبير. ومن المنتظر أن تبدأ الزيارات العامة للجمهور في الرابع من نوفمبر، ليأتي المتحف الجديد بالفعل المشروع الثقافي الأكثر طموحًا في مصر الحديثة، والذي يهدف إلى تحويل منطقة الجيزة إلى مركز سياحي وتجاري عالمي. تعود فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير إلى ما قبل الألفية الجديدة، وبحلول عام 2002 أطلقت الحكومة المصرية مسابقة معمارية دولية تحت رعاية كل من منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، لتصميم مجمع متاحف جديد يضم أعظم الكنوز الأثرية في مصر والعالم، جامعًا بين الهوية المصرية والطراز المعماري الحديث، ليكون بمثابة بوابة ثقافية بين القاهرة الحديثة وأهرامات الجيزة. وكانت هذه المسابقة بالفعل واحدة من أكبر المسابقات المعمارية الدولية في التاريخ، حيث شارك فيها أكثر من 1550 فريقًا من 82 دولة، وخضعت المشاريع لتقييم لجنة تحكيم دولية من خبراء في العمارة والمتاحف والتاريخ المصري القديم. في حضن الأهرامات في عام 2003 وُضع حجر الأساس الرمزي في موقع المشروع، وفازت شركة الهندسة المعمارية الأيرلندية هينجان بنغ أركيتكتس بمسابقة التصميم المعماري للمتحف. ضم فريق التصميم 300 متخصص يمثلون 13 شركة من ست دول مختلفة. بدأ بناء المتحف المصري الكبير عام 2005، بتصميم معماري إبداعي يطل على أهرامات الجيزة، حيث مهد إعداد الموقع والأعمال التحضيرية الطريق لما سيصبح قريبًا أكبر مركز لحفظ الآثار في الشرق الأوسط، والذي تأسس في عام 2006. وقد افتُتح المركز رسميًا في عام 2010، وهو مخصص لاستعادة القطع الأثرية وحفظها وإعدادها للعرض. استُوحي التصميم من أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاث على بُعد كيلومترين فقط المؤدية إلى المتحف. ويعود اختيار هذا التصميم، الذي يغطي مساحة 500 ألف متر مربع، إلى مراعاته للموقع الجغرافي الفريد على حافة الهضبة الصحراوية، حيث يدمج المتحف بنجاح الصحراء ونهر النيل في رؤية معمارية واحدة، عند أول هضبة صحراوية بين الأهرامات والقاهرة في عام 2016 صدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بإنشاء هيئة المتحف المصري الكبير، والتي أُعيد تنظيمها لاحقًا في عام 2020 كهيئة عامة اقتصادية تابعة لوزارة السياحة والآثار. أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتشكيل مجلس أمناء المتحف برئاسته، ويضم شخصيات مصرية ودولية مرموقة. يشرف المجلس على التوجه الاستراتيجي للمتحف وعملياته، بينما يضم مجلس الإدارة، برئاسة وزير السياحة والآثار، قيادات تنفيذية وخبراء في مجالات الآثار والاقتصاد والقانون والتعاون الدولي والتسويق. شهادات دولية على الصعيد الدولي، حاز المتحف على شهادات تقدير في الصحة والسلامة المهنية، والإدارة البيئية، وأنظمة الجودة، وإدارة مخاطر كوفيد-19. وتؤكد شهادة EDGE Advance من مؤسسة التمويل الدولية (IFC) مكانته كأول متحف صديق للبيئة في أفريقيا والشرق الأوسط. بعد الافتتاح الكبير بعد غدٍ السبت، سيستضيف المتحف مجموعة من الفعاليات الثقافية والتعليمية. كما يضم متحفًا للأطفال ومركزًا تعليميًا، وسينما وقاعة مؤتمرات، بالإضافة إلى مساحات عرض مؤقتة ومناطق تجارية تضم مطاعم وحدائق ذات مناظر طبيعية، مما يجعله مركزًا ثقافيًا وسياحيًا شاملًا يعكس رؤية مصر في ربط التراث بالاقتصاد الإبداعي. ويقول المسؤولون إن المتحف المصري الكبير لن يقتصر دوره على كونه معرضًا ضخمًا لكنوز مصر القديمة فحسب، بل سيمثل أيضًا مركزًا عالميًا للتعليم والابتكار والتبادل الثقافي. ويستخدم المتحف أحدث التقنيات للعروض التفاعلية والتوثيق الرقمي وحفظ القطع الأثرية، مما يعزز مكانة مصر كوجهة رائدة للسياحة الثقافية، ومن المتوقع أن يجذب ملايين الزوار سنويًا. وبينما تضع القاهرة اللمسات الأخيرة قبل الافتتاح الذي طال انتظاره، يصف المراقبون الحدث بأنه لحظة فارقة، لحظة تؤكد إرث مصر الدائم بإعادة تقديم حضارتها القديمة للعالم أجمع. اقرأ أيضا: من عظمة الفراعنة إلى ذكاء المستقبل.. المتحف المصري الكبير يعكس عبقرية مصر الحديثة