■ كتب: د. فرج عبدالله جاءت مخرجات القمة لتمنح مصر دورًا قياديًا جديدًا، إذ أُعلن عن إنشاء آلية دولية لإعادة إعمار غزة برئاسة مشتركة بين مصر والأمم المتحدة، وبمشاركة البنك الدولى والبنك الإسلامى للتنمية. يعيش الشرق الأوسط مرحلة فارقة مع اقتراب نهاية الحرب فى غزة، حيث تتجه أنظار العالم نحو مستقبل جديد للمنطقة يحمل فرصًا غير مسبوقة لإعادة بناء السلام على أسس التنمية والاستقرار. وفى قلب هذا التحول، برزت مصر من جديد كفاعل محورى يسعى لإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية والسياسية للإقليم من بوابة شرم الشيخ، التى احتضنت قمة السلام باعتبارها منصة لإطلاق رؤية مصرية جديدة مفادها أن «السلام القابل للتنمية» هو الطريق الواقعى والوحيد لضمان استقرار دائم فى المنطقة. القمة التى جمعت قادة من الشرق الأوسط والعالم ومؤسسات مالية دولية، لم تقتصر على الدعوات السياسية، بل خرجت بخارطة طريق متكاملة تربط بين إعادة الإعمار، وتعزيز أمن الطاقة، وتنشيط حركة التجارة العالمية. وقد أكد البيان الختامى على أهمية التحرك الجماعى نحو نموذج تنموى إقليمى جديد تقوده مصر، يجمع بين الاستثمارات والبنية التحتية والتكامل الاقتصادي. وفى هذا السياق، أكدت القمة الدور المصرى الحيوى فى تأمين خطوط الملاحة العالمية، خاصة فى البحر الأحمر وشرق المتوسط، فى ظل التحديات التى واجهتها التجارة الدولية خلال العام الماضي. وأُعلن خلال القمة دعم دولى لخطة مصرية طموحة لتطوير ممرات النقل وتوسيع طاقة قناة السويس ضمن مشروع «المنطقة الاقتصادية 2030»، الذى يهدف إلى تحويل القناة إلى مركز متكامل للتجارة والخدمات اللوجستية. وتشير تقديرات الأونكتاد إلى أن استقرار الإقليم سيؤدى إلى زيادة حركة التجارة عبر القناة بنسبة تتراوح بين 8 و10٪ خلال العامين المقبلين، مدفوعة بانخفاض تكاليف التأمين وعودة الثقة فى الممر الملاحى المصرى الذى يمر عبره أكثر من 12٪ من التجارة العالمية. وفى قطاع الطاقة خرجت القمة بتبنى المبادرة المصرية لإنشاء تحالف إقليمى للطاقة النظيفة والغاز، بمشاركة الاتحاد الأوروبى والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، لتكون مصر مركزًا إقليميًا للطاقة فى شرق المتوسط. وقد أعلنت مؤسسات تمويل دولية عن التزامها بتوفير 1.5 مليار دولار لتطوير محطات الإسالة فى إدكو ودمياط، مما يعزز من قدرة مصر على تصدير الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا، ويدعم جهودها فى تأمين احتياجات الطاقة العالمية وسط تقلبات الأسواق الجيوسياسية. وبهذا، تتحول مصر من مجرد معبر للطاقة إلى محور استراتيجى يربط بين الإنتاج والاستهلاك، ويعيد التوازن إلى خريطة إمدادات الغاز فى المنطقة. أما على صعيد إعادة الإعمار فقد جاءت مخرجات القمة لتمنح مصر دورًا قياديًا جديدًا، إذ أُعلن عن إنشاء آلية دولية لإعادة إعمار غزة برئاسة مشتركة بين مصر والأمم المتحدة، وبمشاركة البنك الدولى والبنك الإسلامى للتنمية، لضمان الشفافية وتوحيد الجهود الدولية. وتعهدت الدول المانحة بتقديم تمويلات تفوق 10 مليارات دولار لإعادة بناء البنية التحتية وإحياء الاقتصاد المحلى فى غزة، مع منح مصر الدور التنسيقى والإشرافى الكامل على المشروعات الكبرى وإدارة المعابر، بما يعزز الارتباط الاقتصادى بين غزة وشبه جزيرة سيناء ويفتح المجال أمام مرحلة جديدة من التنمية المشتركة. كما تضمنت مخرجات القمة مبادرة مصرية لتأسيس منتدى دائم للسلام والتنمية فى الشرق الأوسط يُعقد سنويًا فى شرم الشيخ، لمتابعة تنفيذ المشروعات وتنسيق المبادرات الإقليمية بين الحكومات والمؤسسات الدولية. ودعت القاهرة إلى تعزيز الشراكات الثلاثية بين مصر والأردن وفلسطين، باعتبارها نواة لتكامل اقتصادى عربى أوسع يساهم فى تحسين سلاسل الإمداد وتسهيل حركة البضائع والاستثمارات. لقد أعادت قمة شرم الشيخ للسلام لمصر موقعها الطبيعى كقوة توازن إقليمية تمتلك أدوات التأثير السياسى والرؤية الاقتصادية الواقعية معًا. فالقاهرة اليوم لا تكتفى بالوساطة بين الأطراف المتنازعة، بل تطرح نموذجًا جديدًا لإدارة ما بعد الصراعات قائمًا على الاستثمار فى الاستقرار، وتحويل السلام إلى مكسب اقتصادى جماعي. وبينما تطوى المنطقة صفحة الحرب، تفتح مصر صفحة جديدة عنوانها «السلام المنتج»، سلام يقوم على التنمية والتكامل والبنية التحتية المشتركة، ويمنح الشرق الأوسط فرصة نادرة ليصبح خلال العقد المقبل محورًا عالميًا للتجارة والطاقة والاستثمار.